يتبادر إلى الذهن أحياناً سؤال يقول: هل إنسان هذا العصر سعيد بكل هذه المخترعات والرفاهية التي يعيش فيها؟! والجواب لا يمكن أن يطرح بنعم أو لا .. وإنما الأفضل أن نضرب الأمثلة ونسرد القصص ونستعيد بعض المعلومات ونترك الحكم للقارئ حسب الزاوية التي ينظر منها والخلفية التي يصدر حكمه بناءً عليها. قال أحدهم: آه .. ما أحلى زمان الفقر حينما كان الواحد منا يضع رأسه على عتبة منزله وينام بلا فراش أو غطاء، واستطرد .. الآن أملك الملايين لكنني لا أستطيع أن آكل ما يوضع أمامي أو أنام في وقت النوم، وتنهد قائلاً: أعاد الله لنا أيام زمان .. ورد عليه صاحبه بدون تردد: لا تطلب الفقر وأيامه لنا جميعاً وإنما لك وحدك .. ولم يأبه بما قاله صاحبه وواصل الحديث: يا أخي إنسان هذا العصر مذعور دائماً مرة يخوف بالأمراض الفتاكة وأخرى بالحروب والكوارث وثالثة بالعولمة. ولم يستطع صاحبه صبراً فأوقف السيل المتدفق من الكلمات قائلاً: كفى .. فهمنا الخوف من الأمراض والحروب والكوارث .. لكن لماذا يخاف هذا الإنسان من العولمة؟ فرد عليه إما أنك غبي أو تتغابى فالعولمة تعني فتح الحواجز وإزالة الأقواس وأكل السمك الكبير للصغير وموت الأطفال تحت سنابك خيول الدول الكبرى .. ولا أحد يسأل عن الأطفال وربما سأل البعض عن الجياد خشية أن يصيبها سوء! ويدخل الهاتف الجوّال في حياة الإنسان فيتعامل معه بحذر خشية أن يصيبه بالصمم أو السرطان .. ورغم هذا الخوف لا يهنأ بهذا الإنجاز، حيث تنقطع المكالمة الواحدة ثلاث أو أربع مرات وفي كل مرة يختفي فيها الصوت تنقطع الأنفاس والأفكار وتحترق الأعصاب وتنهال عليه رسائل اقتحامية في أوقات الراحة والنوم ويسرع للقراءة فإذا هي إعلان عن إزالة الشعر بالليزر أو ما هو أتفه من ذلك؟! وينشغل الأبناء والبنات عن الحديث مع أهلهم ويتحدثون مع بعضهم وهم في غرفة واحدة دون كلام وإنما عبر الشبكات والشاشات التي استولت على أبصارهم وعقولهم. ويختم حديثه قائلاً: ألم أقل لكم إن إنسان هذا العصر مذعور مرعوب؟ ويصر صاحبه على المجادلة فيقول: ولكن ألم تتوافر لهذا الإنسان وسائل الرفاهية من مأكل يأتي إليه من كل بقاع الدنيا حتى لم يعد للفواكه موسم معين .. ومن مسكن ومركب ووسائل اتصال تتطور بشكل مذهل؟ نعم كل ذلك متوافر لإنسان هذا العصر .. لكن هل هو سعيد؟ أشك في ذلك، بل أرى أنه لا ينعم بالهدوء النفسي الذي كان سائداً في عصر الآباء والأجداد.
مشاركة :