فيصل عمر
إحصاءات اللاعب في دورية

احصائية الأخبار

السنة 2019 2018 2017 2016
العدد 34 84 60 41
الأجمالي 219

احصائية المقالات

السنة 2019 2018 2016 2015
العدد 1 2 1 1
الأجمالي 5

احصائية تويتر

السنة 2023 2022 2021 2020
العدد 3 4 2 1
الأجمالي 10
فيصل عمر
لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان!
صورة الكاتب

تاريخ النشر : 31 الخميس , يناير, 2019       المصدر : ميدل ايست اونلاين

يظل السودان، بكلّ بؤسه وفقره وثرواته غير المستغلّة، بلد المفاجآت السعيدة. هناك حدثان مهمّان شهدهما البلد، الذي يمرّ حاليا في مرحلة صعبة. كان الحدثان الاستثنائيان في العامين 1964 و1986. في 1964، اضطر الفريق إبراهيم عبود الى الاستقالة وإعادة الحكم الى المدنيين. وفي 1986، اكتفى الفريق عبدالرحمن سوار الذهب بتأمين انتقال السلطة الى المدنيين بعد انهيار نظام جعفر نميري. هناك ضابط سوداني عرف وقتذاك ان مصلحة البلد فوق مصالحه الشخصية وشهواته الى السلطة والثروة. يشير الحدثان الى ان السودان يظلّ بلد المفاجآت. هل يقدم اللواء عمر حسن البشير على المفاجأة الثالثة ام يظل الرجل اسير خلفيته الاخوانية التي تعني بين ما تعنيه ذلك الشبق الذي لا حدود له للسلطة وغير السلطة. الا تكفي ثلاثون سنة في السلطة لضابط سوداني عرف كيف يناور منذ الانقلاب العسكري للعام 1989 من اجل البقاء في موقع الرئاسة باي ثمن كان... حتّى او كان هذا الثمن تقسيم السودان واستقلال جنوبه؟ في العام 1958، بعد عامين على استقلال السودان، نفّذ الفريق إبراهيم عبود الانقلاب العسكري الاوّل في تاريخ البلد. فعل ذلك بطلب من الحكومة المدنية. لم يكن لدى إبراهيم عبود ما يقدّمه للسودانيين سوى ضبط الوضع الداخلي بعدما أوصلت الخلافات بين الاحزاب السودان الى حدّ الإفلاس. كان السودان، بعد استقلاله، بلدا واعدا في ظلّ حياة سياسية طبيعية وتعددية حزبية قابلة للتطوير. لكنّ الأحزاب السودانية، اكانت تقليدية او يسارية لم تكن في المستوى المطلوب. فتحت الابواب امام العسكر، لعلّ وعسى ينتشلون البلد من ازماته ومن لغة المزايدات... كانت هناك دائما حيوية سياسية في السودان. كانت هناك أحزاب تقليدية مثل حزب الامة والحزب الوطني الاتحادي. يمثّل حزب الامّة طائفة الأنصار ويمثل الاتحادي الطائفة الختمية. في ظلّ هذه المعادلة، القائمة على الانتماء الى الأنصار او الختمية، كان الحزب الشيوعي حزبا نشطا وكان يعتبر اكبر الأحزاب الشيوعية في العالم العربي. لا يمكن تجاهل ان إبراهيم عبود كان نظيف الكفّ وساعد في الخروج من أزمات كثيرة كان السودان يعاني منها، بما في ذلك ازمة تسويق القطن السوداني. بقي إنجازه الأكبر الانفتاح على الولايات المتحدة والاعتراف بالصين الشعبية في الوقت ذاته. حصل على مساعدات أميركية مهمّة بغية تنفيذ مشاريع معيّنة ذات طابع تنموي ساهمت في تحقيق انفراج اقتصادي. لكنّ يبقى انّ اهمّ ما قام به إبراهيم عبّود يتمثّل في انهاء الخلاف مع مصر على منطقة حلايب. تسلّم إبراهيم عبّود السلطة من رئيس للوزراء هو عبدالله خليل وجد نفسه في مأزق سياسي واقتصادي. كانت هناك خلافات لا تنتهي بين الأحزاب وحتّى داخل كل حزب وكان هناك غياب لاي خطة اقتصادية تستطيع اخراج السودان من ازمته الاقتصادية. لم يجد عبدالله خليل من حل سوى تسليم السلطة للعسكر فاتحا الأبواب امام سلسلة من الانقلابات العسكرية كان آخرها في العام 1989، وهو الانقلاب الذي أوصل عمر حسن البشير الى الرئاسة بدعم من حسن الترابي الذي كان