www.ksaplayers.com
احصائية الأخبار
السنة | 2019 | 2018 | 2017 | 2016 | |
العدد | 112 | 250 | 29 | 7 | |
الأجمالي | 398 |
احصائية المقالات
السنة | 2019 | 2018 | 2017 | 2016 | |
العدد | 2 | 7 | 7 | 2 | |
الأجمالي | 18 |
احصائية تويتر
السنة | 2023 | 2022 | 2020 | 2019 | |
العدد | 2 | 16 | 1 | 30 | |
الأجمالي | 49 |
بمناسبة مرور 42 عامًا على رحيله.. حكايات وذكريات عن العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ
تمر السنوات... وتتبدل الأجيال وتظهر أصوات جديدة من المطربين.. ويحاول بعضهم أن يتقمص شخصية حليم، إما بإعادة أغانيه وإما بحركاته العفوية على المسرح، بل إن بعضهم أصدر البونات وغنى بعض أغاني حليم كما فعلت ليلى غفران حيث غنت أغنية «جبار» وبعضهم غنى «حبك نار» و«اسبقني يا قلبي» و«توبة» وغيرها لكي ينجح الألبوم لكنهم جميعًا فشلوا بإقناع المستمعين لهم، لأن حليم كان حالة فنية خاصة لم ولن تتكرر أبدًا. أعود إلى العندليب الاسمر الذي مر بظروف قاسية جدًا، فقد ماتت أمه أثناء ولادته فتشرب اليتم منذ اللحظة الأولى، وتتوالى الأحداث ليلحق أبوه الحاج علي شبانة بزوجته أم حليم في أقل من شهرين من وفاتها. ويظل حليم وحيدًا بلا أم ولا أب واعتبرته نساء القرية فال شؤم على العائلة وارتسمت الدموع في عينيه الغائرتين وتناوبت بعض نساء قرية الزقازيق على ارضاعه الى أن كبر الطفل اليتيم وأدخل ملجأ الأيتام وتولى خاله تربيته، وشيئا فشيئا أصبح شابا نحيل الجسد مشتت النظرات... يهرب من العيون التي تطارده بنظرات الشفقة والعطف. شق طريقه المملوء بالشوك والألم والانكسار والمرض ليصل إلى أول لقاء بينه وبين الملحن الشاب محمد الموجي الذي كان يبحث هو الآخر عن صوت ليغني ألحانه. وقدم حليم أول الألحان للموجي «صافيني مرة» و«يا حلو يا اسمر» وهي من أجمل الأغاني العربية عن نهر النيل الخالد. وتوالت الألحان الجميلة لمحمد الموجي بصوت حليم حتى آخر أغانيه الرائعة قارئة الفنجان. وقد تقابلت أنا مع الراحل محمد الموجي كثيرًا في القاهرة ومرات بمكتبه بشارع الشواربي وكنت آخر من عمل لقاء مع الموجي قبل رحيله بشهور بغرفتي بفندق سميراميس المطل على النيل بالطابق 11، وسهرنا من الساعة العاشرة مساءً حتى طلوع الفجر وكنا تارة بالبلكونة وتارة بالغرفة الواسعة التي خصصها لي الراحل وزير السياحة ممدوح البلتاجي الذي كان يدعوني في العام مرتين أو أكثر لتنشيط السياحة المصرية في دول الخليج لكوني أترأس تحرير دليل الخليج السياحي ومن خلاله أصدرت العديد من الإصدارات الخاصة عن الشقيقة مصر. وفي آخر لقاء لي مع الموجي ولحسن الحظ كانت معي كاميرا فيديو وقمت بتسجيل هذا اللقاء الأخير. وقد طلبت مني كثير من المحطات بثه في ذكرى حليم.. فرفضت بناء على توصية من الموجي نفسه لأنه لقاء خاص جدًا جدًا.. حيث قال: «اعتبر يا خالد التسجيل ده أمانة من أب لابنه، وخصوصًا بعد رحيلي»، وكأنه أحس بوداع الدنيا.. والموجي قدم 54 لحنا منوعا ما بين الأغاني القصيرة والطويلة.. أجمل الألحان كانت «يا مالكًا قلبي»، «جبار»، «لايق عليك الخال» «حبك نار»، «رسالة من تحت الماء»، «قارئة الفنجان»، «ظالم» «بتقولي بكرة»، «كامل الاوصاف»، «حبيبها»، وغيرها من الأغاني المعروفة. ثم كان لقاء حليم مع الملحن الصاعد