ذو العقل

  • 7/27/2018
  • 00:00
  • 51
  • 0
  • 0
news-picture

كل له عقله لكن العقول طبقات مختلفة، فهناك عقل جبار كعقل أينشتاين، وهناك عقل صغير كعقل «هبنقة» الذي قرأنا عنه ونحن صغار، إذ إن العقول طبقات ودرجات، وكل راض بعقله، يمارس حياته، وفقاً لأداء عقله وعطائه، والمشكلة أن أهل العقول الكبيرة هم الذين يتعبون في الحياة أكثر من غيرهم، بينما أهل العقول البسيطة والساذجة هم أكثر راحة وطمأنينة على حد قول المتنبي:  ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ  ***   وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ فصاحب العقل الكبير والراجح دائماً كثير الأسئلة، كثير الحيرة، شديد التبرم بالحياة المليئة بما يخالف قوانينه، ويعاكس أفكاره الذاتية ورؤيته الخاصة للكون والحياة.. ومن ثم فهو دائم القلق.. كثير الاعتراض.. يشعر بالانكسار وهزيمة واقعه له، لذا فهو عادة عرضة للأمراض كالقلق، والاكتئاب، وضغط الدم بسبب الحساسية المفرطة تجاه الرداءات والخيبات السياسية والأخلاقية مثلاً.. وكذلك من سلوك أو أفكار بعض الآخرين العفنة والبذيئة، والتي تؤذي ضميره وتكوي مشاعره.. ومن ثم فإن عطاءه يقل، وإنتاجه يتلاشى، ويظل يعيش في شبه عزلة، حيث ارتضى سحب نفسه داخل نفسه.. أو يظل دائم  الانشغال بما يلح عقله على بدنه حتى يفنيه. يحكى أن الشاعر أبا تمام ألقى قصيدته المعروفة أمام ابن المعتصم والتي يقول فيها:  إِقْدَامُ عَمْروٍ في سَمَاحَةِ حَاتمِ *** في حِلْمِ أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاسِ  فرد عليه الفيلسوف أبو إسحق الكندي حسداً له قائلاً: الأمير فوق ما ذكرت من أجلاف العرب. فرد أبو تمام على الفور بقوله:  لاَ تُنكِرُوا ضَرْبي لَهُ مَنْ دُونَهُ *** مَثَلاً شَرُوداً في النَّدى والبَاسِ فَاللهُ قَدْ ضربَ الأقَلَّ لِنُورِه *** مثَلاً مِنَ المشْكَاةِ وَالنِّبْراسِ قال الكندي: إن هذا الرجل لن يعيش طويلاً لأن عقله سينحت جسده.. وفعلاً لم يلبث طويلاً حتى مات.  وكان أبو تمام يضيق ذرعاً بأهل العقول الساذجة والبسيطة أو من نسميهم بالدهماء، وقد هجاهم أشد هجاء، وأعنفه حين شبههم بالأبقار، حيث ينسب إليه هذا البيت:  لا تَخْدَعَنْكَ الرؤى ولا الصُّوَرُ *** تسعةُ أعشارِ من تَرى بقرُ  وعلى العموم فإن هناك عقولاً راجحة حصيفة، ولكنها مؤذية لأصحابها تسبب لهم الكثير من الشقاء والتعاسة إذا أبعدت عن مناخها وأخرجت من حيزها وإرادتها.. وهناك عقول ساذجة بسيطة ترضى من الحياة بعيش الكفاف، وتغتبط دائماً بما هي فيه راضية، تنام وتأكل، وتشرب وتموت كما تموت الأنعام.. وهؤلاء يسمون بالدهماء، وهم بلا شك رغم كل ذلك من يحرك الحياة، فتستمر في سيرورتها، ومشيها الوجودي والذي لن يتوقف...!!

مشاركة :