يمثّل الاخوان المسلمين والذي كان يعتقد ان في استطاعته استخدام البشير غطاء لاطماع الاخوان. كمّم إبراهيم عبّود الافواه وضيّق على الحياة الحزبية، بل الغاها. في العام 1964، نزل السودانيون الى الشارع في ثورة حقيقية. هتفوا صوتا واحدا "الى الثكنات يا حشرات". انكفأ العسكر وعادوا بالفعل الى ثكناتهم مفسحين في المجال لرجال السياسة في السودان كي يعودوا الى المناكفات في انتظار انقلاب جديد كان خلفه جعفر نميري ورفاقه في العام 1969. انتقل السودان من كارثة الى أخرى في عهد النميري، خصوصا بعدما اكتشف الأخير فوائد المتاجرة بالدين واستعان بالاسلاميين الذين كانوا يعدون نفسهم لتولي السلطة. مرّة أخرى، برز في العام 1985 رجل عسكري اسمه عبد الرحمن سوار الذهب. تسلّم السلطة، على رأس مجلس عسكري، وما لبث في العام 1986 ان اعادها الى المدنيين. لكن سياسيي السودان لم يتعلّموا شيئا من تجارب الماضي. بين العامين 1986 و1989، كرّر سياسيو السودان وقادة احزابه كلّ أخطاء الماضي واوصلوا البلد مرّة أخرى الى الإفلاس. استطاع الحلف العسكري - المدني القائم بين البشير والترابي الوصول الى السلطة بسهولة وبدأت منذ ذلك الحين صراعات داخلية كان الجانب الأبرز فيها اعتقاد حسن الترابي ان في استطاعته استخدام البشير أداة في خدمة الاخوان وفي خدمة مشروع يتجاوز حدود البلد ان في اتجاه مصر او في اتجاه دول أخرى على البحر الأحمر. بين 1989 و2019، تاريخ اندلاع ثورة شعبية حقيقية ليس معروفا هل بعد كيف ستنتهي، مارس عمر حسن البشير كلّ المناورات التي يستطيع سياسي محنّك ممارساتها. كان ضحيّة تلك المناورات السياسيون الذين استخفّوا بالرجل القادر على طرد أسامة بن لادن من السودان وتسليم "كارلوس" الى فرنسا... والدخول في مفاوضات مع الجنوبيين من اجل تقسيم السودان. حصل ذلك بالفعل في العام 2011. في كلّ مرّة كان على البشير دفع الثمن المطلوب للبقاء في السلطة، كان يفعل ذلك بغض النظر عن قيمة هذا الثمن. اكتشف كلّ الذين تعاملوا مع البشير انّه رجل عملي لا عقدة من ايّ نوع لديه، لا عقدة تجاه سجن الترابي والتلويح باعدامه، لولا تدخّل علي عبدالله صالح مرتين من اجل انقاذ حياة الرجل... ولا عقدة التعاطي مع إسرائيل. وجد أخيرا ان عليه الذهاب الى دمشق ليكون اول رئيس عربي يلتقي بشّار الأسد المرفوض من شعبه، وذلك منذ اندلاع الثورة السورية في مثل هذه الايّام من العام 2011. كانت تلك الزيارة اشبه بلعنة حلّت عليه. عاد الى الخرطوم من دمشق ليجد ثورة شعبية في انتظاره. نجد الرئيس السوداني هذه الايّام يتحرّك في كلّ الاتجاهات. ذهب الى الدوحة والى القاهرة. يعتقد انّ في استطاعته استخدام الخلافات بين دول الخليج وقطر لمصلحته وانّ في استطاعته الحصول على دعم مصري في الوقت ذاته! تشير التصرفات الأخيرة لعمر حسن البشير الى نوع من الإفلاس وتطرح أسئلة من نوع هل خلت جعبته من أفكار جديدة تبقيه في السلطة؟ بعد ثلاثين عاما في السلطة، لماذا لا يقدم الرئيس السوداني على خطوة من نوع الانتقال بالبلد الى مرحلة انتقالية بعدما نضبت لديه كلّ الحلول التي يستطيع تقديمها للشعب؟ تشمل هذه الحلول بطبيعة الحال الاستعانة بسودانيين من ذوي الخبرة يعرفون بالاقتصاد وكيفية استغلال ثروات البلد بدل اللجوء الى بهلوانيات سياسية من عصر آخر. باختصار شديد، لماذا لا يستعيد ذكرى ثورة 1964 على حكم العسكر والطريقة الحضارية التي سلّم بها سوار الذهب السلطة في 1986. الا يستحق السودان مفاجأة سعيدة ثالثة توفّر مزيدا من الدماء؟