في ذلك الوقت كمال الطويل وقدم معه الحانًا خالدة مثل «على قد الشوق»، «في يوم.. في شهر.. في يوم من الأيام»، «أبو عيون جريئة» المعروفة وغيرها من الأغاني. وبعد ذلك تعرف على الموسيقار محمد عبدالوهاب وقدم له الأغاني القصيرة للأفلام مثل «توبة»، «أنا لك على طول»، «أهواك»، كذلك الأغاني الطويلة المشهورة لحليم مثل «فاتت جنبنا» و«نبتدي منين الحكاية»، لكن حليم بذكائه ظل يبحث عن الجديد في اللحن إلى أن عثر على ما يريد وهو العبقري الراحل بليغ حمدي فقدم الأغاني الشعبية المفرحة مثل «سوّاح» و«أنا كل ما قول التوبة» و«على حسبي وداد» كذلك الأغاني العاطفية مثل «تخونوه»، «أعز الناس»، «خسارة» «خايف مرة أحب»، لكن كانت قمة التألق في الحان الأغاني الطويلة المشهورة هي «زي الهوى»، «موعود»، «حاول تفتكرني»، «مداح القمر»، «أي دمعة حزن» ومجموع ما قدمه بليغ لحليم 28 لحنًا جميعها قمة في اللحن الجميل الذي تميز به بليغ حمدي لعبدالحليم. بعدها تعاون حليم مع ملحنين آخرين أمثال منير مراد في «بأمر الحب» التي غناها لزبيدة ثروت في فيلم «يوم من عمري». كما قدم حليم أغاني على المسارح سواء في مصر أو في الدول العربية مثل العراق والكويت وتونس وسوريا والجزائر والمغرب التي كان يحل فيها ضيفًا على الملك الحسن ملك المغرب الذي أهداه البدلة الأنيقة «سمالتو» باللون الأزرق والأسود وظهر بها حليم في كثير من الحفلات وهي في الأصل بدلة الملك وما إن شاهدها حليم على الملك حتى قال له مداعبًا «ايه الشياكة الجميلة على فخامتك يا جلالة الملك» وكان جسم الملك هو نفس مقاس حليم فما كان من الملك إلا أن دخل غرفة ملابسه وخلعها وأهداها لحليم حبا وعرفانًا منه لموقف حليم خلال حادثة قصر الصخيرات المشهورة حيث احتجز الانقلابيون حليم في الإذاعة وطلبوا منه أن يذيع بيان الانقلاب أو الإعدام فورًا، فرفض حليم ذلك رغم جديتهم في التنفيذ وقال: أنا راجل مصري ومطرب ومش شغلتي أن أذيع بيانات ثورية و... من غير اللائق أقدم بيانا باللهجة المصرية.. وكان هذا ذكاء من حليم وشهامة من رجل لا يغدر بمن استضافه وأحسن تكريمه. نعود إلى حفلات حليم خارج الوطن العربي.. فقد غنى على مسرح «البرت هول» بلندن وقدم اغنية موال النهار والمسيح واحلف بسماها دعمًا للمجهود الحربي، وقدم ريع الحفلات جميعها للحكومة المصرية ولم يتقاضَ لا هو ولا الفرقة الماسية مليمًا واحدًا.. وكذلك غنى على أشهر مسارح باريس «الاولومبيا» التي غنت عليها كوكب الشرق أم كلثوم أيضًا. وغنى عبدالحليم وتم تسجيلها بتقنية الوان فرنسية عالية «رسالة من تحت الماء»، «أي دمعة حزن»، «وفاتت جنبنا»، «زي الهوى» التي ابدع في غنائها تفاعلاً مع الجمهور.... وقد امتلأت المدرجات بالسياح العرب وأيضًا الأجانب الذين يعشقون صوت حليم. وعبدالحليم هو الفنان الوحيد الذي يسمح له بقيادة الفرقة الماسية رغم وجود رئيسها أحمد فؤاد حسن لأن حليم دارس موسيقى ويعرف النوتات.. بل حليم يتدخل في كثير من الألحان ويقوم بتلحين بعض الكوبليهات كما حدث في قارئة الفنجان، «بحياتك يا ولدى امرأة» عندما عجز الموجي في تلحين هذا الكوبليه.. طقوس حليم في الحفلات كثيرة، فكان يقدم اسماء أعضاء الفرقة الماسية كذلك اسم المؤلف والملحن تكريمًا وعرفانًا لهم، وتفاعل حليم مع الجمهور غاية في الجمال