الجماعة تمنح من أجل عيون «رابعة» لقب «شهداء» لضحايا «ماسبيرو»

  • 10/10/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نسائم الخريف المشبعة بعوادم السيارات، وكورنيش النيل الملبد بأطفال الشوارع، وباصات النقل العام المشوهة بعبارات الجماعة «سيسي قاتل» والمردود عليها بصوره الملصقة بعناية على الزجاج، ووجوه المارة الغائمة على رغم الشمس الساطعة، ومبنى «ماسبيرو» المدجج بالأسوار الآخذة في الارتفاع، أعادت كلها إحياء ذكرى مثل ذلك اليوم قبل عامين بالتمام والكمال. فعلى رغم الصفحات الكثيرة في كتاب التاريخ التي امتلأت واكتظت بأحداث ما أنزل الله بها من سلطان على مدى عامين مضيا، وعلى رغم تحول القاتل إلى مقتول، والجلاد إلى ضحية، والاتهام إلى تكريم، وعلى رغم أن المكان هو المكان، إلا أن الزمان ليس الزمان. صحيح أن اعوجاج الوضع مستمر وانسداد المشهد متواصل، إلا أن الذكرى لا تعترف بعراقيل ولا تتوقف أمام تفاصيل. فيوم أمس حلت الذكرى الثانية لـ «أحداث ماسبيرو» الدامية التي أقامت الدنيا وتصور بعضهم أنها لن تقعد، لكنها سرعان ما قعدت واتكأت حتى راحت في نوم عميق. عمق ما جرى في «ماسبيرو» ليل التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) 2011 سيظل سراً من أسرار الفترة الانتقالية الأولى إلى حين إشعار آخر، فلجان تقصي الحقائق، ووقفات صب اللعنات، ومطالبات التدويل، ومسيرات التنديد، ومحاولات الإلهاء، وبيانات التحذير تبددت في هواء التغيير ونسمات التحول الديموقراطي وبناء الدولة الحديثة على أسس المكاشفة والمصارحة وإعلاء مطالب الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية. عدالة السماء التي تكشر عن أنيابها حيناً وتحتجب عن التفعيل حيناً لحكمة لا يعيها إلا قليلون أغدقت على الإنسان بنعمة التذكر والنبش في الأرشيف والتنقيب عما جرى ردمه تحت تلال الأحداث المتلاحقة والمجريات المتتالية. فحين انطلقت مسيرة من الأقباط الغاضبين على خلفية إحراق كنيسة ماريناب إلى محيط مبنى «ماسبيرو» لتنتهي بسقوط 28 قتيلاً وعشرات المصابين في أحداث دامية شملت دهساً بالمدرعات وضرباً بالرصاص قبل عامين في أحداث عرفت بـ «يوم الأحد الدامي»، ظن المصريون أن أحداً لن يهدأ له بال أو يغمض له جفن إلا باستبيان حقيقة ما جرى ومحاسبة القتلة. لكن قليلاً من النبش أمس أسفر عن بيان حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، الصادر في أعقاب الأحداث الدامية، حيث استنكار لما جرى وتنديد بما تبع من مسيرات غاضبة وتظاهرات حانقة. ولأن الذراع الحزبية للجماعة كانت وقتئذ في عجلة من أمرها لتعجيل الانتخابات وتسريع دفع العجلة من أجل سرعة الاستحواذ وتمام التمكين أكد البيان أن «مشاكل الوطن يجب حلها في إطار من التفاهم المشترك وسيادة أحكام القانون مع إقرار حق التظاهر السلمي». ولأن التظاهرات في حينها كان من شأنها أن تعطل المسار نحو الكرسي والطريق نحو السلطة، ندد الحزب «الإخواني» بأي اعوجاج يجعل سلمية التظاهر تميل إلى «الاعتداء على الآخرين أو تعريض أمن وسلامة الوطن والمواطنين ومؤسسات الدولة للخطر»، ورفض رفضاً باتاً تحول الحق في التظاهر السلمي «إلى اشتباكات وإطلاق نار وسقوط قتلى وجرحى»، مؤكداً أن «علينا جميعاً ألا نسمح بالاعتداء على