تويتر
تويتر
فيصل عمر
رسم بياني
رسم بياني لعدد الاخبار و المقالات وتويتر
احصائية سنة 2016
رسم بياني لعدد الاخبار و المقالات وتويتر
فيصل عمر
صورة الكاتب
كيف خسرتُ 51 كيلوغراما من وزني؟

تاريخ النشر :01 الجمعة , فبراير, 2019

المصدر : بي بي سي العربية BBC

مصدر الصورةMohammed Shalaby طبعت عبارة "الطيارة جاية من بعيد" طفولتي وصباي، ولمن قد لا يعرف السياق التي تُستخدم فيه هي عبارة تكررها الأمهات لصغارهن عندما يمتنعون عن تناول الطعام، فتشبه الأمهات الملعقة بالطائرة القادمة من بعيد والمحملة بالبضائع في انتظار هبوطها في فم الطفل. وكانت الطائرات الموجهة إلى فمي محملة بما لذ وطاب من البضائع."فتى أكول" في الثالثة من عمري انتقلت عائلتي من مصر إلى السعودية، فنشأت في الرياض وكنت فيها طفلا وحيدا بعدما اختار إخوتي الكبار البقاء في مصر واستكمال دراستهم هناك، أما أنا فبدأت هناك رحلة التعرف على الطعام. لم تكن البداية بالحلوى والشوكولاتة وأكياس البطاطس المقرمشة كأغلب الأطفال، لكني تعرفت على الجذور أولا، وأحببت الخضار والفاكهة. تروي لي أمي تلك المرة التي عادت من العمل ووجدتني جالسا على مائدة الطعام أكل تفاحة و أمامي بحر من الدماء بعد أن جرحت إصبعي أثناء محاولتي لتقطيعها. أحببت طعام حفلات الزفاف والمناسبات العائلية، وعندما تعرفت على الأوبن بوفيه، كان بالنسبة لي "كطعام أهل الجنة" فصرت ألاحقه أينما وُجد. أتذكر عندما نصحني أحد المعلمين في المدرسة أنه يجب علي أن أمارس أنشطة خارج المدرسة، فقررت أن أتعلم الطبخ في المنزل. قضيت ١٧ سنة في السعودية، وكانت حياتي فيها مرتبطة بالطعام لا غير، بين محلات "البخاري والبرياني والمندي والشاورما والقلابة والتميس". وصلت عمر السادسة عشرة بمعدل حركة ونشاط يومي لشخص في أواخر عمره، وكانت خمس عشرة دقيقة الوقت الأقصى بالنسبة لي للبقاء على أرضية ملعب كرة قدم، أي محاولة للبقاء أكثر من ذلك قد تؤدي لانهياري في وسط الملعب من التعب وحينها سيكون على الجميع حملي لخارجه. كنت أنظر دائما لمن حولي بقلق وارتياب، وأخاف من نظراتهم اتجاهي، وأتساءل عن ماذا يفكرون عندما ينظرون إلي؟ وتدهورت علاقتي بالمرآة، لا أحب النظر إلى شكلي، صرت أشتري العديد من الملابس، لعلي أشتري ما يكفي منها ليصبح بإمكاني الاختفاء فيها. قررت الانعزال أكثر، وقابلت في عزلتي صديقا جديدا ظل يرافقني لمدة طويلة، وهو الاكتئاب. لم يكن الذهاب لطبيب لمرض نفسي اختيارا متاحا في البيئة الاجتماعية التي نشأت فيه، فبعضهم كان ينظر للأمر كنوع من العار, لذلك كنت عالقا في دائرة مغلقة. كنت آكل كثيرا لأني مكتئب، أكتئب لأني آكل كثيرا. وحينها بدأت البحث عن مخرج وقررت الذهاب للبحث عن بيئة أخرى للعيش فيها. تركت دراستي الجامعية التي كنت بدأتها في الهندسة وأنهيت منها سنتين في السعودية وذهبت لتركيا لبدء واحد من أحلامي المؤجلة، ألا وهو دراسة السينما وصناعة الأفلام. في اسطنبول تعرفت على أحد الأشخاص الذين كنت أتابعهم باهتمام لفترة طويلة، وهو المخرج ومنتج الأفلام، البراء أشرف، وقد جمعتني به جلسات عديدة من خلال أصدقاء مشتركين. تحدثت مع البراء عن اهتمامي بمجال صناعة الأفلام، لكن الصفة الأكبر التي دفعتني للانجذاب نحوه هو أنه كان ضخما مثلي، ومن بين كل النصائح الكثيرة التي قالها لي، كانت الأولى منهم مفاجئة لي، إذ قال لي: "بص يا شلبي .. لو معنديش ليك غير نصيحة واحدة، فالنصيحة دي هتكون متفضلش تخين كدا طول حياتك".آكل فأكتئب، أكتئب فآكلمصدر الصورةMohammed Shalaby وبعد أن أنهيت إجراءات تحولي لإسطنبول وقبولي في جامعة جديدة لبداية دراستي في صناعة الأفلام، استيقظت في يوم من الأيام وبينما كنت أتصفح حساب الفيس بوك، فوجئت بمنشور "البقاء لله .. البراء أشرف مات". صدمني الخبر كصاعقة، لم أفهمه، كيف؟ ومتى؟ وأين؟. عرفت بعد ذلك أن البراء كان قد قرر أن يذهب لإجراء عملية تكميم معدة، لكنه لم يخبر العديد من الناس، بعد إجراء العملية، حدثت مضاعفات أدت إلى وفاته. ورغم أني ظننت أن ابتعدت عنه بعد خروجي من السعودية إلى تركيا، لكن الأكل كان المهرب الذي أعود إليه بعد كل مشكلة أمر بها، وكنت أجد لدى صديقي القديم راحتي، آكل فأكتئب، أكتئب فآكل. وصل وزني ١٣٩ كيلو، وهذا ما يعادل الوزن المتوسط لدب باندا ضخم، كنت في انتظار أن يخبرني الأطباء في أي وقت أنني مصاب بالسكري أو الضغط. وأخبروني بالفعل أنه في حالة استمراري بهذا الشكل لا يجب علي أن أتوقع رؤية نفسي في أواخر الخمسينات من عمري. حينها بدأت في التفكير أن خروجي إلى تركيا وتغيير مجال دراستي لم يكن حلا، كل هذه كانت تغييرات خارجية، ما فعلته ببساطة هو الهروب من المشكلة الحقيقة بدلا من مواجهتها."توقف عن الهروب وجلد الذات" لقد كنتُ في حاجة إلى التوقف عن الهروب ومواجهة نفسي، لذا بدأت كطفل يخطو خطواته الأولى في الحياة، بدأت بأخذ اختيارات مختلفة في حياتي اليومية: سأحاول المشي، بدلا من ركوب المصعد، سأستخدم السلالم، سأطبخ طعامي بنفسي في المنزل وأقلل من أكلي خارجه. وبالفعل بدأت أشعر بأثر هذه التغييرات البسيطة، انقطعت تماما عن أكل الوجبات السريعة، حتى كميات أكلي في المنزل بدأت تتحسن، بدأت أشعر أن صحتي أصبحت أفضل، بدأت ألحظ تغيير في شكلي أمام المرآة، حتى أن وزني بدأ في الانخفاض، وعند هذه اللحظة بدأت في رؤية تغيير حقيقي. فكرت لماذا إذا لا آخذ هذا الأمر خطوة أبعد؟ سأمارس الرياضة! ذلك الشيء الذي لطالما كان غريبا بالنسبة لي بل مخيفا في بعض الأحيان، لكن لن أذهب لدفع اشتراك في "جيم" أو شراء أدوات ضخمة باهظة الثمن في المنزل، سأبدأ بخطوات صغيرة أيضا، وبدأت ممارسة الرياضة في تلك المساحة الضيقة بجانب سرير نومي في غرفتي، كان الهدف الرئيسي أن أصبح نشيطا. بالتأكيد لم تسر هذه العملية في خط مستقيم، بالرغم من أن بدأت بخطوات صغيرة وبسيطة لكنها كانت تحتاج لوقت وكانت عملية بطيئة، ومررت بلحظات إخفاق واستسلام، لكن دائما ما كنت أقول لنفسي، إن الوزن الذي اكتسبته في ١٧ عاما لا يجب علي أن أتوقع خسارته في ٧ أسابيع. وتوقفت عن جلد نفسي في كل مرة أُخفق فيها، لا بأس، سأحاول مرة أخرى. وبعد مرور وقت أصبحت هذه الاختيارات الصغيرة اليومية المختلفة الذي آخذها هي نمط حياتي الطبيعي. بعد تقليصي ل٥١ كيلو من وزني والانتظام بشكل أكبر في ممارسة الرياضة، كنت في انتظار تلك الهدية الجميلة التي يحصل عليها كل من يتبع نظاما غذائيا ورياضيا، ألا وهي جسد مثالي جميل ومعدة مسطحة مرسومة ب"السكس باكس"، لكن آمالي تحطمت أمام صخرة الواقع عندما بدأ الجلد المترهل وعلامات التمدد في الظهور، وأتذكر بينما كنت أقف في غرفة التغيير في الجيم أنظر لكل الرجال من حولي يقومون باستعراض عضلاتهم، بينما أقوم أنا بشد جلدي المترهل متسائلا إذا كان من الممكن أن يختفي في يوم من الأيام. "ندوب أم علامات نصر؟"مصدر الصورةMohammed Shalaby بدأت أشعر مرة أخرى بعدم الأمان والقلق اتجاه جسدي، وكنت في لحظات كثيرة أكره النظر في المرآة، وبدأت في البحث عن طرق للتخلص منه بأي شكل، وفتح لي ذلك عوالم واسعة على الإنترنت حيث وجدت العديد من الناس والشركات يروجون لعلاجات وطرق مختلفة للتخلص من الجلد الزائد، واتضح لي أن هناك المئات ممن يعانون من المشكلة ذاتها وفي المقابل مئات آخرين ممن يستغلونهم بالترويج لمنتجات مزيفة من خلال إعلانات تستخدم صياغات براقة عن "الجسد المثالي"، بدأت في الشعور كيف أن ذلك الهوس بالجسد المثالي أصبح مسيطرا علي، المرة الأخيرة التي سيطر علي شيء بنفس هذا الشكل كان الطعام! وحينها أدركت أنه من الواضح أن رحلتي لم تنتهي بعد وأن ما زال أمامي خطوة أخيرة أنا في حاجة لأخطوها. "جلدك وعلامات الترهل هي ندوب تدل على حرب مررت بها" أتذكر ذلك التعليق جيدا الذي كتبه أحدهم على فيديو يوتيوب لشاب كان يتحدث عن رحلة نزوله في الوزن وظهور جلده المترهل أيضا وعن قراره أنه لن يقوم بإجراء العملية اللازمة للتخلص من الجلد لأنه ببساطة ليس في حاجة إليها! أدركت حينها أن الدرس الحقيقي الذي يجب علي تعلمه أنه لا يجب علي الشعور بالخجل من جسدي، مهما كان حجمه أو شكله، في نهاية الأمر هو الشيء الوحيد الذي يلازمني من اللحظة الأولى لي في هذه الحياة وحتى اللحظة الأخيرة لي فيها، لذلك يجب علي أن أنشيء علاقة صحية معه وأن أعتني به وأحبه.مصدر الصورةMohammed Shalaby
صورة الكاتب
رحلة شاب مصري من 139 كيلوجراما إلى جسد رياضي.. حين يصبح إنقاص الوزن قصة حياة

