كشف التقرير الصادر عن القمة العالمية للحكومات، بعنوان «مستقبل تكنولوجيا الزراعة» عن التحديات التي تواجه القطاع الزراعي وإمكانية إحداث تغييرات جذرية بواسطة التقنيات الحديثة. فضلاً عن الدور اللازم للحكومات، فيما تطرق التقرير لالتزام خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والمجتمع الدولي في 2015 بالقضاء على الجوع، وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، خاصة أن هناك 800 مليون شخص يعانون في جميع أنحاء العالم من الجوع، فيما سيبقى 650 مليون شخص أو ما نسبته 8 بالمئة من سكان العالم يعانون من نقص التغذية حتى 2030. طلب وعلى الرغم من تزايد الطلب، سيتوجب بحلول عام 2050 إنتاج المزيد من الأغذية بنسبة قدرها 70%، وفي الوقت نفسه فقد تقلصت حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 3% فقط. وشهد هذا القطاع القليل من الابتكارات في الآونة الأخيرة، وبجميع الأحوال فليس هناك ما يشير إلى أن ندرة الأغذية والجوع لن يمثّلا مشكلة في العقود المقبلة، ولذلك فإن العالم يحتاج إلى تغيير جذري لأن اتباع النهج الحالي لن يؤدي إلى حل المشكلة. وتضغط أربعة أوجه تطور رئيسة على النموذج الزراعي القديم فيما يخص تلبية متطلبات المستقبل وهي التركيبة السكانية، وندرة الموارد الطبيعية، وتغير المناخ، وهدر الغذاء. والتي تفاقم جميعها من مشاكل الجوع وشح الغذاء، فيما ستتطلب مواجهة هذه التحديات بذل جهود متضافرة من قبل الحكومات، والمستثمرين والتقنيات الزراعية المبتكرة، ولفت التقرير إلى أن القيام بذلك ممكن، ولكن علينا أن نحدث تغييراً جذرياً في النظام. وذكر التقرير أن الزراعة لن تعتمد بعد الآن على استخدام المياه، والأسمدة، والمبيدات الحشرية بصورة موحدة في جميع الحقول، بل سيستخدم المزارعون عوضاً عن ذلك الحد الأدنى من الكميات المطلوبة وسيستهدفون أماكن محددة جداً، وسيصبح بالإمكان زراعة المحاصيل في المناطق القاحلة، والاستفادة من الموارد الوفيرة والنظيفة مثل الشمس ومياه البحر. بينما لا تزال الابتكارات الأخرى مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد للأغذية، واللحوم الاصطناعية، والتعديل الوراثي، والزراعة في مياه البحر، في مراحلها المبكرة، ولكن يمكن أن تكون جميعها عناصر فاعلة في العقد المقبل. ويجب كذلك إدارة المزارع والعمليات الزراعية بشكل مختلف تماماً، ويعود ذلك أساساً إلى أوجه التقدم في التكنولوجيا مثل أجهزة الاستشعار، والمعدات، والآلات، وتكنولوجيا المعلومات. وستستخدم الزراعة المستقبلية تقنيات متطورة مثل الروبوتات، وأجهزة استشعار درجة الحرارة والرطوبة، والصور الجوية، وتكنولوجيا نظام التموضع العالمي ( GPS)، حيث ستتيح هذه الأجهزة المتقدمة ونظم الزراعة الدقيقة والروبوتات للمَزَارع أن تصبح أكثر ربحية، وكفاءة، وأمناً، ومراعاة للبيئة. استثمارات وتابع التقرير أنه لن تكون تكلفة هذه الجهود زهيدة، إذ ستبلغ الاستثمارات السنوية للقضاء على الجوع بحلول عام 2030 واستيعاب الضغوط السكانية نحو 265 مليار دولار، وفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة «فاو»، كما أن بإمكان الحكومات أن تضطلع بدور رئيس في حل مشكلة ندرة الأغذية. حيث يتعين عليها أن تتولى دوراً أوسع نطاقاً وأكثر وضوحاً بالمقارنة بوظيفتها التنظيمية، وتستند هذه النظرة إلى حقيقة أنه في عصرنا الحالي المضطرب، لا يمكن لأحد العمل بمفرده، وينبغي تنظيم تعاون دولي أوسع نطاقاً، مع الحفاظ على المرونة المطلوبة لتحفيز الابتكار. ونبه التقرير إلى أنه يتطلب من الحكومات أن تستطيع الوقوف على قدميها وأن يكون لديها طريق واضح نحو تحقيق هذا الهدف، وبإمكان الحكومات من