القانون أو إراقة دماء المصريين، فهذه الاعتداءات جريمة». اعتداءات التظاهر التي تسقط ضحايا وتريق دماء والتي كان يجب وقفها في التو واللحظة قبل عامين بالتمام والكمال في عرف «الإخوان» هي نفسها الاعتداءات التي تسقط ضحايا وتريق دماء وتعرض أمن وسلامة الوطن والمواطنين ومؤسسات الدولة اليوم للخطر، مع فارق واحد ألا وهو في تحول الشاجب إلى مشجوب، والمهرول نحو السلطة إلى مطرود منها، والمدافع عن الدولة إلى معول هدم لها. كشف حساب عسير عصف بمحافل الشباب ومعاقل الثوار الأصليين ومواقع التواصل الفعلي والافتراضي حيث اغترف الجميع من أرشيف أنصار الشرعية والشريعة الذين ركضوا نحو السلطة رافعين شعار «القصاص العادل» وركلوا منها بعد ما عز القصاص وعم الانشغال بشؤون التمكين. ووجد المصريون أنفسهم أمس مدفوعين نحو القصاص النفسي من الجماعة عبر استحضار ما جرى في «ماسبيرو» وما فعله «الإخوان» هذا العام. كتبت نهى: «اللهم لا شماتة. من انتفض ورفض في شدة مجرد إطلاق لقب شهيد على مينا (دانيال أحد شهداء «الأحد الدامي») وباقي ضحايا ماسبيرو يعاني الآن من عدم اعتبار من قُتلوا منه من فصيلة شهداء! افعل ما شئت فكما تدين تدان». وعلقت سلمى: «الإخوان اكتفوا بالفرجة بينما يتم دهس المتظاهرين أمام ماسبيرو، وعملوا من أجل مصالحهم وقتها. للأسف قتلوا بالبشاعة نفسها، ومصر كلها اكتفت بالفرجة عليهم». وتسأل إنجي حمدي: «تقول شهداء ماسبيرو، يقولوا: طيب ورابعة؟ ألا تعرفون كيفية الترحم على البني آدمين ككل؟ أم أن مبدأ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ما زال سارياً؟». لكن لسان حال أنصار «الشرعية والشريعة» في يوم الأربعاء المؤدي إلى جمعة من جمع محاولات السيطرة على ميدان التحرير أملاً في مزيد من القتلى بغرض التجارة والربح الحلال يشير إلى استمرار سريان المبدأ، فعلى رغم محاولات أصحاب أصابع «رابعة» الأردوغانية التظاهر بإحياء ذكرى «شهداء ماسبيرو» من باب المضاربة السياسية، إلا أنها صبت في خانة مزيد من الفضح والإمعان في الكشف. فمن كانوا قبل عامين ينددون بكل من يلوح بضلوع قوات الجيش في قتل متظاهري «ماسبيرو» واصفين إياه بأنه «خير أجناد الأرض» وناعتين قواته بأنها «رمز العزة والوطنية»، وممتنعين عن سبغ صفة الشهادة على من قتلوا، تحولوا اليوم إلى سب الجيش وقذفه، ونعت ضحايا «الأحد الدامي» بـ «الشهداء الأبرار». لكن كعادة الجماعة وحفاظاً على تقاليدها الراسخة، فإن الأذرع المختلفة عملت أمس على مستويات مختلفة، فمن ذراع تسبغ على ضحايا الأقباط صفة «الشهداء»، إلى ذراع تمارس رياضة الصيد في الماء العكر من محاولات لتأجيج مشاعر الأقباط وتهييجها ضد الجيش «القاتل السفاح سافك الدماء»، إلى ذراع ترتدي رداء الثورة معلنة المشاركة في فعاليات إحياء الذكرى برفع الأصابع الصفراء، إلى ذراع دفعتها تلقائيتها إلى المضي قدماً في نهجها المعتاد من دون أن تعي أن لـ «فايسبوك» عيوناً وأن لـ «تويتر» آذاناً. فظهر التنديد بـ «ادعاء النصارى أنهم قتلوا في ماسبيرو وهم من أطلق النيران على جيش مصر العظيم» في تغريدات «إخوانية» من أرشيف «تويتر» ولاح الوعيد بـ «من يبادر بالعنف لا يتم التعامل معه إلا بالعنف والبادي أظلم» من تدوينات «فايسبوك» 2011. المجد للأرشيف والشهداء.

مشاركة :