فكان يداعبهم ويصفق معهم ويخلع الجاكيت أحيانا، ويرمي عليهم باقات الورد.. عكس السيدة أم كلثوم التي كان المسرح عندها وقارًا ومدرسة صارمة لا تسمح للجمهور بتعدي الخطوط الحمراء. قصة أغنية «فاتت جنبنا»: ذات ليلة من سهرات حليم الليلية مع أصدقائه كان موجودًا معهم الشاعر الغنائي حسين السيد، وبينما الضيوف مشغولون في السهرة بالأحاديث واطلاق النوادر، لاحظ عبدالحليم من بعيد أن حسين السيد يخرج ورقة من جيبه ويكتب بها بعض الشيء ثم يدسها في جيبه مرة اخرى وقد تكرر هذا كثيرا. فاندفع ناحيته حليم من دون أن يشعر به ودس يده في جيب حسين السيد وأخرج الورقة قائلاً له ايه يا حسين افشتك.. انا كنت أراقبك طوال الوقت ايه اللي مكتوب في الورقة دي..!! وحسين السيد يحاول أن يسحب الورقة من يد حليم متوسلاً الا يفتحها.. لكن حليم فتحها واذا هي مسودة بها كلمات على شكل حدوتة باللهجة العامية المصرية تحكي قصة صديقين يصادفان في طريقهم امرأة جميلة فتبتسم لهما ثم تمشي في طريقها. فيظن كل واحد منهم انها تبتسم له. وهنا عانق حليم الشاعر الرقيق حسين السيد وقال ارجوك أكملها وخليني بطل القصة دي.. واستأذن حسين السيد الضيوف وانصرف ليسهر حتى الصباح في تكملة هذه الحدوتة وأدخل حليم بأنه المعشوق الاسمر التي ضحكت له!! وما إن أكملها حتى ذهب بها مسرعًا إلى شقة حليم عصرًا لأن حليم كان يسهر الليل وينام طوال النهار إلى أن يستيقظ الساعة الخامسة عصرًا لأنه يخاف أن يهاجمه النزيف ليلاً وهو نائم.. كان حليم في انتظاره.. جلس معه في مكتب الشقة وأخذ يقرأ ويضحك ثم يقرأ ثم ترتسم على ملامحه علامات التوتر وفجأة عندما يقرأ الأبيات الأخيرة التي تقول «وجاني الرد جاني... ولقيتها بتستناني وقالت أنا من الأول بضحك لك يا اسمراني يا اسمراني.. أنا.. أنا.. ايوه انا.. انا.. انا مش هو..» كما هو في الأغنية.. واذا بعبدالحليم يقف شامخًا فرحًا منتصرًا.. وهو يقول ايوه يا حبيبي يا حسين كانت بتحبني انا مش هو.. انصرف حسين السيد من شقة حليم وذهب عبدالحليم إلى مجدي العمروسي قائلاً بالله يا مجدي تعال معايا مشوار لبيت الأستاذ عبدالوهاب.. قال حاضر بس فيه ايه قال له تعال وهتفهم كل حاجة، وطوال الطريق ومجدي يلح على حليم لمعرفة سبب زيارتهم لعبدالوهاب وحليم يتصنّع أن في الأمر مشكلة.. إلى أن وصلوا واستقبلهم عبدالوهاب وهو الآخر مندهش من هذه الزيارة المفاجئة!! وقال لحليم: فيه ايه يا أستاذ حليم؟.. وحليم يبتسم ثم اخرج الورقة وأعطاها للأستاذ عبدالوهاب.. وأخذ يقرأها عبدالوهاب وهو ينزع نظارته الطبية السميكة ثم يلبسها.. وما إن أكمل قراءتها حتى قال ايه ده يا حليم.. ايه الكلام اللي مكتوب ده.. ومين اللي كاتبو.. دي حدوتة.. اوعى يا حليم تطلب مني أو من غيري تلحينها.. وحليم يقول انت اللي هتلحنها يا أستاذ.. وتكهرب الجو.. ومجدي ساكت لا يتكلم.. مما أثار غضب عبدالوهاب فقال له.. انت ساكت يا مجدي عاجبك الطلب اللي بيطلبوا عبدالحليم.. فقال يا أستاذ دي تجربة جديدة.. وأحس لو لحنتها بلحن يليق بالقصة هتكسر الأسطوانة الأسواق.. هذا وعبدالحليم يصر بعناد وترجي ألا يرفض له هذا الطلب!! قال حاضر سيبني أفكر وحكلمك يا حليم.. قال حليم يعني اعتبر طلبي مقبول؟ قال له انت يا حليم عارف انك غالي عندي بس ازاي انا عبدالوهاب عايز مني الحن حدوتة.. ربنا يسامحك يا حليم.. ثم قال لهم وقت الزيارة انتهى.. يالله الباب من الجهة دي من غير مطرود.. وهو يضحك بصوت عالي.. وبدأ عبدالوهاب يعيش اللحن.. ويدندن على العود فاتت جنبنا.. فاتت جنبنا انا وهو.. وضحكت لنا انا وهو.. ومدام نهلة القدسي تراقبه بهدوء وتعيش معه تركيب اللحن وتتشوق لسماع القصة بلحن عبدالوهاب.. وما إن اكتمل اللحن حتى طلب عبدالوهاب من حليم أن يستعد للبروفة في شقة حليم وأخبر أحمد فؤاد حسين بتجهيز كامل أعضاء الفرقة استعدادًا للبروفة وأوصى حليم ألا يكون غريب معهم غير حسين السيد وأعضاء الفرقة حتى لا يتسرب خبر اللحن الجديد للصحافة.. وبدأت الفرقة في البروفات بشكل ليلي متواصل إلى أن اكتملت الاغنية وغناها حليم في حفل شم النسيم سنة 1974.. وغنى معها في نفس الفترة اغنية «أي دمعة حزن لا».. التي لحنها له بليغ حمدي وقد نجحت الاغنيتان وحققتا مبيعات خيالية في مصر والدول العربية. وظل متعهدو الحفلات في مصر وخارج مصر يطاردون مجدي العمروسي لترتيب موعد لاحياء حليم حفلاتهم للأغنيتين.. (فاتت جنبنا وأي دمعة حزن لا).. وغنى حليم الأغنيتين في لبنان وفرنسا وبعض الدول الأخرى. قصة أغنية «في يوم.. في شهر.. في سنة»: بينما كان عبدالحليم في الإسكندرية في المصيف الخاص مع احسان عبدالقدوس ومجدي العمروسي وبعض الأصدقاء وبينما كان حليم يريد دخول المصعد، واذا بامرأة جميلة ساحرة العينين كانت تريد الخروج فقالت الله انت عبدالحليم ايه الصدفة الجميلة!!! ومن اللحظة الأولى تعلق قلب حليم بها.. والقصة طويلة جدًا وكان حليم قد صمم أن يتزوجها واختار معها أثاث الشقة وتم تحديد موعد إعلان زواج حليم منها في الحفل القادم لتكون مفاجأة للجمهور. ولكن فجأة عرف حليم أن محبوبته الجميلة في المستشفى.. عندها مرض مفاجئ وساعاتها قليلة في الحياة.. ذهب إليها مسرعًا وألقى عليها نظرة الوداع وفارقت هي الدنيا.. واسودت الدنيا في عين العندليب... جلس في شقته لا يقابل أحدا ولا يخرج.. حتى قالت له اخته عليّه إن الشاعر مرسي جميل ومعه الموسيقار كمال الطويل على باب الشقة ويرفضون الانصراف.. فأمر بدخولهم عليه بغرفة نومه.. وحكى لهم قصته المؤلمة وانصرفوا عنه.. واتفق الشاعر مرسي مع كمال الملحن أن يغني حليم قصته على شكل أغنية فتم تأليف أغنية «في يوم.. في شهر.. في سنة».. وكل ما يغني حليم تجري دموعه وتأخذه العبرة وكان هذا واضحًا في الأغنية على المسرح الذي يظل يكرر المقطع الحزين أكثر من 7 مرات وهو «كنت أتمنى يطول العمر وأعيش حواليك.. ولا أشوف دمعة حزينة تملى عنيك.. لو كان بأيدي كنت أفضل جنبك.. واجيب لعمري ألف عمر واحبك.. يا حبيبي راح اللى راح وفرقتنا الليالي.. ومهما دار الجراح حتعرف اللي جرا لي.. في يوم.. في شهر.. في سنة..» بداية علامات تدهور صحة العندليب في السنوات الأخيرة: المجهود الذي كان يبذله حليم في اختيار اللحن والكلمات وبروفات الأغاني التي كان يقيمها في شقته الواسعة بحي الزمالك بالدور السابع حيث يجتمع كل أعضاء الفرقة الماسية ويقومون بأداء البروفات وكان حليم يتكفل بجميع مصاريف اقامتهم الليلية معه وكان السهر والارهاق يشكلان عاملاً رئيسيًا في تدهور ذلك الجسد النحيل المصاب بداء البلهارسيا.. رغم العمليات الجراحية الكثيرة التي لم تترك مكانا إلا به