زينات صدقي... «عانس السينما» تزوّجت في سن الطفولة!

  • 4/3/2023
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

سطعت نجومية الفنانة زينات صدقي في الخمسينبات من القرن الماضي، وتعتبر من أهم أيقونات الكوميديا في تاريخ السينما المصرية، وقدمت أكثر من 350 فيلمًا، وبعد مشوار حافل بالحب والوفاء والألم، انحسرت الأضواء عن النجمة الجريئة، ورحلت في يوم 2 مارس 1978، عن عمر يناهز 66 عامًا، تاركة وراءها رصيدًا ضخمًا من الأعمال الفنية الراسخة في وجدان الجمهور العربي. ظهرت زينات صدقي على الشاشة لأول مرة، في فيلم "بسلامته عاوز يتجوز" (1936)، تأليف بديع خيري وإخراج ألكسندر فاركاش، ولفتت الأنظار إلى موهبتها الكوميدية، بدور العروس الريفية أمام نجيب الريحاني وعزيزة أمير وبشارة واكيم وعبدالفتاح القصري. وتوالت أدوارها في أفلام الثلاثينيات، وشاركت في فيلم "وراء الستار" (1937) للمخرج كمال سليم، وبطولة تحية كاريوكا وعبدالسلام النابلسي والمطرب عبدالغني السيد، وأسند إليها المخرج فؤاد الجزايرلي دور "الهانم" في فيلم "بحبح باشا" (1938)، أمام ميمي شكيب وإحسان الجزايرلي ورياض القصبحي ومحمد الديب. وارتقت سلم الشهرة، حين شكلّت "دويتو" مع الفنان إسماعيل ياسين في أكثر من عمل منها "ابن حميدو" و"إسماعيل ياسين في الأسطول" (1957)، و"إسماعيل ياسين بوليس سري" و"المليونير الفقير" (1959)، و"حلاق السيدات" (1960)، وغيرها من الأعمال الكوميدية الناجحة. قدَّمت هذه النجمة التلقائية خفيفة الظل أفلامًا مع كبار المخرجين، منها “الحرمان” (1953) إخراج عاطف سالم، وبطولة عماد حمدي وزوزو ماضي، و”أنا الحب” (1954) للمخرج هنري بركات، وبطولة شادية ومحسن سرحان ويحيى شاهين، و”شارع الحب” (1958) للمخرج عزالدين ذوالفقار، وبطولة عبدالحليم حافظ وصباح وحسين رياض، و”بين إيديك” (1960) إخراج يوسف شاهين، بطولة شكري سرحان وعلوية جميل. وتمتعت صدقي بموهبة كبيرة في الأداء الكوميدي، ولكنها ظلت بعيدة عن أدوار البطولة المطلقة، وارتبطت صورتها في أذهان الجمهور بأدوار الفتاة التي فاتها قطار الزواج، وأطلق عليها النقاد لقب “أشهر عانس في السينما المصرية”. طريق الفن وُلِدت زينب محمد سعد في 4 مايو 1912، بحي الجمرك بمدينة الإسكندرية الساحلية، وتزوجت في الرابعة عشرة من عمرها من طبيب يكبرها بنحو 25 عامًا، واستحالت العشرة بينهما، وانتهت بالانفصال بعد شهور قليلة، وأراد والدها أن يزوجها مرة أخرى، لكنها رفضت وفرت من المنزل، واتجهت إلى طريق الفن، واختارت اسمها الفني “زينات صدقي”. وبدأت الفتاة الهاربة مشوراها الفني، كراقصة ومغنية في الفرق المتجوّلة، وعانت كثيرًا في تلك الفترة، وظلت تحلم بالشهرة، وتمردت الفنانة المغمورة على الشقاء اليومي مقابل أجر ضئيل، وسافرت إلى القاهرة، وانضمت إلى فرقة بديعة مصابني. تزوجت في سن الرابعة عشرة وانفصلت بعد أشهر قليلة غزل البنات في ذلك الوقت، طرقت أبواب المسارح الشهيرة، وابتسم لها الحظ عندما رآها نجيب الريحاني وسمعها بالمصادفة تتشاجر مع أحد عمّال المسرح وراء الكواليس، وأدرك بِحسه الفني موهبتها، وضمها إلى فرقته، وأسند إليها أدوارًا رئيسية، وأصبحت من نجمات الفرقة في فترة الثلاثينيات. وفتح لها الريحاني أبواب السينما، وشاركت معه في سلسة من الأفلام الناجحة، وكان آخر لقاء بين التلميذة والأستاذ في فيلم “غزل البنات” (1949)، إخراج أنور وجدي، وشارك في البطولة ليلى مراد وسليمان نحيب وفردوس محمد، وعبدالوارث عسر، ومحمود المليجي واستيفان روستي وفريد شوقي، وظهور خاص لعميد المسرح يوسف وهبي والموسيقار محمد عبدالوهاب. تميمة النجاح واعتُبِرت زينات صدقي “تميمة النجاح” لأي فيلم في حقبتي الأربعينيات والخمسينيات، واشتهرت بخفة الظل والتلقائية في التمثيل، وشكّلت حضورًا مميزًا على الشاشة، ونالت حب وتقدير زملائها وجميع العاملين في المسرح واستوديوهات التصوير، وأظهرت قدرًا كبيرًا من التواضع. ومن مواقفها الإنسانية أنها كانت تعطف على كومبارس بفرقة الريحاني، وذات يوم كان يقف خلف الكواليس، ووقع فجأة على الأرض، ونُقِل إلى المستشفى، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة، فتكفلت بمصاريف جنازته، وشيعته مع أفراد أسرته، وأخذت تنادي كل من يجلس على المقاهي وأبواب المحلات، للمشاركة في الجنازة، وذهبت للمسرح بعدها ونشبت مشادة بينها وبين بديع خيري وسراج منير وعباس فارس، لأنهم تكاسلوا عن تشييع الجنازة، وقالت لهم: “يعني دا لو كان يوسف وهبي ولا محمد عبدالوهاب مش كان زمانكم بتجروا على الجنازة عشان تطلعوا في الصور؟”. انفصلت عن زوجها الثاني بعد أن طلب منها إيداع أمها بدار للمسنين الجريئة والعندليب ارتبطت النجمة الجريئة بعلاقة طيبة بالمطرب عبدالحليم حافظ، واعتبرها العندليب مثل والدته، وأثناء تصوير فيلم “شارع الحب”، اعتادت تناول طعامها في فترة الاستراحة، وذات يوم عزمت عليه بالطعام فقال لها: “دا أكلي يا ماما زينات؟” وأخرج من جيبه علبة دواء، فبكت من شدة التأثر، ولم تأكل. وكان عبدالحليم يتصل بها دائمًا حتى بعد ابتعادها عن الأضواء، ويقول لها: “مش عاوزة حاجة يا زينة؟ طول ما انتِ تدعيلي هابقى بخير”، ويحضر لها هدايا في عيد الأم، وذات مرة سافر إلى المغرب وأعطاه الملك الحسن الثاني هدية، فأصر على أن يشتري لها هدية مثلها، وكان يوم رحيل العندليب أكبر صدمة في حياتها، وامتنعت عن الطعام، ورفضت الذهاب للعزاء، وقالت إنها لا تستطيع أن تدخل بيته وهو غير موجود فيه. مشهد من أحد أفلامها مع عبدالحليم حافظ مشهد من أحد أفلامها مع عبدالحليم حافظ التضحية والوفاء تزوجت زينات صدقي للمرة الثانية من أحد رجال ثورة يوليو 1952، ووجدت معه الحب والسعادة، ولكنه اشترط عليها أن تترك الفن وتتفرغ لبيتها، وأن تودِع والدتها في دار للمسنين، فرفضت ذلك واحتدم النقاش بينهما، وقيل إنها طردته، واختارت الابنة الوفية أن تضحي بسعادتها، لترعى أمها القعيدة. وروت حفيدة شقيقتها عزة مصطفى، أن زينات صدقي حزنت حزنًا شديدًا بعد الطلاق، لأنها كانت تحب زوجها، ولكنها أصرت على عدم العودة إليه رغم محاولاته، وأن الرئيس جمال عبدالناصر حاول التدخل للصلح بينهما، واتصل بها، وقال: “مستعد أصالحكم”، فقالت له: “دا أناني، قال لي سيبي شغلك، وإرمِ أمك”، فقال لها الرئيس: “خلاص، اعتبري أني لم أحدثكِ في هذا الموضوع”. لم