فصل جديد في علاقة السودان بالحركة الإسلامية بقلم: محمد أبو الفضل

  • 2/19/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

النظام السوداني لا يريد فتح جبهة التصعيد مع مصر وهو يعاني من تحديات داخلية ضخمة، ويحاول تمهيد الطريق لرئاسة جديدة للبشير.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2018/02/19، العدد: 10905، ص(9)] العلاقة بين النظام السوداني والحركة الإسلامية عضوية، ظهرت ملامحها عقب فترة قصيرة من انقلاب عمر حسن البشير في يونيو 1989، وتفاوتت معالمها بين الصعود والهبوط وفقا لطبيعة المرحلة، مع ذلك تمسّك النظام الحاكم بجزء معتبر من ثوابتها. المناوشات والمكايدات والمشاحنات بشأن محددات العلاقة من الحركة الإسلامية بمفهومها الواسع، أي الإخوان المسلمين وفروعهم ومسمياتهم، لم تأخذ موقفا عدائيا صارما، وإن حدث في بعض الأوقات فهي لاعتبارات خارجية قوية. الخلافات السياسية كانت في الحدود التي يمكن القبول بها نتيجة حسابات ظرفية، ويعود الوئام عندما تتلاشى، ورأينا أسماء تظهر في مرحلة وتختفي في أخرى ثم تعود للواجهة السياسية، وهو دليل على “البراغماتية”، بمفهومها النفعي الشائع التي تتحكم في كثير من التقديرات، بما يؤكد أن المواقف الأيديولوجية ليست وجبة رئيسية على مائدة النظام السوداني. التباين الذي جرى بين البشير والدكتور حسن الترابي أحد أهم العلامات البارزة في تاريخ العلاقة بين النظام والحركة الأم، وعلى إثره افترق الرفيقان، وقاد كل منهما حزبا سياسيا، الترابي احتفظ بـ“المؤتمر الشعبي” والبشير أنشأ “المؤتمر الوطني”، ورغم التباعد الذي أخذ اتجاها خشنا تمثل في اعتقال الترابي، غير أن العلاقة احتفظت بدفء ليس خافيا حتى رحيله في مارس 2016. التذبذب بين البشير والحركة الإسلامية، لم يكن ناجما عن هوة سياسية سحيقة، لكنه يخرج دوما من انتهازية سياسية مفرطة يتبنّاها الأول كمنهج للحكم وأداة للاستمرار في السلطة فترة طويلة، وهي على علاقة طفيفة بالتطورات الداخلية وصلة وثيقة بما يجري من تطورات على المستوى الإقليمي. الانفصال رسميا عن الترابي جاءت إرهاصاته عقب انكشاف خطورة توجهاته على علاقات نظام البشير الخارجية، وبعد فترة من اتهام النظام السوداني بتدبير محاولة اغتيال للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، وتزايد الضغوط على الخرطوم كمأوى للإرهابيين، وعندما تأكد البشير أن الترابي يمثل عبئا قرر العصف به للحفاظ على سلطته. المياه الكثيفة التي مرت في قناة الخرطوم والحركة الإسلامية لم تتوقف لحظة عن عادتها في المد والجزر، وفي الحالتين كانت العلاقة مرتبطة بحجم ما يحققه الاقتراب من مصالح، وحدود المنافع التي يمكن الاستفادة منها عند الابتعاد. مع ظهور ثورات الربيع العربي وصعود نجم التيار الإسلامي عموما، عاد الرئيس البشير إلى التمسّك بجذوره، وتصور أن الفرصة مواتية لتحقيق حلمه في زيادة توسيع رقعة هذا التيار في المنطقة، واندفع نحو تمتين علاقته بالدول التي تتبنّى خطابا مؤيدا أو داعما للإسلاميين، اعتقادا في أن لحظة تحقيق الحلم (حلم الخلافة الإسلامية) قد اقتربت. التراجع الذي واجهه التيار الإسلامي، بعد إخفاق تجربة الإخوان في مصر عام 2013، ترك لدى البشير غصّة كبيرة في حلقه، حاول ابتلاعها بتخفيف اندفاعاته السابقة في بعدها الإقليمي، دون أن يتخلى عن دعم رموز وقيادات الإخوان، وهو ما ظهرت تجلياته في ليبيا ومصر. اشتداد الضغوط على النظام السوداني جعلته يضطر إلى التسويف في شكل علاقته بالتيار الإسلامي، واحتفظ به كورقة يغازل بها دول مثل لتركيا وقطر وإيران، ويناور بها مصر التي ظلت على