تاريخ النشر :01 الجمعة , فبراير, 2019

المصدر : صدى البلد

نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية مقالًا لشاب مصري يُدعى محمد شلبي، خاض رحلة مريرة لإنقاص وزنه الزائد، مستعرضًا كفاحه لخسارة 51 كيلوجرامًا بعدما شعر بتهديد الوزن الزائد لحياته ذاتها.وكتب محمد شلبي:طبعت عبارة "الطيارة جاية من بعيد" طفولتي وصباي، ولمن قد لا يعرف السياق التي تُستخدم فيه هي عبارة تكررها الأمهات لصغارهن عندما يمتنعون عن تناول الطعام، فتشبه الأمهات الملعقة بالطائرة القادمة من بعيد والمحملة بالبضائع في انتظار هبوطها في فم الطفل.وكانت الطائرات الموجهة إلى فمي محملة بما لذ وطاب من البضائع."فتى أكول"في الثالثة من عمري انتقلت عائلتي من مصر إلى السعودية، فنشأت في الرياض وكنت فيها طفلا وحيدا بعدما اختار إخوتي الكبار البقاء في مصر واستكمال دراستهم هناك، أما أنا فبدأت هناك رحلة التعرف على الطعام.لم تكن البداية بالحلوى والشوكولاتة وأكياس البطاطس المقرمشة كأغلب الأطفال، لكني تعرفت على الجذور أولا، وأحببت الخضار والفاكهة.تروي لي أمي تلك المرة التي عادت من العمل ووجدتني جالسا على مائدة الطعام أكل تفاحة وأمامي بحر من الدماء بعد أن جرحت إصبعي أثناء محاولتي لتقطيعها.أحببت طعام حفلات الزفاف والمناسبات العائلية، وعندما تعرفت على الأوبن بوفيه، كان بالنسبة لي "كطعام أهل الجنة" فصرت ألاحقه أينما وُجد.أتذكر عندما نصحني أحد المعلمين في المدرسة أنه يجب علي أن أمارس أنشطة خارج المدرسة، فقررت أن أتعلم الطبخ في المنزل.قضيت ١٧ سنة في السعودية، وكانت حياتي فيها مرتبطة بالطعام لا غير، بين محلات "البخاري والبرياني والمندي والشاورما والقلابة والتميس".وصلت عمر السادسة عشرة بمعدل حركة ونشاط يومي لشخص في أواخر عمره، وكانت خمس عشرة دقيقة الوقت الأقصى بالنسبة لي للبقاء على أرضية ملعب كرة قدم، أي محاولة للبقاء أكثر من ذلك قد تؤدي لانهياري في وسط الملعب من التعب وحينها سيكون على الجميع حملي لخارجه.كنت أنظر دائما لمن حولي بقلق وارتياب، وأخاف من نظراتهم اتجاهي، وأتساءل عن ماذا يفكرون عندما ينظرون إلي؟وتدهورت علاقتي بالمرآة، لا أحب النظر إلى شكلي، صرت أشتري العديد من الملابس، لعلي أشتري ما يكفي منها ليصبح بإمكاني الاختفاء فيها.قررت الانعزال أكثر، وقابلت في عزلتي صديقا جديدا ظل يرافقني لمدة طويلة، وهو الاكتئاب.لم يكن الذهاب لطبيب لمرض نفسي اختيارا متاحا في البيئة الاجتماعية التي نشأت فيه، فبعضهم كان ينظر للأمر كنوع من العار, لذلك كنت عالقا في دائرة مغلقة.كنت آكل كثيرا لأني مكتئب، أكتئب لأني آكل كثيرا. وحينها بدأت البحث عن مخرج وقررت الذهاب للبحث عن بيئة أخرى للعيش فيها. تركت دراستي الجامعية التي كنت بدأتها في الهندسة وأنهيت منها سنتين في السعودية وذهبت لتركيا لبدء واحد من أحلامي المؤجلة، ألا وهو دراسة السينما وصناعة الأفلام.في إسطنبول تعرفت على أحد الأشخاص الذين كنت أتابعهم باهتمام لفترة طويلة، وهو المخرج ومنتج الأفلام، البراء أشرف، وقد جمعتني به جلسات عديدة من خلال أصدقاء مشتركين.تحدثت مع البراء عن اهتمامي بمجال صناعة الأفلام، لكن الصفة الأكبر التي دفعتني للانجذاب نحوه هو أنه كان ضخما مثلي، ومن بين كل النصائح الكثيرة التي قالها لي، كانت الأولى منهم مفاجئة لي، إذ قال لي: "بص يا شلبي .. لو معنديش ليك غير نصيحة واحدة، فالنصيحة دي هتكون متفضلش تخين كدا طول حياتك".وبعد أن أنهيت إجراءات تحولي لإسطنبول وقبولي في جامعة جديدة لبداية دراستي في صناعة الأفلام، استيقظت في يوم من الأيام وبينما كنت أتصفح حساب الفيس بوك، فوجئت بمنشور "البقاء لله .. البراء أشرف مات". صدمني الخبر كصاعقة، لم أفهمه، كيف؟ ومتى؟ وأين؟. عرفت بعد ذلك أن البراء كان قد قرر أن يذهب لإجراء عملية تكميم معدة، لكنه لم يخبر العديد من الناس، بعد إجراء العملية، حدثت مضاعفات أدت إلى وفاته.ورغم أني ظننت أن ابتعدت عنه بعد خروجي من السعودية إلى تركيا، لكن الأكل كان المهرب الذي أعود إليه بعد كل مشكلة أمر بها، وكنت أجد لدى صديقي القديم راحتي، آكل فأكتئب، أكتئب فآكل.