كذب من روّج أن زعماءنا لا يرحلون إلا بالموت أو الاغتيال، ها نحن أمام "تاريخ" آخر، يكتبه "وسطاء" بعينهم، لا يهم من هم؟ الأهم هو عربة نقل الموتى التي باتت "تحت الطلب".

  • 4/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما قال المفكر الفرنسي فولتير (1694 ـ 1778) إن التاريخ ليس إلا محاولة لـ”تحايل الأحياء على الموتى”، كان يقصد غياب بعض الموضوعية أو الأمانة، إن لم يكن كلها، في كتابة هذا التاريخ. ولكن بعد قرن من الزمان لخص عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني فالتر بنيامين (1892 ـ 1940) الأمر كله عندما اعترف بأن “المنتصرين يكتبون التاريخ.. ولا يتركون للمهزومين سوى صياغة ذاكرة الهزيمة”! وما بين تحايل الأحياء على الموتى، وبين ما يخطه المنتصرون، ليس هناك على الطرف الآخر إذا سوى ذاكرة الهزيمة التي يتجرعونها ويحاولون تبريرها عبر اختراع تاريخ مستنسخ، يستدعون فيه كل تصورات “النعجة دوللي” للترويج لما تم انتقاؤه بعناية أو عبر وسطاء يتولون مهمة “التغييب”. في كتابه الشهير “الحلم النبيل” أرجع المؤرخ الأميركي تشارلز بيرد، هذا التغييب أو “الغيبة” إلى عوامل كثيرة، ربما يكون أهمها أن التاريخ ليس معلوما بشكل مباشر بل من خلال “وسيط” يصنعه بـ”المقاس″ أو “تحت الطلب” بالتعبير الدارج الذي نراه كثيرا منقوشا بالأحمر على عربات نقل الموتى، فهل ثمة علاقة بين تاريخ يكتبه وسيط ما ابن عصره وثقافته و”مصلحته” أيضا، وبين تشييع “جثمان” بشكل أو بآخر إلى مقبرة؟ برأيي نعم. ولأن النهايات واحدة، النادرون وحدهم من يجيدون صنعها، كان علينا أن نشهد في العقد الأخير من تاريخ بعض قياداتنا العربية من ينجحون جدا في البدايات، ولكنهم يرسبون بمرارة في اختبار نهايات تليق بهم وبما كان لهم يوما، وهذا ما أجاب عليه بيرد نفسه حين سُئل: “هل تستطيع أن تلخص التاريخ بإيجاز؟”، فرد بهدوء “إذا أراد الله أن يهلك رجالا، سلط عليهم الجنون والسلطان”، وفي قول آخر.. الغرور أو الحاشية. سبع زعامات عربية انتهت إلى مآلات مختلفة في فورة جنون مبهر، لم يستطع فيها “السلطان” أن يعصم من أمر شيء، نتفق أو نختلف عليه، واحد منهم فقط (صدام حسين) اختار نهاية تراجيدية بامتياز، صنع لنفسه فيها تاريخا مغايرا أمام حبل المشنقة، فيما اثنان قُتلا وسحلا بأيدي فوضويين، أما الأربعة الباقون فقد استسلموا للرحيل القسري أو العزل الإجباري. كذب من روّج أن زعماءنا لا يرحلون إلا بالموت أو الاغتيال، ها نحن أمام “تاريخ” آخر، يكتبه “وسطاء” بعينهم، لا يهم من هم؟ الأهم هو عربة نقل الموتى التي باتت “تحت الطلب” إلى حفرة.. منفى.. سجن.. حيث لا فرق بين النهايات الأسوأ.. منتصرون أم مهزومون؟ لا نعرف!

مشاركة :