'ممتلكات لا تخصني' شعرية البوح في إذكاء جذوة النص

  • 12/24/2021
  • 00:00
  • 54
  • 0
  • 0
news-picture

"أمطر بركاتك علينا فنحن حملانك الطيبون المهرة في صنع الطغاة محترفو الموت هواة الهتاف.." إن الخطاب الغلافي من أهم عناصر النّص الموازي المساعدة على فهم جنس النّص الأدبي، والدخول إلى أعماقه من أجل الوقوف على مضامينه وأبعاده الفنية والجمالية، إذ يوجه القارئ من خلال العنوان والعناوين الفرعية واللوحة الفنية، كل هذه المضامين المعلنة والمضمرة تحيل إلى التّيمة العامة للعمل الإبداعي. قد تعكس لوحة الغلاف العديد من الدلالات المدركة، ولكن الأكيد أن هذه اللّوحة لم توضع عبثا، وإنما لتكون مؤشرا دالا على مضامين النّص فتحاكيها، ولذلك نرى أنه أداة لتمرير رسائل ترتبط بالمضمون ارتباطا قويا .وايضا تأويلية تتعلق بالمتلقي الذي قد يكشف عن علاقات التماثل بين لوحة الغلاف والمضمون . "ممتلكات لا تخصني"وهي عتبة بصرية هامة جدا، تحيلنا على العديد من التأويلات في المجموعة الشعرية، ربما هي إسقاطات ودلالات كثيرة من متعلقات براءة الانثى وبها أيضا خيال انفصام مع هذا العالم ونقصد هنا بـ"الهوية"، فقد حمل في طياته الغموض والإثارة معا لأننا تعودنا على مخاطبة الذات البشرية من خلال سبر أغوار أعماق الشخص وان نكشف الجزء المظلم فيه. ولكن هل سنرى ذلك على الرغم من الغموض والإثارة لذات الشاعرة المسكونة بالآخر "الممتلكات" تحاورها وبين الحضور والغياب تتزاحم الامنيات وتتسرب إلى الحلم . نصوص كتبتها الشاعرة بلغة شاعرية شفافة بسيطة فهمها كل من سمعها فامتلكت وجدانه. ولا شك أن سمات البساطة التعبيرية والسلاسة الإيقاعية والالتصاق بمعاناة -الإنسان والوطن والمراة - هذا المثلث الأبرز لخيارات الشاعرة الإبداعية . أقول هذا هو التوجه العام في قراءة مضامين قصائد الشاعرة -فكريا- .وهذه هي المعطيات تفرض ذاتها على القصيدة كما تفرض نفسها على المتلقي . اما بخصوص عناوين القصائد الشعرية الفرعية فانها تحتلّ مكانة بارزة من "حمولات دلالية " تنفتح على مختلف التأويلات، اضافة الى الوظيفة -التبليغ - قد تمارس وظيفة النقد فتنزاح اللّغة وتحقق القصيدة شعريتها في وعي القارئ، وبعد أن تكون الدلالة مفقودة يتم العثور عليها عن طريق التأويل. فتكون الدلالات أبلغ أو على الأقل أكثر تنوعا، وهنا يتفتح النّص على احتمالات متنوعة ومختلفة، وإن كل عنوان من هذه القصائد يضع القارئ في سياق النّص. هذا الخيار الإبداعي الذي يسخر فيه الشعر لخدمة هذا المثلث "الإنسان/الوطن/المراة وتفعيله لا يقلل من شأن الشعر ولكنه يعظم من شأن ذات الشاعر تجاه قضية الأمة التي ملأت وجدانها. وقبل ان ندخل الى متون مقاطع النصوص الشعرية لا بد ان نقف ونؤشر اهم مرجعيات هذه النصوص التي استعارتها الشاعرة ووظفتها لدعم مرجعياتها . اقتباس "وطن وطن بلا رتبة: جندي اعزل ..يمطره الاعداء موتا حبيبة التي يحلم بها خاطت لعودته ثوبين: ثوب للزفاف "ربما" واخر للخلاص....ص12 في هذه القصيدة كما في كثير غيرها، يمكننا أن نلتهب بحرارة العواطف وعنفوانها ونحن نصعد عاليا إلى قمة التحدي وقمة الولاء والانتماء ل "الام-الوطن" . ثم نغادر القصيدة ونحن ما نزال بذات الحماس بالرغم من الاحباط والانكسار. . اقتباس: "لاجنة تحت اقدامهن حين هرعن بعد الدوي حافيات للبحث عن أشلاء البنين لا نرجسات يترجلن عن صهوة الوهم لامهات على قارعة القلب....5" في المجمل القصائد في هذه المجموعة هي بوح شفاف وعميق شكلا ومضمونا وقد اتسمت بشاعرية البوح المدهشة استشفتها الشاعرة من حبكة أسلوبية ممتزجة بجمال وقوة العاطفة مما أضفى على القصائد مشاعر غارقة في- الحب والنقد - للتداعيات التي يمر بها الوطن والانسان معا.. وقد اتكأت الشاعرة على التناص مع الكتب المقدسة والمحسنات البديعية كالمجاز والكناية مما زاد شكل القصيدة ونبضها جمالا وقوة وتشويقا.  وهذه من التقانات في الخصائص المميزة للتجربة الشعرية وخاصة في قصيدة النثر وقد فرضت نفسها على المعنى بسبب المعطيات الجديدة التي تناولها الشاعر الحديث في نصه فهو لم يحمل علي عاتقه مهمة الكتابة لغرض القراءة فحسب فقط وإنما أصبح المتلقي مشاركا .