وصل وزني ١٣٩ كيلو، وهذا ما يعادل الوزن المتوسط لدب باندا ضخم، كنت في انتظار أن يخبرني الأطباء في أي وقت أنني مصاب بالسكري أو الضغط.وأخبروني بالفعل أنه في حالة استمراري بهذا الشكل لا يجب علي أن أتوقع رؤية نفسي في أواخر الخمسينات من عمري.حينها بدأت في التفكير أن خروجي إلى تركيا وتغيير مجال دراستي لم يكن حلا، كل هذه كانت تغييرات خارجية، ما فعلته ببساطة هو الهروب من المشكلة الحقيقة بدلا من مواجهتها."توقف عن الهروب وجلد الذات"لقد كنتُ في حاجة إلى التوقف عن الهروب ومواجهة نفسي، لذا بدأت كطفل يخطو خطواته الأولى في الحياة، بدأت بأخذ اختيارات مختلفة في حياتي اليومية: سأحاول المشي، بدلا من ركوب المصعد، سأستخدم السلالم، سأطبخ طعامي بنفسي في المنزل وأقلل من أكلي خارجه. وبالفعل بدأت أشعر بأثر هذه التغييرات البسيطة، انقطعت تماما عن أكل الوجبات السريعة، حتى كميات أكلي في المنزل بدأت تتحسن، بدأت أشعر أن صحتي أصبحت أفضل، بدأت ألحظ تغيير في شكلي أمام المرآة، حتى أن وزني بدأ في الانخفاض، وعند هذه اللحظة بدأت في رؤية تغيير حقيقي.فكرت لماذا إذا لا آخذ هذا الأمر خطوة أبعد؟ سأمارس الرياضة! ذلك الشيء الذي لطالما كان غريبا بالنسبة لي بل مخيفا في بعض الأحيان، لكن لن أذهب لدفع اشتراك في "جيم" أو شراء أدوات ضخمة باهظة الثمن في المنزل، سأبدأ بخطوات صغيرة أيضا، وبدأت ممارسة الرياضة في تلك المساحة الضيقة بجانب سرير نومي في غرفتي، كان الهدف الرئيسي أن أصبح نشيطا.بالتأكيد لم تسر هذه العملية في خط مستقيم، بالرغم من أن بدأت بخطوات صغيرة وبسيطة لكنها كانت تحتاج لوقت وكانت عملية بطيئة، ومررت بلحظات إخفاق واستسلام، لكن دائما ما كنت أقول لنفسي، إن الوزن الذي اكتسبته في ١٧ عاما لا يجب علي أن أتوقع خسارته في ٧ أسابيع.وتوقفت عن جلد نفسي في كل مرة أُخفق فيها، لا بأس، سأحاول مرة أخرى. وبعد مرور وقت أصبحت هذه الاختيارات الصغيرة اليومية المختلفة الذي آخذها هي نمط حياتي الطبيعي.بعد تقليصي ل٥١ كيلو من وزني والانتظام بشكل أكبر في ممارسة الرياضة، كنت في انتظار تلك الهدية الجميلة التي يحصل عليها كل من يتبع نظاما غذائيا ورياضيا، ألا وهي جسد مثالي جميل ومعدة مسطحة مرسومة ب"السكس باكس"، لكن آمالي تحطمت أمام صخرة الواقع عندما بدأ الجلد المترهل وعلامات التمدد في الظهور، وأتذكر بينما كنت أقف في غرفة التغيير في الجيم أنظر لكل الرجال من حولي يقومون باستعراض عضلاتهم، بينما أقوم أنا بشد جلدي المترهل متسائلا إذا كان من الممكن أن يختفي في يوم من الأيام."ندوب أم علامات نصر؟"بدأت أشعر مرة أخرى بعدم الأمان والقلق اتجاه جسدي، وكنت في لحظات كثيرة أكره النظر في المرآة، وبدأت في البحث عن طرق للتخلص منه بأي شكل، وفتح لي ذلك عوالم واسعة على الإنترنت حيث وجدت العديد من الناس والشركات يروجون لعلاجات وطرق مختلفة للتخلص من الجلد الزائد، واتضح لي أن هناك المئات ممن يعانون من المشكلة ذاتها وفي المقابل مئات آخرين ممن يستغلونهم بالترويج لمنتجات مزيفة من خلال إعلانات تستخدم صياغات براقة عن "الجسد المثالي"، بدأت في الشعور كيف أن ذلك الهوس بالجسد المثالي أصبح مسيطرا علي، المرة الأخيرة التي سيطر علي شيء بنفس هذا الشكل كان الطعام! وحينها أدركت أنه من الواضح أن رحلتي لم تنتهي بعد وأن ما زال أمامي خطوة أخيرة أنا في حاجة لأخطوها."جلدك وعلامات الترهل هي ندوب تدل على حرب مررت بها" أتذكر ذلك التعليق جيدا الذي كتبه أحدهم على فيديو يوتيوب لشاب كان يتحدث عن رحلة نزوله في الوزن وظهور جلده المترهل أيضا وعن قراره أنه لن يقوم بإجراء العملية اللازمة للتخلص من الجلد لأنه ببساطة ليس في حاجة إليها!أدركت حينها أن الدرس الحقيقي الذي يجب علي تعلمه أنه لا يجب علي الشعور بالخجل من جسدي، مهما كان حجمه أو شكله، في نهاية الأمر هو الشيء الوحيد الذي يلازمني من اللحظة الأولى لي في هذه الحياة وحتى اللحظة الأخيرة لي فيها، لذلك يجب علي أن أنشيء علاقة صحية معه وأن أعتني به وأحبه.
فيصل عمر
الاستقلال... غير المستقل!
صورة الكاتب

