ليبيا: خطوة إلى الأمام.. خطوتان إلى الخلف

  • 9/1/2016
  • 00:00
  • 72
  • 0
  • 0
news-picture

د. هشام بشير تتجه الدولة الليبية نحو المزيد من ضبابية المشهد السياسي الملتبس في ظل استمرار ضيق الأفق والانسداد السياسي للفرقاء الليبيين وتباين مصالح القوى الدولية والإقليمية وغلبة العامل القبلي على مفهوم الدولة، فكلما حققت ليبيا خطوة للأمام تعود خطوتين للخلف. رفض مجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق بشرق ليبيا في الثاني والعشرين من شهر أغسطس/ آب الجاري منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني - التي شكلت في فبراير/ شباط من قبل المجلس الرئاسي الليبي الذي تم تشكيله بعد اتفاق مدعوم من الأمم المتحدة، وقع في مدينة الصخيرات المغربية أواخر العام الماضي - حيث صوت 61 عضواً بالرفض، فيما امتنع 39 عن التصويت، ووافق عضو واحد فقط، بحضور 101 عضو ليكتمل النصاب القانوني للتصويت للمرة الأولى منذ 6 أشهر. وفي خطوة لتلطيف الأجواء السياسية الملتهبة وخلال نفس الجلسة البرلمانية طالب أعضاء مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح، المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج بتشكيل حكومة جديدة مصغرة تضم من 8 إلى 12 وزيراً في مدة أقصاها من 10 أيام إلى 15 يوماً، وفقاً لما ينص عليه الاتفاق السياسي، وبناء على ما سبق فقد تعهد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في بيان له بالموافقة على طلب البرلمان وعرض تشكيلة وزارية جديدة، بعد إجراء مشاورات واسعة مع كافة الأطياف السياسية والمدنية بهدف توسيع قاعدة التوافق الوطني، كما أكد المجلس الرئاسي تطلعه إلى العمل مع مجلس النواب ومجلس الدولة لتنفيذ كافة استحقاقات الاتفاق السياسي الليبي، بما في ذلك التعديل الدستوري بشكل عاجل وفقاً للالتزامات والمسؤوليات التي حددها الاتفاق السياسي. من المثير للجدل أن مجلس النواب الليبي قد رفض تشكيل الحكومة المقدمة من جانب فايز السراج للمرة الثانية- حيث تم رفضها في المرة الأولى في 25 يناير/كانون الثاني 2016- ولكن قبول رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لمقترح البرلمان بتشكيله حكومة جديدة أثار الشكوك في شرعية الحكومة المرتقبة، خاصة أن رفض الثقة جاء للمرة الثانية ومن ثم فإن ولايته قانوناً في حكم المنتهية، ولا يجوز له تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً للمادة الثالثة من الاتفاق السياسي الذي ينص على أن منح الثقة يتم بالإجراءات المقررة قانوناً، علماً بأن الإجراءات تقضي بسقوط المكلف بتشكيل الحكومة إذا ما فشل في تمرير حكومته مرتين متتاليتين أمام البرلمان، وذلك حسب المادة 180 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب المعتمدة بالقانون رقم 4 لسنة 2016، والأمر سالف الذكر أشار إليه بعض أعضاء مجلس النواب وأبرزهم النواب طارق الجروشي، وصالح قلمة، وزياد دغيم الذين أكدوا أن رفض منح الثقة يعني سقوط المجلس الرئاسي، الذي فشل في تشكيل الحكومة مرتين. وإذا تم التغاضي عن المخالفة الدستورية السابقة فإن حكومة الوفاق الوطني المرتقب تشكيلها سوف تواجه معضلتين، فالحكومة تحتاج إلى أمرين أولهما منح الثقة من البرلمان، وثانيهما تضمين الاتفاق السياسي الذي جرى بمدينة الصخيرات المغربية في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم ضمن بنود الإعلان الدستوري للحصول على الغطاء الشرعي، وحتى يتحقق الأمران فإن ذلك يحتاج إلى توافق وتفاهم بين الفرقاء الليبيين الباحثين عن إرضاء القوى الدولية والإقليمية