فأصبحت مسئولية الشاعر: "تشكيل عوالم وسياقات التفاعل مع المتلقي وخلق خيوط وعناصر التواصل الحداثي معه لأن النص الشعري لا يشتغل ولا يُتَلقي ويُدرَك إلا ضمن سياق فني ودلالي خاص يؤدي دوره بفعالية في عملية انكشاف دلالات وأبعاد التراكيب والصور داخل النسق العام للنص". اقتباس ماعندي مااحول به دون صلبك غير اني اجيد النواح كحمامة والبكاء كغيمة...ص40 وقد تعمد الشاعرة إلى القصّ في الشعر. فإذا السرد قوام ينهض على الأفعال .وهل الشعر إلا حكاية تُرْوى وتخيل مشحون وقاموس من اللغة ثريّ وصور تؤسّس للنص أبعاده باعتماد التلميح بدل التصريح والإضمار عوض الإظهار، وإنه لمن آيات الإبداع في القول وإتقان الصناعة وذاك من دواعي الشعر ولا ريب.من وجوه الحياة اليومية إذ تقول في نص. اقتباس: "ابنة الشارع انا... والى انحناء ترتفع باستفهام قامتي عمري سبع برعمات يابسات سبع انفجارات اكلن السبعة التي كانت كل عائلتي...ص62" أغلب النصوص والتي تحدث تناصا مع نصوص مقدسة نجدها تؤازر ذات النص الشعري من تواشج وتراسل المعاني ويدل علي الإحساس الإنساني ووحدته داخل هذا الكون الذي يعيش فيه الشاعر وحيداً في معاناته بل إنها حالة نفسية جماعية لذا يعد سمة من سمات الخلق والانتماء.وربما هذا يدل على المعاناة النفسية ليكون البؤرة الأساسية التي تشعل نيران الكتابة عند الشاعرة ليجسد هذه العزلة من خلال الدلالات التي تاخذنا معها في رحلة مخاض زمني ينشطر إلي أزمنة متعددة : زمن تتجسد من خلاله الكتابة، وزمن الأحداث وصراعها، والزمن الداخلي المتعلق بالفترة التاريخية التي تجري فيها، والزمن التخيلي والذاتي . وفي هذا المقطع .يعتمد النص هنا على "مسرحة الحوار" وهي تناجيه علناً ودون مواربة وتمويه .. اقتباس: "اسمك ..جسر الضوء اليك .....جرح في الذاكرة وتعويذة تصد عني ألم الجراح اسمك ..يلق أبواب القلق يفتح نوافذ امال مستحيلة....ص14" النص هنا يستدعي سمة من سمات قصيدة النثر وهي التداعي الدلالي والذي تبرزه الشاعرة من خلال سرد مكنوناتها لتجسد حالة الصراع الذاتي الشاعرة تصهر الوجع عن طريق التفاصيل المباشرة التي تكتنز المعني - الأنا/الآخر- داخلها من خلال ملمح فن المنولوج الذي نلمحه عبر توصيفات نسيج السياق نفسه. النص انتقلنا في هذا المقطع من المنظوم المرئي إلى الدلالات الإيحائية البصرية فهو يشكل المجاز البصري بحيادية وموضوعية في الآن ذاته ،كما أنه يعتمد على البناء الفانتازي والمجاز البصري . إقتباس: "من علامات ظهورك.. انك لا تجيء من أجل ذلك شحذت الخيال بمبراة التوهم وأوقدت ظني فتخيلت بان لك عينين من دهور ماتكدس من حنان الامهات وصدرا شاسعا من رحيق الاوطان...ص52" إن الصور يربطها عامل شعوري واحد هو الإحساس بالأزمة "المصير" وتكون الصور خاضعة لنفسية الشاعرة فتفككها لتكوِّن منها صورة كلية .مما يفتح أفق الرؤية أمام عين المتلقي وترسم الصورة عبر لعبة تبادل الأدوار بين الذات/الاخر وذلك لإدراك الوجود الحقيقي لهذه الذات . اقتباس: "مارايك ان نتبادل الأدوار فأصبح انا القاتل والقتيل انت ما رأيك ان تجرب طعم الطعنة ومذاق النصل عندما يقتطف كبد الحكاية ويطعمه للصحبة الغادرة...ص35" يجسد النص البوح الشعري الذي يصل إلى درجة الهذيان والكبت في النص يمثل صورة كلية تنمو من خلال المشاهد الجزئية لتصل إلي حالة من النمو لكمال المشهد ويربطها عامل شعوري واحد هو الإحساس بالاغتراب وتكون الصور خاضعة لنفسية الشاعرة، كما المحنا في مواضع سابقة . اقتباس: "هم يطردونك من ذاكرة الخمائل يلقون بك في ذاكرة الحرب هم يخرجوك قسرا من البوم صور العائلة هنا كان أبوك يحتضنك يستبدلونك بكلب أعمى ...ويبتسمون...ص58" الخاتمة..أقول إن ما توفّرها هذه المجموعة الشعرية من رؤى وما تفتحه للقارئ من آفاق جديدة كي يرحل في أقاليم اللغة ويغوص في بحار المعاني وما يهيّئه له ذلك من متعة ورؤيا صور مدهشة نابضة خافقة بحسّ وجداني شفّاف رغم الفقد والاغتراب. وإنه كلما ازداد الشاعر التصاقا بهموم وطنه والانسان كلما ازداد توهج القصيدة وارتفع نسق الخطاب فيها من مجرد محاولٍة لنظم الشعر إلى محاولٍة جادة للتعبير عن مكامن تحديات المخاطر.

مشاركة :