الأندية الإنجليزية تفضّل المدرب الأجنبي... حقيقة أم أكذوبة؟

  • 4/6/2017
  • 00:00
  • 49
  • 0
  • 0
news-picture

«ما الذي يعرفه عن الدوري الممتاز»، رغم مرور عقدين على قدومه إلى إنجلترا للتدريب فيها قادماً من اليابان؟... لا يزال هذا التساؤل يطرح بخصوص آرسين فينغر، بل وتجاه أي مدرب أجنبي غير معروف يفد إلى إنجلترا. وبذلك يتضح أن رد الفعل الانفعالي الذي أبداه كل من الناقدين الرياضيين بول ميرسون وفيل تومبسون إزاء تعيين ماركو سيلفا مدرباً لهال سيتي في يناير (كانون الثاني)، لم يكن أمراً استثنائياً. في الواقع، أبدى المدير السابق لنادي ساوثهامبتون، لوري مكمينيمي، رد الفعل ذاته عندما تولى ماوريسيو بوكيتينو تدريب ساوثهامبتون. ويبدو أن أحداً لم يول أهمية لحقيقة أنه في ظل قيادة سيلفا نال هال سيتي فرصة القتال للبقاء داخل الدوري الممتاز أو لمسألة أن بوكيتينو أثبت نفسه سريعاً بوصفه مدرباً أفضل بكثير عن الآخر الذي سبقه، نايجل أدكينز. الواضح أن الكثيرين على مستوى كرة القدم الإنجليزية يتشبثون بفكرة أن المدرب البريطاني يمثل بطبيعته خياراً أكثر أمناً. وربما يبدو هذا أمراً من الممكن تفهمه، لكن اللافت أنه في الوقت الذي نفترض أنه من المهم تمتع المدرب بمعرفة بشؤون كرة القدم الإنجليزية، يوحي بحث جديد أجراه جون غودارد، بروفسور الاقتصاديات المالية بجامعة بانغور والخبير البارز عالمياً في شؤون اقتصاديات الرياضات الاحترافية، بخلاف ذلك. جدير بالذكر أن لدى غودارد قاعدة بيانات تسجل مستوى نجاح واستمرارية ومواطنة كل مدرب منذ أواخر ستينات القرن الماضي. وعندما طلبت منه إيجاز الأرقام من موسم 1992 - 1993 حتى نهاية الموسم الماضي، خرج عليّ برقم مثير للدهشة. تبعاً لما خلص إليه غوادرد، فإن متوسط عدد النقاط التي جرى حصدها للمباراة في الدوري الممتاز من قبل مدربين أجانب يبلغ 1.66، بينما لا يتجاوز هذا المتوسط بالنسبة للمدربين البريطانيين والآيرلنديين 1.29 فقط. ويصل الفارق بين الجانبين إلى رقم هائل - 14 نقطة - على امتداد موسم مؤلف من 38 مباراة. وهنا نجد أن ثمة تساؤلا واضحا يفرض نفسه: هل هذا التباين نتاج اختلاف في مهارات المدربين، أم أن الطموح الأكبر من جانب الفرق الأقوى بالدوري الممتاز، وبخاصة في ظل ما تتمتع به من طموحات وخبرة أعلى في خوض مباريات دوري أبطال أوروبا - يدفعها نحو الاستعانة بمدربين أجانب؟... في الواقع، ليس من السهل فصل العاملين عن بعضهما بعضا، والمؤكد أن كليهما مهم. إلا أن المثير أن تأثير المدربين الأجانب بدا واضحاً عبر مختلف درجات الدوري الإنجليزي. على سبيل المثال، في الدرجات الأدنى من الدوري الممتاز يبلغ متوسط عدد النقاط للمباراة 1.36 نقطة بالنسبة للمدربين البريطانيين والآيرلنديين منذ موسم عام 1992 – 1993، بينما يبلغ المتوسط 1.49 نقطة فيما يتعلق بالمدربين الأجانب. بمعنى آخر، فإن هذا يشير إلى فارق يبلغ 6 نقاط على امتداد موسم يضم 46 مباراة. تتمثل نقطة أخرى ينبغي التشديد عليها في أن تفوق المدربين الأجانب في صفوف الأندية الستة المتصدرة للدوري الممتاز يعد ظاهرة حديثة نسبياً ـ من بين هذه الأندية، نجد أن مانشستر يونايتد وآرسنال وتشيلسي وليفربول ومانشستر سيتي وتوتنهام هوتسبير تولى مدربون بريطانيون أو آيرلنديون تدريبهم لأكثر من نصف المباريات (54.9 في المائة) منذ موسم 1992 - 1993 حتى نهاية الموسم الماضي. والواضح أن نجاح المدربين الأجانب لا يمكن إيعازه فحسب إلى هيمنة ما يعرف بـ«الستة الكبار» في الفترة الأخيرة. في إطار بحثه، تفحص غودارد أيضاً جميع الحالات