والقبلية الداعمة لهم، وهو أمر صعب المنال إذا لم يكن هناك توافق وتفاهم بين فرقاء الخارج، وهو ما يحتاج إلى جهود مضنية من جانب هيئة الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا مارتن كوبلر الذي ساهم في تفاقم الأزمة الليبية - رغم جولاته المكوكية في المرحلة الراهنة- من خلال الدور الذي لعبه في فرض حكومة الوفاق الوطني على هيئة الأمم المتحدة بل وأيضاً الجامعة العربية بل واعتماد حكومة الوفاق الليبية كممثل شرعي وحيد عن الدولة الليبية، قبل منحها الثقة من جانب مجلس النواب الليبي الجهة المنوط بها ذلك الأمر. تباينت ردود الأفعال الدولية والإقليمية والداخلية حول ما جرى مؤخراً من رفض البرلمان منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني وإعلان فايز السراج عن احترامه لقرار مجلس النواب وتقديمه لحكومة جديدة خلال الأيام القليلة القادمة، حيث رحبت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، بإعلان المجلس الرئاسي المقترح عن نيته تقديم قائمة جديدة لحكومته إلى مجلس النواب لمنحها الثقة، داعية إياه لتقديمها بصورة عاجلة، وحثت حكومات الدول الست في بيان مشترك لها مجلس النواب الليبي على ضرورة التصويت على الحكومة الجديدة المعدلة والمزمع تقديمها في غضون الأيام القليلة القادمة، وفقاً لنص الاتفاق السياسي، كما جددت الدول الست دعمها الكامل للمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج وأيضاً جهود الأمم المتحدة في ليبيا، بينما وصف المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، ما جرى في جلسة رفض منح الثقة للحكومة المقترحة بالخطوة الإيجابية، مؤكداً أن المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب طالب المجلس الرئاسي بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يصب في صالح الدولة الليبية. وكما كان متوقعاً فقد استهجن حرس المنشآت النفطية المسيطر على معظم المنشآت النفطية - المؤيد للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني- قرار مجلس النواب، حيث قال علي الحاسي الناطق باسم حرس المنشآت، إن قلة من أعضاء البرلمان تعرقل تنفيذ الاتفاق السياسي وتسعى للحصول على مناصب وزارية بأي حكومة، بغض النظر عن مصلحة البلد، مضيفاً أن هذا الغباء السياسي سيقود ليبيا إلى مزيد من الفوضى والتشرذم. ذلك يدل بشكل واضح على أن الدولة الليبية ستظل رهينة المصالح الدولية والإقليمية والنعرات القبلية التي ما زالت تسود على مفهوم الدولة الوطنية، بما يهدد ليس فقط مستقبل الاستقرار في الدولة الليبية بل أيضاً وحدة الأراضي الليبية خاصة أن هناك سلطتين متصارعتين حتى الآن، وهما المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب الليبي، وهناك حرس المنشآت النفطية المسيطر على معظم حقول النفط الليبي- وإن كان أعلن دعمه لحكومة الوفاق الوطني- يضاف إلى ذلك أن هناك جيشين للدولة الليبية الأول يقاتل في طرابلس وسرت، وهو تابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ويجد دعماً غربياً وأمريكياً وأحياناً إقليمياً وعربياً، بينما هناك جيش آخر بقيادة الفريق خليفة حفتر يقاتل في شرق ليبيا خاصة في بنغازي ومدعوم من مجلس النواب الليبي وبعض القوى الإقليمية والعربية، وعلى الرغم من الجهود الدولية والإقليمية لتوحيد الجيش الليبي تحت قيادة واحدة، فإن هذا الأمر قد باء بالفشل وهو أمر متوقع في ضوء استمرار الانحيازات للقوى الدولية والإقليمية وأيضاً القبلية على حساب الوطن. * مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بني سويف

مشاركة :