الرياض ( صدى ) : وجَّه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، كلمة لعموم المسلمين في مطلع هذا العام الهجري الجديد ١٤٣٦هـ، أوضح فيها سماحته، فضل ومكانة هذه الأمة، وحذرها من التفرق والاختلاف والانسياق وراء مكائد الأعداء التي وصفها سماحته بأنها الاستعمار الجديد، مضيفاً بأن أهداف الأعداء من إشعال هذه الفتن أن تكون طريقًا وبابًا مفتوحًا للهيمنة على بلاد الإسلام، داعيًا للأخذ بأسباب القوة الشرعية والمادية، وحاثًا أمة الإسلام على الاجتماع، ومحذرًا من شؤم التفرق والاختلاف، مؤكداً أنهما سبب عظيم من أسباب الذل والهوان وتسلُّط الأعداء. جاء ذلك في كلمة لسماحة المفتي، وجَّهها عبر برنامجه الأسبوعي الذي تبثه إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة، ويعده ويقدمه يزيد الهريش. وفيما يأتي نص كلمة سماحة المفتي حفظه الله -: يطل علينا عام جديد عام ١٤٣٦، وأرجو الله أن يكون عام خير وبركة، وأن يوفقنا فيه جميعًا لما يحبه ويرضاه، وأن يعفو عن زلاتنا وهفواتنا، ويقيل عثراتنا، ويستر عيوبنا، ويرزقنا التوبة النصوح. اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك فيه. معشر المسلمين.. إنَّ الله قد فضَّل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وخصها بخصائص لم تكن لمن قبلها. قال جل وعلا -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}. فالأمة المحمدية خير الأمم التي أُخرجت للناس.. {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. فهذه الأمة تنال هذا الخير العظيم بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله وتحكيمها لشرع الله. أمة محمد صلى الله عليه وسلم -: إن الله خصّكم بهذا الدين الذي أكمله وأتمه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}، واختار الله لكم أفضل الكتب وأشرفها (كتاب الله العزيز) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. محفوظ بحفظ الله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم أنبياء الله ورسله {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. أمة الإسلام: إن أمتنا تمر بمنعرج عظيم وخطير جدًا، تحديات من أعداء الإسلام على اختلاف أصنافهم، يعادون أهل السنة والجماعة، يسعون لإيقاع الفتن بين المسلمين، والعداوة بين أفراد الأمة؛ ليشغلوهم بهذه الفتن عن مصالحهم وخيرات دينهم ودنياهم؛ ليصدوهم عن سبيل الله، ويجعلوهم أمة مشغولة دائمًا بخلافاتها ونزاعاتها وتفرقها.. والله جل وعلا يقول لكم {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}. إن في التفرق ذل وهوان، وفي الاجتماع قوة وعزة.. وقال جل وعلا – {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون. ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}. فعلينا معشر المسلمين أن نعود إلى رشدنا، وأن نتمسك بكتاب ربنا، وسُنة نبينا صلى الله عليه وسلم -. أما هذه الجراح المؤلمة التي تمر ببلاد المسلمين في الشام والعراق واليمن وليبيا وغيرها فهي – والله – محزنة.. آلام محزنة ومؤلمة؛ يعتصر القلب لها ألمًا وحزنًا بما يشاهده من هذه المواقف السيئة، وحيرة الأمة إذا لم تهتدِ إلى رشدها. إن واجب الأمة أن تعود إلى رشدها، وأن تختار لها من القيادة ما يكون فيه خيرٌ لها وصلاح لها في أمر دينها ودنياها. إن هذا التفرق والاختلاف، واختلاف المواقف وتباينها، لسبب عظيم في ذل الأمة وسيطرة الأعداء عليها، وعودة الاستعمار الجديد بثوب جديد، يشعل الفتن والمصائب؛ حتى يكون له طريق وباب مفتوح ليسيطر على الأمة ويهيمن عليها بثقافته وأفكاره وآرائه.. فعلى الأمة المسلمة أن تتفطن لذلك، وأن تعود إلى رشدها، وألا تثق بأعدائها، وأن تعد العدة القوية في مواجهة كل عدو لها {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}. قوة المؤمن بإيمانه الصحيح الذي يجمع القلوب على الطاعة، قوة اقتصادية، قوة علمية، قوة سياسية، قوة فكرية.. تجتمع كل هذه القوى لتجابه الأعداء بكل سبيل. أيها المسلم: إن ما يمر به العالم الإسلامي والعربي لموقف مؤلم، محزنٌ جدًا؛ إذ هذه التفجيرات وهذه الصراعات المهلكة والمدمرة دمرت البلاد، دمرت البنية التحتية، دمرت زراعتها وخيراتها، خربت أرضها، أفسدت بنيتها، فُرِّق شملها، شُتت أبناؤها. يا إخواني: إنها لمصائب عظيمة، أعداؤنا في رغد من العيش، وفي نعيم وراحة، يدبرون المكائد لأجل إذلالنا وإشعال الفتنة بين أبنائنا، وترويج أسلحتهم الفتاكة، فجعلوا صدور الأمة أهدافًا لتجارب أسلحتهم الخبيثة المدمرة التي لا يسمح في بلادهم منها بشيء، لكنها موجهة لبلاد المسلمين؛ ليضرب بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا، ويهلك بعضهم بعضًا.. فعياذًا بالله من هذه المواقف الكريهة، عياذًا بالله من هذا الاختلاف، عياذًا بالله من هذا التفرق. فيا معاشر المسلمين: استيقظوا من غفلتكم، وأنيبوا إلى ربكم، واهتدوا بهدي دينكم، واعلموا أنه لا خلاص لكم من هذه الفتن والمصائب إلا بالرجوع إلى الله، وتحكيم شرعه، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فما دام المسلمون في هذا الاختلاف والبُعد عن دين الله فإن الله يقول {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}. فيا إخواني، لنتق الله في أنفسنا، ولنراجع أمرنا، ولنعد إلى رشدنا. أسأل الله جلّ جلاله أن يوفقنا في العام القادم إلى خير واجتماع كلمة وتآلف قلوب ووحدة الصف، وأن يصلح ولاة أمرنا وقادتنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يمنَّ على المسلمين بالرجوع إلى دين الله، ويصلح قادتهم وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدًا، إنه على كل شيء قدير.
مشاركة :