أثر الجرح، الا انه في كل مرة تزداد آلامه وينزف بشدة.. وهو محروم من تناول الذ الأطعمة المشهورة والمحببة لديه.. فكان يجمع أصدقاءه ويأمر خادمه السفرجي «عبده» بتقديم ما لذ وطاب لهم ويظل يراقبهم بحسرة كما ذكرت لي شقيقته عليّه شبانة مرارًا عند زيارتي لها في شقة حليم الأنيقة التي شاهدت كل مكان فيها: حجرة نومه.. دولاب ملابسه.. الحمام الخاص به.. عطوراته المميزة فوق التسريحة.. التليفون بجانب السرير.. المصحف الذي كان تحت وسادته.. التلفزيون الخاص به.. جهاز الأسطوانات.. مكتبه الخاص.. الصالة الواسعة التي كان يؤدي فيها بروفات الأغاني.. ومن اعجابي بديكورها الجميل.. اشتريت شقة بالقاهرة وزينتها بنفس لمسات ديكور شقة حليم باللون الأزرق السماوي وهي مزينة بصور حليم برسم اليد. ونعود إلى تدهور صحة حليم في الآونة الأخيرة بعد أن أحيا حفلة على مسرح دمشق الدولي بسوريا، وغنى أجمل ما غنى وأبدع في «نبتدي منين الحكاية» حيث قام بتغيير جزء من لحنها وكذلك «قارئة الفنجان» الذي كرر فيها المقطع الأخير المؤثر «ما أصعب أن تهوى امرأة يا ولدي ليس لها عنوان»، كأنه يخاطب نفسه.. وقد صفق وتفاعل وبكى الجمهور من تكراره هذا الكوبليه أكثر من 8 مرات بحسب الفيديو المنتشر للحفلة على اليوتيوب. غادر حليم دمشق في منتصف سنة 1976 عائدًا إلى القاهرة.. وما ان وصل وقد أرهقه المرض حتى تلقى دعوة من ملك المغرب على أن يحضر هو ورفاقه المقربون وأعضاء الفرقة الموسيقية.. وكان الملك يترك دعوة الضيوف إلى حليم من دون ان يحدد له الاسماء والعدد. لكن في هذه الفترة كان حليم يمر بأزمة صحية حادة جدًا وكان الدكتور الخاص به ياسين عبدالغفار يمنعه بشدة والحاح لكي لا يرهق نفسه... وقال له بصرامة الدكتور يحب صديقه ومريضه بنفس الوقت ألا يركب أي طائرة وبالذات إلى المغرب مهما كانت الأسباب. فقال حليم بعصبية للدكتور إنه الملك الحسن يا دكتور ياسين!! مقدرش أرفض له طلب انت عارف العلاقة اللي بيننا... فأجابه الدكتور ياسين بصوت عال: بس أنت عبدالحليم وصحتك تمنعك.. وواجبي كدكتور وكصديق أن أحبسك هنا بالقاهرة.. انسَ موضوع السفر والحفلات يا حليم.. أرسل اعتذار للملك وهيتفهم وضعك، هو بيحبك ويخاف عليك يا حليم.. ويقول مجدي العمروسي في كتابه «أعز الناس» الذي يعتبر أصدق كتاب عن حليم من البداية للنهاية دون مكياج ومجاملة.. يقول فيه: رأيت عبدالحليم في أعجب صورة كأنه أسد محبوس في سياج حديدي يروح ويجي داخل القفص ثم يلف حول نفسه.. ويكاد يفقد عقله لأنه يعز الملك جدًا ولو اعتذر وعرف الملك ربما يلغي الملك الحسن الاحتفالات تضامنًا مع صديقه.. حليم أرسل خطابا خاصا للملك يعتذر فيه عن الحضور بسبب أنه دخل في عقد في فيلم جديد.. ووعد بأنه سيحضر في مارس القادم لإحياء حفلات عيد الجلوس، لكن الملك الحسن لم يصدق فأرسل أحد أعضاء السفارة في القاهرة لمعرفة السبب.. وعرف أنه عارض صحي يمر به حليم.. فأرسل الملك طائرته الخاصة إلى القاهرة فورًا بأن تأخذ حليم مباشرةً إلى باريس وأن مكانه قد حجز هناك في المستشفى ليراه البروفوسور سارزان.. انفجر عبدالحليم في البكاء بمرارة شديدة.. تأثر بموقف الملك.. واتصل به الملك قائلاً ان كنت تحبني فسافر إلى باريس للعلاج والمناسبات القادمة جاية يا حليم.... سافر حليم إلى باريس ومكث