الدوام قلقة من علاقته بالإخوان، وتوظيفه من جانب كل من الدوحة وأنقرة، ومن زاوية إيواء ودعم عناصر إسلامية بالسودان متهمة بارتكاب أعمال إرهابية. إبقاء البشير على علاقته بالحركة الإسلامية في السودان وخارجه، أصبح يمثّل إزعاجا كبيرا للقاهرة، ولأنها تريد الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية لم ترغب الدخول في مواجهة معلنة مع الخرطوم، بعد أن بدأت الأخيرة استثمار هذه الورقة على نطاق أوسع، وازدياد حدة المشكلات التي تسببها سياسات النظام السوداني. ملامح التحريض بدأت خيوطها تظهر في اقترابه من إثيوبيا ودعم مشروع سد النهضة الذي يمثّل كارثة مائية لمصر، وتصاعد وتيرة الاتهامات الموجهة للقاهرة بشأن دعم المعارضة والتدخّل في شؤون السودان، والترويج لتحالفها مع إريتريا والتجهيز لغزو البلاد من الشرق. لم تكن الاتهامات التي وجّهها السودان لمصر عفوية، لأنها تزامنت مع تقارب لافت مع كل من تركيا وقطر، وهما دولتان على خصومة سياسية عميقة مع القاهرة، وبدت المسألة كأن هناك من يريد تغذية الخلاف ووصوله لأقصى مدى وإضعاف الخاصرة الجنوبية لمصر. اللقاء الذي عقده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره السوداني عمر البشير على هامش القمة الأفريقية بأديس أبابا في 27 يناير الماضي، كان نقطة تحوّل رئيسية في العلاقة بين البلدين، وقدّم السيسي معلومات موثّقة للبشير تنفي الاتهامات التي وجهت لمصر، وفي مقدمتها التآمر لغزو بلاده من الشرق ودعم المعارضة السودانية، ثم دخلت العلاقة مرحلة تهدئة بموجب اللقاء الرباعي الذي عقد في 8 فبراير الجاري في القاهرة بين وزيري الخارجية ورئيسيْ المخابرات في البلدين. مقدّمات الهدوء الظاهر متوقّع أن تتحول إلى استقرار، عقب تعيين صلاح عبدالله (قوش) رئيسا لجهاز المخابرات والأمن الوطني في السودان، المعروف بعلاقته الجيدة مع مصر، وعلى صلة بالمخابرات المركزية وتعاون معها في تسليم بعض العناصر الإسلامية. هذه نقطة مهمة يمكن أن تقود لمزيد من التعاون مع القاهرة، فالرئيس البشير ينوي تخفيف قبضة الحركة الإسلامية على كاهل نظامه وحزبه، لأنها استقوت في العامين الماضيين ووزعت رموزها على مؤسسات في الدولة، وأضحت مخربا لعلاقات الخرطوم مع القاهرة، وعناصرها قادت التصعيد خلال الشهر الماضية عبر الترويج لمعلومات خاطئة. عودة صلاح قوش، جاءت ضمن إطار عام لترتيب البيت السوداني من الداخل، فمع أنه ينتمي إلى الحركة الإسلامية، لكنه كان في مقدمة من انحازوا للبشير على حساب الترابي، ولأن عناصر الحركة في حزب المؤتمر الوطني بدأت تنشط للسيطرة على الحزب ووقف عملية ترشح البشير في انتخابات الرئاسة المقبلة، من هنا سوف يكون سطوع نجم قوش مرة أخرى له علاقة بمعركة خفية تدور في أروقة النظام السوداني. بالطبع هناك أسباب داخلية لها علاقة بالتظاهرات والاحتجاجات جرّاء الأزمة الاقتصادية، أفضت إلى إقالة رئيس المخابرات محمد عطا، لكن عودة قوش جاءت للتخلص من العناصر المزعجة للبشير وتقليص أجنحتها، وهو لديه خبرة في التعامل مع الإسلاميين، ورمز لمرحلة شهدت تعاونا بين الخرطوم وكل من واشنطن والقاهرة في مجال مكافحة الإرهاب. النظام السوداني لا يريد فتح جبهة التصعيد مع مصر وهو يعاني من تحديات داخلية ضخمة، ويحاول تمهيد الطريق لرئاسة جديدة للبشير، ويسعى لرفع اسمه من اللائحة الأميركية للإرهاب، وهو ما يحتاج إلى كتابة فصل جديد في سجل علاقة البشير مع الحركة الإسلامية، وقوش يبدو هو الشخص القادر على نسج كل هذه الخيوط ووضعها في بوتقة واحدة خلال الفترة المقبلة. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :