جدة.. غير غير

  • 6/5/2016
  • 00:00
  • 55
  • 0
  • 0
news-picture

من أسوأ ما يمكن أن تقوم به هذه الأيام.. الخروج من منزلك مضطراً.. إما للزيارة.. أو للتسوق.. تفكر قبلها في الطريق الذي سوف تسلكه من أجل أن تصل إلى وجهتك.. وتخترع الأزقة التي توصلك أسرع.. وتهرب بك من الزحام الكئيب الذي تعاني منه مدينة جدة.. طوال السنة ولكن في فترة الإجازات.. يكون الزحام كارثياً.. وغير محتمل.. تشعر معه أنك تتنفس الاختناق.. مسجوناً داخل سيارة.. يضرب فيك التكييف.. خاصة لو كنت بالنهار.. والشمس تقوم بدورها في استلامك بحراراتها القاسية.. والتي تجعلني أشك بأن درجة الحرارة ليست هي التي تقولها مصلحة الإرصاد..! منذ يومين كان لديّ مشوار إجباري.. قررت أن أجرب الخروج عقب صلاة العصر مباشرة.. وكانت المفاجأة أن طريق المدينة الذي يوصلك لكوبري الصالة الملكية.. ومنها إلى حي المرجان مروراً بالكرة الأرضية فارغاً.. وتلك الإشارة البغيضة التي توقفت أمامها قبل شهر أكثر من ست مرات تطفئ وتضيء حمراء وخضراء.. لم يكن أمامها سوى سيارتين أو ثلاث.. لم يستغرق الطريق أكثر من ٢٥ دقيقة.. مقابل ساعة وأكثر في مشوار المساء.. وهي فترة ذروة الزحام.. ونفير الناس في مركباتهم.. إلى كل مكان.. في المدينة من شرقها لغربها لجنوبها.. المشكلة أنّ الطريق الهادئ والفارغ والرايق انعكس على نفسيتي.. ذهبت المشوار وعدت في ساعة ونصف هادئة رايقة.. غير متوترة أو منزعجة.. من الاختناق المروري الذي أصبح من كوارث المدن الكبيرة.. وأصبحت المرأة تقود من مقعدها الخلفي مع السائق.. تشرح الطريق وتفكر في مخارج للهروب من الزحام.. وتوجه لليمين أو اليسار وكأنها هي من تقود وليس السائق.. الطريف أنه يتقبل اقتراحاتك.. وقيادتك التوجيهية.. وأحياناً توجهي لطريق بأنه دائماً فارغ وغير مزدحم.. ولكن السائق ينتصر لرأي اختياره للطريق.. ولا ينجح.. ويتعلل أن هذا الطريق كان فارغاً دائماً..! هل هذا الزحام الرهيب.. الذي يدفعك للغضب والتوتر من طول البقاء في السيارة.. وإن كنت هادئاً قد تنجز الكثير في هذا التوقف من قراءة سريعة.. واتصالات لم تستطع القيام بها في المنزل.. ولكن كل ذلك مرتبط بقدرتك على الهدوء.. وعدم القلق.. واعتبار ماأنت فيه حالة متكررة.. تحتاج منك إلى السكينة.. وضبط الأعصاب.. خاصة لو كنت مضطراً للخروج.. سببه كثرة المركبات وتجاوزها مساحة الطرق التي صممت لوقتها وليس لخمسين سنة قادمة..؟ فكل منزل به عدة سيارات.. وللسائق الواحد أحياناً أكثر من سيارة.. إضافة إلى الكارثة الأهم وهي هذه الطرق المغلقة والإنشاءات التي تغلق الشوارع وتجعلك تعاني وأنت ترى المكان الذي ذاهب إليه ولكن عليك أن تواصل الطريق البعييييد من أجل أن تلتف وتصل إليه.. عدد هائل من الشوارع مغلق.. واللفات التي تدخل منها للعودة للشارع لو أردت أغلبها مغلقة.. وهو ما يدفع السائق للذهاب إلى اللفة المتاحة وقد تكون في آخر جدة.. سنوات طويلة والإنشاءات في الشوارع مستمرة ولا يعلم المواطن متى تنتهي..؟ القادمون إلى جدة كسياح.. لأن جدة غير.. يزيدون من الزحام.. بسياراتهم.. من كل مناطق المملكة.. رغم أن جدة غير هذه الأيام بطقسها الرطب والساخن.. والذي يدفع أهلها إما للاختباء في منازلهم أو السفر خارجها.. وتركها للسائح يستمتع بها.. الذي يدفع مبالغ رهيبة في الشقق المفروشة.. والأسواق.. والمطاعم.. وينعش الحياة الاقتصادية للمدينة..! جدة غير.. بحرّها اللاهب.. ورطوبتها الخانقة.. وزحامها المخيف.. ولكن تظل تلك المدينة الجميلة الآسرة الحاضنة لكل الثقافات.. الصاخبة الفائضة بالحب.. وتحويل الحياة إلى حكاية.. وحواديث ضفاف رايقة..!!

مشاركة :