خلال تحدي النموذج التقليدي القديم والسعي وراء تحقيق برامج مماثلة أن تضمن الأمن الغذائي وتحد من الاعتماد علىالواردات، وأن تصبح مُصدراً صافياً ليس للمنتجات فحسب، بل للملكية الفكرية والحلول الجديدة أيضاً. فضلاً عن أن تزيد الإنتاجية وتدعم الانتقال نحو اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة. تحديات وتؤثر مجموعة من الاتجاهات العالمية على الأمن الغذائي، والفقر، والاستدامة الشاملة للنظم الغذائية والزراعية، وتشمل أوجه التطور الرئيسية الأربعة التي تضغط على الزراعة لتلبية متطلبات المستقبل كلاً من التركيبة السكانية، وندرة الموارد الطبيعية، وتغير المناخ، وهدر الغذاء، ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم في العقود المقبلة بنسبة 33%، ليصل إلى 10 مليارات نسمة تقريباً بحلول عام 2050. كما أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 11.2 مليار نسمة بحلول عام 2100 وقد يقلل هذا الرقم من شأن معدلات الخصوبة الفعلية، إذ إن عدد السكان في ظل سيناريوهات أخرى قد يصل إلى إلى 16.5 مليار نسمة. وسيعزز النمو السكاني الطلب على الغذاء، حتى في ظل سيناريو نمو اقتصادي معتدل، وذلك بنسبة تناهز50 بالمئة مقارنة بالناتج الزراعي لعام 2013 وفي الأثناء يتغير النظام الغذائي العالمي أيضاً نتيجة للتركيبات السكانية المتغيرة، حيث يزداد الطلب على البروتين الحيواني عالي القيمة، وهو اتجاه مدفوع بالتحضر والمداخيل المرتفعة بالإضافة إلى النمو السكاني الطبيعي. ويحد التغير المناخي كذلك من الإنتاجية في الزراعة، حيث يعد تغير المناخ حقيقة واقعة وهو يغيّر البيئة بسرعة، فيما بلغت درجة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب بها البشر أعلى مستوياتها في التاريخ، وفقاً لتقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2014، كما تعتبر الزراعة هي أحد المنتجين الرئيسيين لغازات الدفيئة، وسيؤثر تغير المناخ على جميع نواحي إنتاج الأغذية. خاصة أنه سيزداد انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير في حال عدم بذل الجهود للتكيف مع تغير المناخ. ويجسد هدر الغذاء قصوراً في السوق وتهديداً للبيئة، حيث تتراوح نسبة الأغذية التي لا تؤكل أبداً ما بين 33 - 50% من الأغذية المنتجة عالمياً وتبلغ قيمة هذه الأغذية المهدورة أكثر من تريليون دولار وتشكّل مخلفات الطعام وجهاً من أوجه القصور الكبيرة في السوق. وفي الوقت نفسه، يأوي 800 مليون شخص إلى الفراش جياعاً كل ليلة، ويمكن إطعام كل واحد منهم بأقل من ربع الطعام الذي يتم هدره في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا سنوياً. وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى مشكلة نقص بالموارد الغذائية، أما النتيجة فكانت الفقر والجوع، وعلى الصعيد العالمي لا يزال 700 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، و800 مليون يواجهون الجوع المزمن، و2 مليار يعانون من حالات نقص المغذيات الدقيقة. فيما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه من أصل 800 مليون شخص يعيش الثلث في المناطق الريفية بالدول النامية، وتعيش الغالبية العظمى أيضاً في البلدان التي تعاني من أزمات سياسية وصراعات مسلحة والتي تقوض شبكات الأمان الاجتماعي الهادفة إلى مساعدتها. صناعات غذائية وتظهر عدة خيارات لمواجهة هذه التحديات تتجسد في أن الصناعات الغذائية والزراعية حققت خطوات هائلة في نصف القرن الماضي، فقد ساهمت تقنيات الثورة الخضراء في زيادة الإنتاج الزراعي العالمي إلى ثلاثة أضعاف منذ عام 1960، واكتسب هذا القطاع على نحو متزايد طابعاً معولماً، وسيتطلب القضاء على