هناك فترة العلاج وتعافى قليلاً.. ومنها سافر إلى القاهرة ومكث بعض الوقت ثم إلى لندن المحطة الأخيرة.. وبينما كان حليم في مستشفى كنجزكولج بلندن وقد تدهورت صحته كثيرًا.. اتصل محمد عبدالوهاب بمجدي العمروسي وكان مجدي في السعودية في زيارة عمل من أجل الأسطوانات المقلدة لحليم في الخليج وقال عبدالوهاب: يا مجدي انزل القاهرة وخذ هدومك الثقيلة وسافر إلى لندن.. حليم عايزك للضرورة.. وسافر مجدي العمروسي إلى القاهرة لتبديل شنطة السفر ومباشرة إلى مطار لندن ومن المطار مباشرة إلى المستشفى ليتطلع الأمر.. يقول مجدي ما ان وصلت حجرة حليم اذهلتني رؤيتي له حيث وجهه الشاحب.. ضحكته المعروفة اختفت وعينه تذرف الدموع... حالة من الوجوم بالغرفة.. الجميع يخفون وجوههم ناحية الجدار أو منكسو رؤوسهم في الأرض. أمر عبدالحليم الجميع بالانصراف ليكون مجدي وحده معه.. وظل يتحدث مع مجدي بصوت متقطع تتخلله العبرات والبكاء.. فقام مجدي بالتمثيل بأنه غير مهتم بما يقوله عبدالحليم ويتصنع ابتسامة ليهدّئ من روع حليم وأخذ يهدّئهُ بعبارات سخيفة معتادة.. مثل أنت يا حليم اللي حتحضر جنايزنا كلنا.. يا راجل انت زي القمر ما شاء الله عليك.. فال الله ولا فالك ياليمو.. لكن عبدالحليم لم يتغير وأخرج من جيبه ورقة مطوية وقال له دي يا مجدي وصيتي خليها معاك أنا خلاص مش هرجع تاني معاكم زي كل مرة.. هكون في تابوت مع العفش.. ونفّذ يا مجدي الوصية كما هي وحياة العشرة والعيش والملح اللي بيننا.. فتح مجدي الورقة المطوية ببطء شديد متعمدا وإذا بها وصية مكتوب فيها «أوصي أنا عبدالحليم حافظ بكل ثروتي وكل ما أملك إلى اخوتي ومعهم ابن خالتي شحاتة وزوجته فردوس بالتساوي فيما بينهم.. وأن تظل شقة الزمالك التي يسكنها مع أفراد اسرته باسم شقة عبدالحليم تكون مفتوحة لمن يحب أن يزورها من الجمهور والمعجبين». وأن يسكنها من يشاء من اخوته مع شحاته وفردوس وأولاد خالته الذين كانوا يعيشون معه ويخدمونه منذ أن انتقل اليها من شقة العجوزة القديمة وطلب في الوصية أن تنفذ كما هي.. واختتمها بعبارة «إنا لله وإنا إليه راجعون». اليوم الأخير: اليوم هو الأربعاء 30 مارس من عام 1977 الوقت التاسعة والنصف صباحًا. المكان مستشفى كنجزكولج بالعاصمة البريطانية لندن وبالتحديد الطابق الرابع – غرفة 419 – حالة الجو شديد البرودة – السماء ملبدة بالغيوم الداكنة – الأمطار تتساقط بغزارة – عبدالحليم يحوم في الغرفة ثم ينظر إلى تساقط الأمطار من خلال النافذة المطلة على حديقة المستشفى وجهاز الريكوردر الخاص به يدور على مقطع من اغنيته الأخيرة «قارئة الفنجان» فطريقك مسدود.. مسدود.. مسدود يا ولدي، وكلما انتهى المقطع يعيده حليم مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة نفس المقطع، الى أن دخل عليه من دون استئذان مجدي العمروسي بعد أن سمع تكرار هذا المقطع المتواصل وأخرج الكاسيت والقاه من نافذة الغرفة قائلاً إلى حليم: يلعن أبو اليوم اللي غنيت فيه هذه الأغنية.. ايه التشاؤم والوسواس اللي انت فيه يا حليم.. فبكي حليم بمرارة قائلاً: حرام عليك يا مجدي حرام عليك!!! ان كنت بتسلى بالمقطع ده.. انت مش شايف ان طريقي مسدود وهو يبكي بحرقة وانكسار.. النهاية: اجتمع كبار الأطباء في المستشفى لدراسة وضع عبدالحليم الخطير على رأسهم