تنجب من زيجتيها فقامت برعاية ابنة شقيقتها «نادرة» السيدة البارة وعاشت نجمة الكوميديا مع “نادرة” ابنة شقيقتها “سنيّة” التي تبنتها منذ مولدها، وكانت “نادرة” بنتًا على 13 ولدًا، فعرضت زينات على أختها أن تأخذها لتربيها معها وتتخذها ابنة لها لأنها لم تنجب، وتولت تربيتها وتعليمها حتى تزوجت وأنجبت توأمها “طارق وعزة”، واعتبرتهما زينات حفيديها وتولت رعايتهما وتربيتهما. وكانت زينات صدقي بارة بوالدتها وأفراد عائلتها، وحين أصيبت أمها بالشلل، ظلت ترعاها طيلة 30 عامًا، وتشتري لها الملابس من أرقى المحلات، ومنحتها الأمل أنها ستعود للمشي مرة أخرى، وأقامت لشقيقتها حفل زفاف حضره عددٌ كبير من النجوم، منهم عبدالحليم حافظ، وتحية كاريوكا، وألحقت “طارق وعزة” بمدارس أجنبية، حتى عندما تغيّر الحال، رفضت بشدة اقتراح أمهما “نادرة” أن تنقلهما إلى مدارس حكومية. وكانت نجمة الكوميديا تعاني مرض “وسواس النظافة”، فكان لا يجرؤ أي شخص على الإمساك بأدوات طعامها حتى لو كان أقرب الناس إليها، ولا يقترب منها إلا خادمين فقط كان لهما الحق في لمس هذه الأدوات، هما “عثمان” السوداني الذي كان يعمل لديها بالمنزل، و”فلتس” الذي كان يعمل لديها بالمسرح. وظلت زينات صدقي تنفق على عدد كبير من أفراد عائلتها، حتى وصلوا لمناصب مرموقة، وكانت سُفرة بيتها تضم 24 مقعدًا لتتسع لضيوفها. وكان زوج شقيقتها فاطمة يمتلك مزرعة فتشترى 100 دجاجة أسبوعيًا وتوزعها على جيرانها والبائعين بجوار المنزل، وتصر يوميًا على إطعام عمّال النظافة. وذات مرة ذهبت مع حفيدتها عزة لشراء طقم أوانٍ من محل شهير وبمجرد دخولهما العمارة أسرعت إليهما إحدى الخادمات لتحمل عنهما المشتريات، وعرفت منها أنها مخطوبة ويتيمة فأقسمت أن تعطيها الطقم هدية، وقالت لحفيدتها: “يا بنتي مَنْ تواضع لله رفعه، وهذه يتيمة ولازم نجبر بخاطرها”. عبدالحليم حافظ يتسبب في بكاء نجمة «شارع الحب» أثناء تكريمها من الرئيس أنور السادات أثناء تكريمها من الرئيس أنور السادات لفتة إنسانية عندما انحسرت الأضواء عن النجمة الشهيرة، بادر الرئيس أنور السادات، بلفتة إنسانية، بعد أن علم بمأساتها في المرض والوحدة وعدم القدرة على العمل، وكرّمها في أول عيد للفن عام 1976، وأعطى لها مكافأة مالية قدرها 1000 جنيه ومعاش 100 جنيه شهريًا يكفي احتياجاتها الضرورية، ودعاها لحفل زفاف ابنته، وجلست بالطاولة المجاورة له، وهمس في أذنيها إن احتاجت شيئًا أن تتصل به عن طريق وزير الثقافة الأديب يوسف السباعي. نجيب الريحاني يكتشفها بعد مشاجرة خلف الكواليس الأيام الأخيرة وظهرت النجمة الكوميدية لآخر مرة على الشاشة في فيلم “السراب” (1970) قصة الأديب نجيب محفوظ وإخراج أنور الشناوي وبطولة ماجدة ونور الشريف ورشدي أباظة، وتحية كاريوكا، وأُسدِل الستار على مشوارها الفني عام 1975، حين شاركت في فيلم “بنت اسمها محمود” للمخرج نيازي مصطفى، وبطولة سمير غانم وسهير رمزي وسمير صبري ومحمد رضا. وظلت زينات صدقي في أيامها الأخيرة، تعيش وسط أولاد أختها ولم تبع أثاث منزلها أو تتسوّل كما أشيع، وظلت تتأسى وحدها على ما آل إليه حالها بعد الشهرة والمجد والأضواء، وقالت إن