الفقر والجوع في العالم استغلال هذه التوجهات، بالإضافة إلى مكافحة التفاوت في الدخل. وستكون استراتيجيات النمو ضرورية لمعالجة قضايا الزراعة وخلق فرص العمل وتنويع الدخل أيضاً، ومع ذلك، فإن هناك أمراً واضحاً، وهو أن سير العمل كالمعتاد لم يعد نافعاً، ويشير تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة إلى أن الاستثمارات الإضافية المطلوبة عالمياً للقضاء على الجوع ستبلغ قيمتها 265 مليار دولار سنوياً. وكشف التقرير عن أنه بالإمكان إحداث تغييرات جذرية في الزراعة بواسطة التقنيات الحديثة، حيث قطعت الثورة التقنية الأولى في الزراعة خطوات هائلة، فخلال الفترة الممتدة ما بين أعوام 1961 –2004، ارتفعت محاصيل الحبوب في شرق آسيا بنسبة 2.8% سنوياً، أو أكثر من 300% على مدى هذه الفترة، وذلك بفضل الممارسات الزراعية الحديثة بما في ذلك الري. واستخدام الأسمدة والمبيدات، وتطوير أنواع مختلفة من المحاصيل ذات الإنتاجية الأعلى. تطورات ويجب على العالم أن ينتج أكثر بنسبة 70% من الأغذية بحلول عام 2050، واستخدام كميات أقل من الطاقة والأسمدة والمبيدات مع خفض مستويات غازات الدفيئة والتصدي لتغير المناخ، كما يجب استثمار التقنيات القديمة إلى أقصى حد وتوليد تقنيات جديدة. وستعمل المزارع الحديثة والعمليات الزراعية بشكل مختلف. ويرجع ذلك أساساً إلى التقدم في التكنولوجيا، بما في ذلك أجهزة الاستشعار، والمعدات، والآلات، وتكنولوجيا المعلومات، وستستخدم الزراعة المستقبلية تقنيات متطورة مثل الروبوتات وأجهزة استشعار درجة الحرارة والرطوبة والصور الجوية وتكنولوجيا النظام العالمي لتحديد المواقع، وستتيح هذه التطورات للشركات أن تحقق أرباحاً أكبر، وأن تكون أكثر كفاءة وأماناً وملاءمة للبيئة. ولن تعتمد (الزراعة 4.0) بعد الآن على استخدام المياه، والأسمدة، والمبيدات في كافة المجالات، وسيستخدم المزارعون بدلاً من ذلك، الحد الأدنى من الكميات، أو حتى إزالتها كلياً من سلسلة التوريد، وسيتمكن المزارعون من زراعة المحاصيل في المناطق القاحلة واستخدام موارد وفيرة ونظيفة مثل الشمس ومياه البحر لزراعة المحاصيل الغذائية. وتطرق التقرير إلى أهمية الإنتاج بشكل مختلف باستخدام أساليب جديدة، مثل الزراعة المائية، واستخدام الطحالب كمواد أولية، فضلاً عن استخدام الزراعة الصحراوية، والزراعة في مياه البحر، واستخدام التعبئة المستدامة، عن طريق البلاستيك الحيوي. دور مهم للحكومات في تحفيز الثورة الزراعية الرابعة تساهم التقنيات الحديثة في تغيير كيفية نظر المستفيدين وخاصة الحكومة، للقطاع الزراعي، وتمنحهم الأمل في حل مشكلتي الجوع وشح الغذاء، وللحكومة دور بالغ الأهمية في هذا السياق، كما أنه مع تزايد خطورة تهديدات التغير المناخي وشح الموارد الطبيعية وتزايد عدد السكان، وهي جميعها تحديات تواجه الحكومات، فإنه سيتوجب عليها أن تقوم بواجبها في رعاية التقنيات التي تحفز الثورة الزراعية الرابعة. ويقدم هذا التحول فرصة كبيرة للحكومات لتحتل الصدارة في حقبة الثورة الزراعية الرابعة ويمكن للحكومات، عبر تغيير النموذج التقليدي، أن تحقق الفوائد التالية: ضمان الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات، والتحول إلى مصدر للمنتجات إضافةً إلى الملكيات الفكرية والحلول الجديدة، فضلاً عن زيادة الإنتاجية ودعم التحول نحو اقتصاد قائم على الابتكارات والمعرفة. وتعمل الحكومة، ضمن المنهجية التقليدية كمروج أو منسق للقطاع، كجهة تمكين للمنظومة عبر مبادرات مستهدفة، توجد بيئة إيجابية تحفز مشاركة الجهات المعنية، ويعتبر ذلك هو السيناريو النمطي الذي تتبعه الحكومات لجذب الجهات الفاعلة في القطاع، لكونه منهجية طبيعية