وطيس الحرب لا وسيط السلام بقلم: أمين بن مسعود

  • 2/20/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

التسوية في اليمن لا تزال بعيدة المدى، لا فقط لأن المشهدية السياسية متنافرة ومتناثرة بشكل يصعب معه جمعها، ولا فقط أيضا لأن بترا أصاب مبدأ التعاقد الاجتماعي والوحدة الترابية يعسر جسره، بل لأن لحظة التسويات الكبرى مع إيران لم تحن.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2018/02/20، العدد: 10906، ص(8)] جاد المجتمع الدولي على اليمنيين بوسيط أممي ثالث بعد أن عرفت الجهود السياسية والدبلوماسية للوسيط إسماعيل ولد الشيخ أحمد نفس مصير مثيلاتها لدى الدبلوماسي جمال بنعمر، في تجسيد للمعضلة التي يعاني منها المنتظم الأممي في تمثل حقيقة الصراعات في الشرق الأوسط وتصور سبل الحلول ومقاربات آفاق التسويات. تتصرف منظمة الأمم المتحدة مع المعضلات العربية من بوابة التسكين والتهدئة لا التعمق والشمولية، حيث ترمي بالوسطاء الدوليين في أتون الأزمات من دون إسناد سياسي حقيقي ومن دون تحديد خطوط عريضة للتسوية، والأكثر من ذلك دون تشخيص واقعي للمعضلات. تدفع الأمم المتحدة اليوم بالدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث إلى الانخراط في جغرافيا سياسية وعسكرية واستراتيجية يمنية تعد الأعقد والأصعب في منطقة الشرق الأوسط، وفي مرحلة سياسية اغتال فيها منطقُ السلاح منطقَ الإصلاح، ونحر فيها وطيس الاقتتال صوت السلام، وباتت ميادين الاحتراب وموازين الاقتتال القلم الأفصح والأجرأ في تحديد المكوّنات الوازنة في المشهد اليمني. صحيح أن السيد غريفيث يتمتع بخبرة سياسية معتبرة جدا في ميادين الوساطة بين الدولة والميليشيات المسلحة، وصحيح أيضا أن الرجل قدم محاضرات قيمة في الموضوع اليمني والسوري والليبي، بل واستطاع مؤخرا لقاء الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي وتمكن من دخول صنعاء لإجراء مقابلات مع قادة المتمردين الحوثيين، إلا أن الواقع اليمني بتفاصيله المعقدة والشائكة والشاقة يحتاج إلى مبادرات ومقاربات إقليمية ودولية قادرة على تحويل حالة تشابك المصالح من الحرب إلى راهن تشبيك العلاقات من أجل السلام. لا نعرف من أين سيبدأ غريفيث، هل من بوابة الواقع الإنساني التعيس؟ أم من بوابة المشهدية العسكرية المعقدّة؟ أم من بوابة الحوار السياسي بين الفصائل اليمنية والتي يعيش أغلبها حالة تشقق مصلحي وجغرافي وارتهاني للخارج؟ أم من بوابة التدخل الأجنبي في المشهد اليمني حيث باتت إيران أصيلا لوكيل محلي وأصبح الحوثيون ضمن رقعة الشطرنج بيدقا متقدّما لقطعة الملك المترنح في طهران؟ أم من بوابة التداعيات الخطيرة للحالة العسكرية اليمنية على التجارة الدولية العابرة للبحر الأحمر؟ الملفّات الحارقة في الأوار اليمني، لا تحتاج إلى تعويض وسيط دولي بآخر أيا كانت قيمة الأول وقامة الثاني، وإنما إلى تغيير جذري وهيكلي في مستوى مقاربة الأمم المتحدة للصراع. ذلك أن تمثل الصراع في اليمن على أنه حرب أهلية على شاكلة الحرب اللبنانية ما بين 1975 و1989، تمثل مجانب في الكثير من جوانبه للأمر الواقع. فكما أن الميليشيات مرتبطة أيديولوجيا وماليا وتسليحيا ولوجستيا بعواصم الإقليم، فإن إسكات فوهات بنادقها وجنوحها للسلام أو للاستسلام مربوطان لا بقرارها الداخلي، وإنما بتوازنات الإقليم وبلغة مصالح الأصيل. وطالما أن المنتظم الأممي لا يزال يتعامل مع الملف اليمني من زاوية أطرافه المتصارعة فحسب، دون أن يربط اللاحق بالسابق والوكيل بالأصيل والمقرر بالمنفذ فإن استبدال الوسطاء لن يبدل من واقع الأزمة اليمنية شيئا، بل قد يحوّلهم، كما حصل مع السفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى مدعاة اتهام بالارتهان لأحد أطراف النزاع. السفير غريفيث هو الوسيط الأممي في اليمن، وليس وسيطا أمميا بين الأطراف الإقليمية المتنازعة في اليمن، ولئن كان من جهد أممي لنزع فتيل الأزمة في تلك البلاد فليكن عبر إطلاق حوار دولي وإقليمي شامل قبل أن يكون محليا. باتت كافة المشهديات العسكرية في الوطن العربي منعكسة من الخارج إلى الداخل، ومستجلبة لدوافع التدخل الأجنبي، أكثر منها مكامن احتراب أهلي ينتهي بمجرد إعلان الهدنة والعودة إلى المربعات الأمنية البكر، وهو الأمر الذي يفرض تقاطع القوى الإقليمية وتسوية ترضيات وملفات بين العواصم قبل هدوء القذائف في المدن والمحافظات والقرى. التسوية في اليمن لا تزال بعيدة المدى، لا فقط لأن المشهدية السياسية متنافرة ومتناثرة بشكل يصعب معه جمعها، ولا فقط أيضا لأن بترا أصاب مبدأ التعاقد الاجتماعي والوحدة الترابية يعسر جسره، بل لأن لحظة التسويات الكبرى مع إيران لم تحن بعد وأوان إبرام صفقة الغرب مع طهران لقبولها قوة نووية في الإقليم ولرفع العقوبات الاقتصادية مقابل “خروج آمن” من بعض الجغرافيات، وعلى رأسها اليمن، لم يحدّد بعد. وتلك صورة من صور فواجع بعض العرب على أرض العرب. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود

مشاركة :