تاريخ النشر :24 السبت , نوفمبر, 2018       المصدر :الحياة

بسبب الاختبارات السابقة التي مارسها السياسيون اللبنانيون طوال حرب استمرت خمس عشرة سنة، أصبح الفراغ الحكومي أمراً طبيعياً لدى مختلف أطراف النظام. والكل يذكر أن شغور منصب رئيس الجمهورية استمر سنتين ونصف السنة، قبل أن يعلن سعد الحريري تأييده ترشيح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وكان ذلك يوم الخميس من تشرين الأول (اكتوبر) 2016. وقد استمر أكثر من ساعتين في استعراض الدوافع الشخصية والوطنية التي فرضت عليه اتخاذ مثل هذا القرار الصعب. أي القرار الذي أخرج لبنان، بحسب رأيه، من حال الفراغ والضياع والشلل. وبعد الانتهاء من إعلان الترشيح في مقر إقامة الحريري، وصل ميشال عون يرافقه صهره جبران باسيل الى المقر المذكور حيث استقبله سعد ونادر الحريري. وعلى الفور عقد العماد وسعد خلوة اتفقا خلالها على القواعد الأساسية لتعاونهما. وقد اختصرها عون بهذه الكلمات: «أنا مرشح لأكون رئيساً لكل اللبنانيين، وحارساً لسيادتهم وحريتهم واستقلالهم.» في التكليف الثاني لتشكيل الحكومة الثانية، جوبه الرئيس سعد الحريري بعوائق داخلية وخارجية لم تكن في الحسبان. وقد تعرض لمفاجآت غير متوقعة كان أخطرها خطاب أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي نسف كل المحاولات الرامية الى متطلبات التوافق اللبناني. وهو شرط مطلوب لإنجاح التشكيلات الحكومية. التحاليل السياسية، التي اجتهد مطلقوها من أجل تفسير خطاب السيد نصرالله، أجمعت على القول إن نسف عملية تشكيل الحكومة اللبنانية كان بمثابة تهديد علني موجه الى الولايات المتحدة والسبب أن واشنطن باشرت في عرض اللائحة الثانية من العقوبات ضد ايران. وبما أن كل الدول الغربية مهتمة بتثبيت الاستقرار في لبنان، فإن تأجيل تشكيل الحكومة يدفع الوضع العام الى حافة الإنهيار، خصوصاً إذا تأجلت الاستحقاقات المرتبطة بتطبيق إصلاحات مؤتمر «سيدر» المالية والاقتصادية. وفي حال تفاقم الدين العام، فإن تراكم العجز سيفشل في تغطية الاستحقاقات المقبلة. على هامش هذه الأزمة الصامتة، يرى عدد من الشخصيات المسيحية المعارضة أن موقف السيد نصرالله لا يخلو من أبعاد داخلية موجهة الى رئيس الجمهورية ميشال عون. والسبب كما يراه هذا الفريق، يتعلق بإصرار الرئيس على تكليف سعد الحريري بإنجاز مهمته ولو تأخرت أطول مدة ممكنة. وهو يبرر هذا الإصرار بالوفاء للشخص الذي أوصله الى كرسي الرئاسة. صحيح أن «حزب الله» لم يحِد عن تأييده للعماد عون رئيساً للجمهورية... ولكن الصحيح أيضاً أن سعد الحريري هو الذي فتح الباب الموصد الذي دخل منه عون الى قصر بعبدا. واليوم، يبدو أن قيادة «حزب الله» لم تعد مطمئنة الى تمثيل سعد الحريري داخل طائفته بسبب ارتباطه بالمملكة العربية السعودية، وعزوفه عن محاورة الرئيس السوري بشار الأسد. لذلك أبرز الحزب على قائمة البدائل عدة أسماء بينها عبدالرحيم مراد وفيصل عمر كرامي. واستطراداً لهذا الموقف المتحول، لوحظ الأسبوع الماضي أن أصدقاء المقاومة راحوا يكيلون المديح عبر شاشات التلفزيون للدكتور سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، والترجمة الصحيحة لهذا المديح المفاجئ العمل على إرباك صهر الرئيس جبران باسيل الذي يتوقع من «حزب الله» تأييده للرئاسة سنة 2022. ويُستدَل من دوافع المصالحة التي رعاها البطريرك الماروني بشارة الراعي، أن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يتطلعان بفضول الى معركة الرئاسة سنة 2022. كما يتطلعان أيضاً - بعد أربعة عقود من القطيعة - الى التحولات السياسية المتوقعة من السعودية بعد انتهاء حرب اليمن، ومن دمشق بعد نشر سلطة بشار الأسد على مساحة سبعين في المئة من الأراضي السورية. وفي حال بقي الأسد على وعده لسليمان فرنجية، فإن «حزب الله» لن يشذ عن هذا الخيار. وسط هذه الأجواء السياسية الملبدة، احتفل اللبنانيون يوم الخميس الماضي بعيد الاستقلال الـ 75. وهو عيد تقليدي تم تحديده رسمياً عقب تنظيم انتخابات نيابية جرت سنة 1943. وقد أدت تلك الانتخابات الى اختيار الشيخ بشارة الخوري رئيساً للجمهورية وتعيين رياض الصلح رئيساً للحكومة. ولما أعلنت حكومة الاستقلال انتهاء الانتداب، ردت السلطات الفرنسية باعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة ومعظم الوزراء. وعلى اثر احتجازهم جميعاً في قلعة راشيا، انفجر الشارع اللبناني غضباً وسخطاً، الأمر الذي إضطر المندوب السامي الفرنسي الى إلغاء اجراءاته والرضوخ للضغوطات الشعبية. وبما أن عملية الإفراج عن المعتقلين تمت في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، لذلك أصبح هذا التاريخ مناسبة للاحتفال باستعراض الفئة الحاكمة التي اجتمع أعضاؤها تحت العلم اللبناني. علماً بأن «القبائل» اللبنانية تملك أكثر من عشرة أعلام مختلفة. والملاحظ في هذا السياق أن الجماهير التي كانت تتجمع حول المنصة قد خفت أعدادها سنة بعد سنة. والسبب أن الوعود التي أطلقها الرئيس ميشال عون في مطلع عهده لم يتحقق منها إلا النيات المخلصة. ولكنها فعلياً لم تُنفذ كما توقع المواطنون. وهم يتذكرون كلامه عند أول إطلالة بعد انتخابه. وقد صرح بذلك أثناء خروجه من بكركي: «إن أكثر ما يؤلم وطننا في هذه المرحلة هو الفساد المستشري الذي سدّ شرايين الدولة وجعلها في حال عجز دائم.» وعزا الرئيس «سبب الفساد الأساسي الى الانحطاط الذي ضرب المجتمع بحيث أصبحت كل مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة والأخلاق.» وختم تصريحه بالعبارة التالية: «إن كل عمل سلطوي لا يحترم بمعاييره القوانين والأخلاق يصبح جريمة، لأنه يسبب الأذى للأفراد وللمجتمع»! ويُستدَل من مراجعة ذلك التصريح المقتضب أن الرئيس عون كان عازماً على استئصال شأفة الفساد التي زرعها العهد السابق، والتعويض عنها ببناء عهد نقي ومختلف، لذلك توقع اللبنانيون منه تنفيذ تعهده بأقصى سرعة ممكنة. وبعد انقضاء نحو من سنتين من عهده، ازدادت شكاوى المواطنين بسبب الإهمال الذي يلقونه من المؤسسات الرسمية، ومن عجز هذه المؤسسات عن تلبية حاجات الناس. والمؤكد أن انشغال الدولة بالدفاع عن مواقفها السياسية ضد خصومها الكثر جعلها تهمل واجباتها الاجتماعية والصحية والاقتصادية والمعيشية حيال جماهير بدأت تهدد بإشعال ثورة أهلية ثالثة. روى المرحوم الرئيس تقي الدين الصلح أنه كان يزور صديقه المرحوم الرئيس شارل حلو مرة في الأسبوع. وكثيراً ما كان يسأله عن ادائه في الحكم وماذا يقول المواطنون في عهده. وصارحه تقي الدين في إحدى المرات، وقال له: إن اللبنانيين يتحسرون على عهد الانتداب. ولما سأله الرئيس عن السبب، أجاب: «قبل الاستقلال كان اللبنانيون شعباً منتدباً وفرداً حراً... أما اليوم فالشعب أصبح حراً بينما الفرد يعاني من «انتداب» الدولة! وعلى الفور أخذ شارل حلو ورقة وقلماً، وطلب من تقي الدين إعادة العبارة التي ذكرها لأنه يريد تسجيلها في مذكراته. وعلق البك على تصرف الرئيس بقوله: إترك الكتابة علينا... وإهتم يا فخامة الرئيس بالحكم! وهذا ما يتوخاه الشعب اللبناني من رئيس أقسم أن يحكم حسب القانون والعدالة والدستور، فإذا لبنان في عهده يتحول الى لبنانَيْن، مذكراً بالعبارة التي كتبها جورج نقاش، «سلبيان لا يشكلان دولة!» والمؤسف أن الثورتين اللتين فجرهما اللبنانيون سنة 1958 وسنة 1975، لم تكونا أكثر من تعبير دموي لوطن مشطور بسكين الطائفية والمذهبية والعشائرية والمناطقية والفئوية. وبلغ من شدة تأثير هذه الاتجاهات المتعارضة أن نبتت عند جذورها مؤسسة إصلاحية عنوانها: «لبنان واحد.» وكان المرحوم الرئيس صائب سلام أول مَنْ أطلق هذا الشعار رداً على حملات التقسيم والتجزئة والانفصال. * كاتب وصحافي لبناني.

احصائية الأخبار سنة 2024
رسم بياني لعدد الاخبار و المقالات وتويتر