أغلبية النساء القرويات إلى “المدونة” كمسألة شخصية يرغبن في تغييرها في حياتهن. ومع ذلك، أعربن أيضا عن رغبتهنّ في نقل المعرفة التي اكتسبنها إلى الآخرين. ومدونة الأسرة هي عبارة عن مجموعة من القوانين التي صدرت سنة 2004 كانت ببادرة ملكية وتم التصديق عليها من طرف البرلمان. وتتألف مدونة الأسرة من 400 مادة تشريعية قسمت إلى ستة كتب رئيسية تهدف إلى حماية حقوق الأسرة بما في ذلك المرأة والطفل. ومنذ تشريع القانون الجديد، يواجه تنفيذه في المناطق الجبلية عوائق مختلفة من حيث زيادة الوعي وتفعيل القانون الجديد، وقد حلل البحث هذه الحواجز إلى جانب الاحتياجات المختلفة التي أثارتها النساء في هذه المناطق القروية. وأشارت أكثر من 94 بالمئة من النساء اللواتي شاركن في البحث إلى أنهن لم يسمعن من قبل بـ”مدونة الأسرة”، مما يشير إلى النقص الكبير في الوعي بالقانون في هذه المناطق. وذكر معظم السكان المحليين أن السن القانونية للزواج تتجاوز 18 سنة، ومع ذلك فإن معظم الفتيات ما زلن يتزوجن في سن مبكرة جدا ما بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة من العمر، وفي هذا الإطار أكدت أغلبية السكان بهذه المناطق القروية على عدم مواكبتها للتطورات القانونية التي عمل المغرب على ترسيخها تعزيزا للمسلسل الديمقراطي لحقوق الإنسان. وكانت وراء عدم مواكبة هؤلاء النسوة لما جاءت به مدونة الأسرة مجموعة من الأسباب على رأسها مشكلة التعليم ومسألة الشؤون الاجتماعية والمادية. وفي ما يتعلق بمشكلة التعليم لا تزال معدلات الأمية المرتفعة في صفوف الإناث القرويات إحدى المشكلات الأساسية، مما يحول دون وعيهن بحقوقهن أو الحصول على هذه الحقوق، وتشير النساء إلى أن هذا يرجع أساسا إلى عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين في الحصول على التعليم.94 بالمئة من النساء القرويات اللواتي شاركن في البحث لم يسمعن من قبل بمدونة الأسرة أما في ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية فقد بدا جليا التعارض بين القانون والتقاليد المحلية التي يجب احترامها في معظم الحالات، وقد أثيرت هذه الاختلافات على أنها إحدى أكبر العقبات التي تحول دون تنفيذ “المدونة” في هذه المناطق، فضلا عن الافتقار إلى الاستقلالية، حيث يعتبر من غير الملائم للنساء الخروج من القرية دون أزواجهن، كما أثيرت مسألة العنف كعقبة تحول دون حصول النساء بوجه خاص على حقوقهن. وفي ما يخص الشؤون المادية، كشفت الدراسة أن عدم القدرة على الوصول شخصيا إلى المعلومات، وعدم توفر الطرق المناسبة والنقل يجعلان من الصعب على النساء الوصول إلى المكاتب الحكومية، والحضور أمام القاضي كما تشترط العديد من التشريعات. وبالإضافة إلى ذلك، تفتقر المرأة إلى الحرية المالية، مما يعيقها عن الحصول على حقوقها. وقال المشرفون على الدراسة إن هذه المؤشرات مكنتهم من فهم احتياجات هؤلاء النسوة فهمًا أفضل ومعرفة الطرق الصحيحة لبدء العمل على تنفيذ ما تنص عليه المدونة في هذه المناطق. وأشارت أغلبية النساء إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يناقشن فيها قدراتهن ومخاوفهن وأهدافهن الشخصية، وهذا ما شجعهنّ على ذلك. واستنادا إلى ورش العمل التشاركية التي أجرتها الدراسة، بدأت إحدى المجموعات دروسا في محو الأمية، حيث رغبت نساء هذه المجموعة في أن يكنّ قادرات على فهم حقوقهن. وتطوّعت فتاة تبلغ من العمر 16 عاما من مجتمعهنّ لتعليمهنّ. وطلبت مجموعة أخرى الدعم المادي لبدء اشتغال التعاونية ولأن تصبح مستقلة ماليا، وقد يؤدي تأثير هذه الأنواع من التدخلات في بعض الحالات إلى تأثير غير مباشر على المشاركين، الأمر الذي قد يكون في الوقت الحاضر غير مرئي، ويصبح أكثر وضوحا في المستقبل. وأوصت الدراسة بضرورة إجراء عملية تقييم شاملة للاحتياجات ومعرفة كل مجتمع تتعامل معه، وذلك من أجل جعل المجتمع أكثر مشاركة ودعم استدامة المشروع. هذا بالإضافة إلى إشراك السلطات المحلية، حيث أشار المشرفون على الدراسة إلى أنهم تعاملوا فقط مع المجتمعات التي اكتسبت مؤسسة الأطلس الكبير ثقة قادتها، ويرون أهمية كبيرة في أن تكون هناك نفس العملية في تعزيز الوعي بالمدونة بين هؤلاء القادة، في حين يتم تشجيعهم على مناقشة دعمها المحتمل للتنمية، مثلا عن طريق المشاريع المدرة للدخل. وشددت توصيات الدراسة على ضرورة تشجيع القيادة المحلية على تعزيز التنمية المستدامة، من خلال إقامة علاقات بين المرأة القروية وزميلتها الحضرية، ونتيجة لذلك قام المشرفون على هذه الدراسة بتصميم برنامج يهدف إلى الجمع بين طلاب الجامعات والنساء القرويات للتعرف على المدونة، وتصميم تطبيقات محلية للقانون وفقا لاحتياجات قراهم. وقالت الدراسة إنه في معظم هذه المناطق، عادة ما يكون الرجال هم وحدهم الذين يشاركون في عمليات غير مسبوقة لرفع الاحتياجات وصنع القرار، مشيرة إلى أن استهداف النساء بشكل منفصل يقدم وجهة نظر مختلفة حول احتياجات المجتمع، فضلا عن اقتراحات مختلفة لطرق الإجابة عنها. وأضاف المشرفون على الدراسة “بما أن المدونة تعتمد على أساس الشريعة الإسلامية، نأمل أن تثير المدونة تغييرا فيما يتعلّق بحقوق المرأة ودورها في المجتمع، وخاصة في البلدان الإسلامية الأخرى. إننا من خلال ذلك نهدف إلى دعم التغيير الاجتماعي الفردي والجماعي على الصعيدين المحلي والعالمي”.
مشاركة :