التي جرى خلالها التخلي عن مدربين بريطانيين وآيرلنديين لصالح أجانب للتعرف إلى ما إذا كان ذلك قد أدى إلى تحسن في النتائج. هنا من جديد تأتي النتائج لافتة للانتباه. بلغ متوسط عدد النقاط بالسبة للمباراة 1.42 فيما يتعلق بالمدربين الوطنيين، و1.58 للأجانب الذين حلوا محلهم. ويعود نصف هذا الاختلاف إلى الأداء الأفضل الذي حققه فينغر على امتداد 20 عاماً عن سلفه بروس ريوتش، حسبما أوضح غودارد. ومع هذا، تبقى ثمة فجوة ملحوظة تميل لصالح الأجانب. وربما تدفعك الأرقام سالفة الذكر للاعتقاد بأن المدربين الأجانب استمروا مع فرقهم لفترة أطول، لكن الحقيقة كانت العكس تماماً، ذلك أن الأرقام تشير إلى أنه ما بين موسمي 1992 - 1993 و2015 - 2016 كانت هناك 1.170 فترة تدريبية من جانب 544 مدربا بريطانيا وآيرلنديا مختلفا على صعيد الكرة الإنجليزية، مع استمرار فترة التدريب في المتوسط 86.3 مباراة. وعلى مدار الفترة ذاتها، كانت هناك 115 فترة تدريبية لمدربين أجانب، استمرت في المتوسط 58.22 مباراة فقط. من بين التفسيرات المحتملة وراء ذلك أن رؤساء الأندية يميلون إلى فرض شروط خاصة بتحقيق الإنجازات على المدربين الأجانب مقارنة بالبريطانيين، والتحرك بسرعة وحسم أكبر في التخلص من المدرب الأجنبي حال تردي أداء الفريق مقارنة بالتوقعات المبالغ فيها منهم. في الواقع، ليست هذه المرة الأولى التي يدحض خلالها غودارد خرافات ذائعة الصيت، فمنذ أكثر من عقد مضى أجرى بحثاً بالتعاون مع بروفسور ستيفين دوبسون مدير الأبحاث بجامعة هال، خلص إلى أن ظاهرة «ارتفاع مستوى الأداء مع قدوم مدرب جديد» تفتقر إلى الدقة؛ لأن التحسن في مستوى الأداء بعد طرد مدرب عادة ما يكون مجرد عودة إلى الواقع. أما السبب وراء ذلك، فهو أن قرارات طرد المدربين عادة ما تأتي في أعقاب سلسلة من النتائج الرديئة - لكن هذه الهزائم غالباً ما تأتي نتاجاً لمزيج من سوء الحظ والإصابات وخوض سلسلة من المباريات الصعبة - بعد ذلك، تتحول هذه الهزائم والتعادلات المحبطة فجأة إلى انتصارات. ورغم ذلك، تبدو الأندية سعيدة وقانعة تماماً بأفكارها الحالية. في هذا الصدد، أعرب بليك ووستر، أحد مؤسسي «كلوب 21» - شركة استشارية بمجال كرة القدم تتعاون مع الكثير من الأندية البارزة على مستوى أوروبا - عن اعتقاده بأن آخر أبحاث غودارد من غير المحتمل أن يغير وجهات نظر المعنيين بكرة القدم. وقال: «إن أذهاننا مبرمجة لجعلنا نشعر بأن الإلمام بأي مهمة عنصر مهم». وأشار إلى أن أحد الأندية التي تعاون معها مؤخراً أقرت الخبرة بالكرة الإنجليزية شرطا أساسيا لا غنى عنه في خضم بحثها عن مدرب جديد. واستطرد قائلاً: «الخبرة تشعرنا بالأمان. ومع ذلك، فإن الأرقام تخبرنا بأنه في مجال كرة القدم على الأقل، فإن امتلاك معرفة سابقة بالدوري غالباً ما يعتبر عنصرا تجري المبالغة في تقييمه، بمعنى أن حقل كرة القدم متورط فيما يطلق عليه «التحيز للخبرة»». المؤكد أن موهبة مدرب ما وأسلوب اللعب الذي ينتهجه ومهاراته في اكتشاف المواهب الناشئة تحمل أهمية أكبر بالنسبة لغالبية الأندية عن المواطنة التي يحملها. ومع هذا، فإن البحث الذي أصدره غودارد ربما يأتي ليذكرنا من جديد بقلة المواهب في صفوف الجيل الحالي من المدربين البريطانيين والآيرلنديين. ومع أفول نجم الحقب التي هيمنت خلالها أسماء مثل سير أليكس فيرغسون على الدوري الممتاز وفاز تيري فينابلز وسير بوبي روبسون ببطولات دوري في الخارج، هل سيكون من المثير للدهشة رؤية المزيد من الأندية الإنجليزية وهي تتطلع بأعينها نحو خارج البلاد بحثاً عن مدربها الجديد؟

مشاركة :