د. روجرز الذي أخبر أهل عبدالحليم بأن كبد حليم في أسوأ حالته بحسب التحاليل والصور.. وقال لهم حليم عنيد جدًا ولا يريد إجراء العملية وطلب منهم ضرورة إقناعه وإلا فالموضوع في تطور مخيف.. بعد الالحاح على حليم من الأطباء ومن عائلته طلب حليم حضور د. ياسين عبدالغفار من القاهرة ود. سارازان من فرنسا وفي نفس الوقت حضرت من القاهرة مدام نهلة زوجة عبدالوهاب وما إن وصلت طلب منها حليم طلبا غريبا، أعطاها الكاميرا وقال صوريني آخر صورة.. دي آخر عملية هعملها خلاص.. فرفضت وألقت بالكاميرا على السرير وقامت ممرضة مصرية بتعمل بالمستشفى بالقيام بالمهمة، ومازالت هذه الصورة آخر صورة له في اللحظات الأخيرة قبل الموت... ولم تنشر الصورة حتى الآن ولم يشاهدها سوى أفراد عائلته المقربين جدًا. دخل عبدالحليم غرفة العمليات على مضض وعيونه زائغة دامعة.. يوزع النظرات على كل من كان معه في وداعه الأخير. دخل غرفة العمليات التي جهزت بعناية خاصة. وتم إجراء العملية بمشقة وبقي من معه في الخارج ينتظرون في توتر شديد ثم أخرجوا عبدالحليم من حجرة العمليات.. ومن عادات حليم أنه يضع المصحف الصغير تحت المخدة في كل عملية.. وخرج عبدالحليم من غرفة العمليات وكانت من عادته ما إن يخرج من العملية حتى يرفع أصبعه بعلامة النصر وهو مبتسم.. إلا أن هذه المرة كان ساكتا.. حزينا.. ثم قال بصوت ضعيف منهك إلى مجدي إن المصحف سقط من تحت الوسادة فجأة.. كما أخبره د.روجرز اثناء العملية.. وقال يا مجدي ده فال مش كويس. وأدخل عبدالحليم غرفته في المستشفى بعد العملية وراح في نوم عميق لمدة ساعة وكان ذلك مساء يوم 30 مارس 1977. وفجأة دوّى صوت صفارة الطوارئ بشكل متواصل وهرع د. شاكر ليخبر د. روجرز وإذا بحوالي عدد 12 دكتورا يهرعون إلى غرفة حليم ويغلقون الباب عليهم ثم طلع أحدهم مسرعًا وعاد سريعًا يحمل جهاز كان مركونًا في الممر الضيق ودخل به مسرعًا إلى الحجرة. كان هذا الجهاز هو قربة من الجلد الناعم يساعد على وقف النزيف الشديد ليضغط على جدار المعدة ليوقف النزيف وأعطوه لعبدالحليم ليبتلعه كاملاً وهم يرجونه أن يبتلع القربة بالكامل وعبدالحليم يحاول جاهدًا ولا يستطيع.. وقد بلع نصف القربة ولم يستطع اكمالها.. ولفظ أنفاسه الأخيرة ونصف القربة في فمه.. نعم هكذا اسلم الروح.. وسكت صوت العندليب في الساعة العاشرة مساءً في الغرفة 419 بالطابق الرابع بمستشفى «كنجز كولدج» في عاصمة الضباب. وخرج د. روجرز مكففا دموعه مرددًا حاولت معه كثيرًا لقد كان عنيدًا جدًا ثم أدار وجهه ناحية غرفة حليم قائلاً: آسف يا صديقي.. وطلب الاحتفاظ بذلك المصحف الذي سقط أثناء العملية بعد أن قبله مرارا ووضعه في جيبه للذكرى من أشهر مريض عرفه. وما إن أذيع الخبر من إذاعة لندن حتى ضج الناس وتهافت أصدقاء حليم من الملوك والأمراء ورجال الأعمال أن يرسلوا طائراتهم الخاصة لنقل الجثمان لكن مجدي رفض لأن حليم أوصاه بأن ينقل الجثمان إذا مات في طائرة مصر للطيران.. لقد كان وطنيا لآخر رمق في حياته. وعاد الجميع.. وهم على المقاعد داخل الطائرة يتلون آيات من القرآن والدعاء له بالرحمة إلا عبدالحليم كان في صندوق من الخشب البني في بطن الطائرة مع العفش. وما إن وصلت الطائرة مطار القاهرة حتى امتلأ المطار من الناس من كل الأعمار والأجناس والطبقات.. الجميع