الفن أخدها لحمًا ورماها عظمًا. وعقب إصابتها بماء على الرئة، رفضت الذهاب إلى المستشفى، وبعد أسبوع من مرضها، رحلت نجمة الكوميديا في هدوء وصمت، ولم تكن جنازتها تليق بمكانتها الفنية. قاضية فرقة الريحاني تنقذ شَعر نجوى سالم اعتادت زينات صدقي طوال عمرها، أن تكون سندًا للمظلوم مهما كلفها ذلك من تضحيات، وأثناء عملها في فرقة الريحاني، أطلق عليها زملاؤها “قاضية الفرقة”. وذات يوم لجأت إليها الفنانة نجوى سالم في بداية عملها بالفرقة، واستنجدت بها قائلة: “الحقيني ميمى وزوز شكيب عاوزني أقص شعري، وقالوا يا إما تقصيه أو تمشي، وأنا مش عاوزة أقص شعري”. وطمأنتها صدقي، وذهبت للفنان نجيب الريحاني، وأخيرته بما حدث من الفنانتين زوزو وميمي شكيب، وأنهما إذا أجبرا سالم على ذلك، فإنها ستترك الفرقة، وقالت للأختين شكيب أن يبتعدا عنها، فقالتا: “راحت لقاضي الفرقة”، لأنها كانت منصفة ولم يكن الريحاني يرفض لها طلبًا. الزعيم جمال عبدالناصر يتدخل للصلح بين أيقونة الكوميديا وزوجها سر دفنها في مقابر الصدقة تعرضت زينات صدقي للشائعات في حياتها وبعد رحيلها، ونفت حفيدتها عزة مصطفى، أن تكون النجمة تعرضت للإفلاس، أو أنها باعت أثاث منزلها بالكامل، والحقيقة أنها باعت قطع الأثاث الغالية لتسديد الضرائب، واشترت أثاثًا آخر أقل منه في الثمن. وروت الحفيدة حقيقة دفنها في “مقابر صدقة”، وأكدت أن هذا المدفن خاص بزينات صدقي، وقد كُتِبت عليه عبارة “عابر سبيل” بناء على رغبتها، وكانت تدفن به الفقراء الذين لا يملكون مكانًا لدفنهم، ومنهم ممثل مغمور بفرقة الريحاني يُدعى محمد فوزي، وأشيع وقتها أنها زوجته. وبدأت حكاية المدفن، عندما رأت في المنام مصاحف كثيرة، فاقتنت مصاحف كثيرة في منزلها، وكل من يأتي لها تهديه مصحفًا، حتى لم يبق لها إلا مصحف صغير حفظت منه القرآن الكريم، وكانت تضع ورقة فيها دعاء مختلف في كل سورة قرآنية. وكتبت على مدفنها الخاص “مدفن عابر سبيل” ووضعت فيه حنفية مياه لأهل المنطقة، وكتبت عليها: “لا تنسوا الدعاء لزينب محمد سعد”، وهو اسمها الحقيقي. ونفت حفيدتها أن تكون زينات صدقي من يهود مصر كما قال الدكتور محمد أبوالغار في إحدى المقابلات التلفزيونية، وأشارت إلى أن والدتها (ابنة شقيقة زينات صدقي) كانت تنوي رفع دعوى قضائية ضده لكن أدركها الموت. طه حسين طه حسين طه حسين يمنحها درجة الدكتوراه في الأدب والأخلاق كانت زينات صدقي تستعين بسيدة فرنسية لتعلمها الاتيكيت والعزف على البيانو، كما كانت تجيد اللغة الفرنسية، وفي إحدى الحفلات، قابلت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فسلّمت عليه وكانت معه زوجته الفرنسية. وبمجرد أن قالت له “يا دكتور”، رد قائلًا: “أنا أعرف هذا الصوت”، فقالت: “لن أتعبك في التفكير، أنا زينات صدقي، ولم آخذ شهادات غير الابتدائية، وأحاول تطوير نفسي، وعندي مُعلمة فرنسية تعلمني، وأنا في قمة السعادة أني قابلتك”. وظلت نجمة الكوميديا تتحدث مع عملاق الأدب، فقال لها: “بأسلوبك في الكلام أمنحك درجة الدكتوراه في الأدب والأخلاق والإلقاء، ولي الشرف أني قابلتك”، ووقف وقبَّل يدها وظلت تفتخر بهذا الموقف طوال حياتها.

مشاركة :