لا تعتمد على شخصية وحيدة ذات رؤية مستقبلية. وتقدم الحكومة الدعم ضمن هذا السيناريو عبر توفير شراكات تسمح بالوصول إلى أسواق جديدة، والدعم التسويقي، وتوفير الحوافز المالية، والمرونة التنظيمية، وتوفير البنية التحتية بأسعار ميسورة. ويجب على الحكومات تحسين المنظومة وتمكين البيئة، إضافة إلى تقديم المحفّزات المالية والمرونة التنظيمية وتوفير البنية التحتية بأسعار ميسرة، كما يجب أن تكون الحكومات في الطليعة عندما يتعلّق الأمر بمواجهة قضايا الأمن الغذائي، وتمكين التقدّم عبر محفّزات متوازنة وتشريعات ذكية. كما يمكن أخذ العديد من الخطوات بعين الاعتبار، مثل التنسيق بين أنظمة الأمن الغذائي، ورفع مستويات الجودة خلال مراحل التصنيع، وتطوير مركز وطني للتميز في الأبحاث والتعاون في مجال الأمن الغذائي، ودراسة أثر المعوقات غير المتعلّقة بالرسوم على التجارة، وتعزيز القدرات المحلية لاختبار الأغذية. الزراعة العمودية توفر منتجات عالية الجودة بشكل مستدام استوردت الإمارات خلال عام 2016، أربعة ملايين طن متري من الفواكه والخضار، وسيساهم تسهيل نمو أعمال تجارية زراعية فعالة من حيث الكلفة والتي توفر منتجات طازجة للمستهلكين في الدولة بتحقيق فوائد للحكومة ومواطنيها على حد سواء. كما تساهم الزراعة العمودية في توفير منتجات عالية الجودة بشكل مستدام، ويمكن تعريف الزراعة العمودية بأنها عملية زراعة الغذاء في طبقات مرصوصة بشكل عمودي. وإنتاج الأغذية في بيئات صعبة حيث لا تتوفر الأراضي المناسبة، وهي تستخدم، بالاقتران مع الزراعة الحضرية، كلاً من التربة والزراعة المائية أو أساليب الزراعة الهوائية، وتستخدم هذه العملية كمية أقل من المياه والسماد والمكملات الغذائية بنسبة 95%، ومن دون أي مبيدات، مع تعزيز الإنتاجية في الوقت نفسه. 40 % من سكان الريف يعيشون في مناطق مواردها المائية شحيحة يمكن أن يؤدي التوسع الحضري العالمي حتى عام 2050 إلى إضافة صافية إلى المدن والبلدات تقدر بنحو 2.4 مليار شخص، ويحفز التوسع الحضري التحسينات في البنية التحتية، مثل سلاسل أجهزة التبريد، التي تسمح بتداول السلع القابلة للتلف، كما أن الاستخدامات الحالية للمصادر الطبيعية تتعرض لضغوط كبيرة جداً. حيث تواصل مستويات تحول الأراضي الزراعية في العالم إلى أراض غير صالحة للإنتاج ارتفاعها، فقد تم تصنيف 25 بالمئة من جميع الأراضي الزراعية بالفعل على أساس بعض المقاييس على أنها قد تدهورت للغاية، في حين تدهورت الأراضي الأخرى والتي تبلغ نسبتها 44 بالمئة بشكل طفيف أو معتدل، كما تتعرض الموارد المائية إلى ضغوط كبيرة هي الأخرى، إذ يعيش أكثر من 40% من سكان الريف في العالم في مناطق تتسم بشحّ الموارد المائية. استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في الإنتاج الغذائي أصبحت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد عاملاً مهماً في القطاعات التصنيعية، وبدأت حالياً محاولات لاستخدامها في مجال الإنتاج الغذائي، وتعرف الطباعة ثلاثية الأبعاد بأنها عملية تشكيل طبقات من المواد لتكون الأجسام، وفي هذه الحالة تصنيع أطباق مألوفة. ويعتقد الخبراء بإمكانية استخدام الطابعات التي تستخدم الغرويات المائية المواد التي تتحول إلى هلام بخلطها بالماء لتحل محل المكونات الأساسية للأغذية بمواد متجددة مثل الطحالب وعدس الماء والعشب. وطورت منظمة هولندا للبحوث العلمية التطبيقية وسيلة للطباعة باستخدام الطحالب الدقيقة، وهي أحد المصادر الطبيعية للبروتين والكربوهيدرات والصبغات ومضادات الأكسدة، إذ قامت بتحويل تلك المكونات إلى طعام قابل للأكل مثل الجزر، وتعمل هذه التقنية على تحويل «العجينة» إلى وجبات.
مشاركة :