يقول.. وداعًا يا حليم.. وضع التابوت في العربة المخصصة لذلك تحت حراسة مشددة خوفًا من اختطافه من قبل الجمهور ووضع الجثمان في المستشفى حتى الصباح ثم نقل إلى مسجد عمر مكرم للصلاة عليه ثم شيع الجثمان في موكب رهيب إلى ميدان التحرير وودع الجثمان أكثر من مليون نسمة يتقدمهم كبار المسؤولين من وزراء وضباط.. اكتظت بهم الأرصفة والطرقات ثم انطلقت السيارة إلى مدافن البساتين شارع الصبر. وقد اشترى عبدالحليم هذا المدفن له ولأسرته ومازال ملاذًا لزائريه على مدار السنة وليس فقط في ذكرى رحيله... انها رحلة عبدالحليم الموعودة بالنجاح والعذاب... ذهب الجسد النحيل تحت ثرى البساتين وظل الصوت على مدى 42 سنة بعد الرحيل.. ومازال يدندن لنا أجمل ما غنى حليم وكأنه يقول لمعجبيه من كم سنة وأنا هنا من كم سنة حليم لو كنت يوم أنساك ايه افتكرتاني.. وان مقدرتش تيجي تاني ونسيت زماني.. ونسيت مكاني.. ابقى افتكرني.. حاول.. حاول تفتكرني.. ختامًا يا حليم لك من عشاقك ألف سلام ومحبة وأشواق وغرام من قلوب لا تهدأ ولا تنام.. قلوب محبيك التي تدعو لك بالرحمة. khaled31318@gmail.com |
|
تويتر
تاريخ النشر : 3/6/2023 11:04:36 AM ⭕ المتداول من معلومات يقول لنا أن محمد عبد الوهاب لم يعرف من هو مؤلف أغنية "عاشق الروح" التي غناها في فيلم "غزل البنات" إلا عندما شاهد التتر وقرأ اسم الشاعر حسين السيد ✍️ ⭕ أعرف حكاية أغنية "عاشق الروح" وكواليس تحضيرها 👇👇 https://t.co/V38ntDeBeh https://t.co/xGNDOalDB4 |
تاريخ النشر :13 السبت , أبريل, 2019
المصدر : الشرق الأوسط
تاريخ النشر :10 الأربعاء , أبريل, 2019
المصدر : الشرق الأوسط
عيد الأم أو يوم الأم ما هو إلا تجديد للعلاقة بين الأم والأبناء والمجتمع ككل وتقوية أواصر تلك العلاقة حيث ليس لمجتمع غنى عن الأم، فالأم هي الأمل ونورها يستضيء به الأبناء لاستكشاف الحياة والعيش فيها بسلام وأمان منذ الخروج الى الدنيا، فقد قال الشاعر الكبير الملهم أحمد شوقي بيت شعره المشهور والمعروف للصغار والكبار: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وفعلاً فان كل أم أعدتها وصنعتها أم، وكل رجل وأب أعدته وصنعته الأم. في عيد الأم تنهال الهدايا على الأمهات وكم من هدايا اندثرت مع الاستخدام وإن بقيت فهي للأم المهدية لأن أغلبها مادية أخلد وأعم وأثمن هدية.. وتتجدد في كل مناسبة للأم في عيدها، في ذكراها، في محبتها، أغنية ست الحبايب التي لم تمت والاذاعات والفضائيات ترتفع فيها خاصة بصوت المرحومة بامر الله فايزة أحمد التي تفوقت على كل من غناها وهي أول من ارتفع صوتها بها والأغنية من كلمات المرحوم بإذن الله الشاعر حسين السيد الذي كتبها على أعتاب باب بيت أمه في يوم عيد الأم وأهداها لها فكانت أخلد هدية وأعمها وانتشرت وبقيت.. فيا لها من هدية الهمه الله كلماتها ولحنها في نفس اليوم المرحوم بإذن الله الموسيقار محمد عبدالوهاب.. والى الآن يتغنى بها الصغار والكبار، النساء والرجال، فهي معبرة عن روعة وعلاقة الأم بأبنائها. فاللهم أنزل تلابيب رحمتك على كل أم فارقت الحياة واحفظ الأحياء منهن واهدِ الابناء لإرضائهن، فالجنة تحت أقدامهن، فالله الله في إرضائهن فهن الصدر الحنون والقلب الرحيم. وما اتكالي إلا على الله ولا أطلب أجراً من أحد سواه.