رجال ألمع بين النور والظلام

  • 10/26/2014
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

تقع محافظة رجال ألمع في الجهة الغربية من منطقة عسير، حيث تمتد بين جبال عالية وأودية كثيفة النباتات، جوها ليس ببرودة أعالي الجبال، وليس بحرارة منخفضات السواحل والسهول، ومن زارها يدرك اعتدال مناخها في كافة تغيرات الظروف المناخية. رجال ألمع تتألف من عشر قبائل لها حضور تاريخي عريق منذ معركة القادسية في العام الخامس عشر الهجري حيث شارك حوالى سبعمئة من رجالها في جيش الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص. وتحظى محافظة رجال ألمع بكثافة سكانية تزيد على مئة وخمسين ألف نسمة يسكنون في قرى على حواف الأودية أو في أعالي الجبال. في مسيرة تنمية المحافظات تأخرت رجال ألمع في أخذ نصيبها من التنمية المتوازنة التي تتكامل فيها الخدمات وتتطور تبعا لمرور الزمن. فمن حيث الرعاية الصحية تفتقـر رجال ألمع لمستشفى مركزي يتناسب مع الكثافة السكانية، والاحتياجات الصحية. والمستشفى القائم حاليا الذي أقيم قبل أكثر من ثـلاثين عاما لم يعد ملائما لتطور المحافظة وتزايد الكثافة السكانية. كذلك تحتاج المحافظة لخدمات كثيرة منها الطرق والمياه، والاتصالات، والتعليم الجامعي. ولعل خدمات الكهرباء هي من أهم الخدمات التي رغم وجودها لم تحل مشكلة المحافظة مع هذا الاحتياج الحيوي. عنونت المقال (رجال ألمع بين النور والظلام) وهو عنوان ليس على سبيل المحسنات البديعية، بل يجب أن يحمل على سبيل الحقيقة المؤلمة. فأن تملك شيئا ولا تنتفع به كأنك لا تملكه. وهذا حال سكان المحافظة مع الكهرباء التي ما أن تعمل حتى تتوقف، ما أن تنير المكان حتى تعتم القلوب غيظا وكمدا. وكأن الكهرباء تعمل لتمارس هوايتها في الهرب بعيدا من أعين القوم. عندما يأتي نور الكهرباء يترك الفرح خارج المنازل لسبب بسيط، لأنه سيغادر بعد دقائق من حضوره. فلماذا يفرح الناس طالما أنهم سيغرقون في الظلام حالا ؟!. من تجارب الناس مع انقطاعات الكهرباء ما لا يعد ولا يحصى ؛ بعضها مؤلم وبعضها يدخل في باب الطرائف. شكا أحدهم أن الكهرباء انقطعت أثناء تجهيز جنازة والدهم، فأطبق ظلام الكهرباء على ظلام الحزن حتى لم يعد أحد يعرف هل يحزنون لفقد أبيهم أم لفقد الكهرباء. وروى أحدهم أن عرسهم تحول إلى فلاشات الجوالات بعد أن أقسمت شركة الكهرباء أن لا تشاركهم أفراحهم. وذكر أحدهم أن أمه دعت لشركة الكهرباء عندما أعادت التيار لمنزلهم، (بأن ينور الله عليهم)، لكن الشركة ردت لها جميل الدعاء بقطع التيار وإشاعة الظلام في منازل القرية. انقطاع الكهـرباء في رجال ألمع ليس منهجيا، بمعنى أنه لا يحدث في ساعة محددة من نهار أو ليل، عندها يمكن أن يستعد الناس، وربما يتقبلون ذلك، وربما يحرصون على إغلاق أجهزتهم حماية لها من التلف. تحدث الانقطاعات في أوقات مختلفة من ليل أو نهار قد تصل إلى خمس مرات في اليوم. قد تطول لساعات، وقد تقصر لدقائق، لكن الضرر قد حل نفسيا وماديا. بحت أصوات الأهالي استغاثة بالشكوى وشركة الكهرباء لا تجيب، طالبوا بمولدات إضافية تتناسب مع حجم المحافظة، وتتناسب مع زيادة النمو السكاني، لكن يبدو أن المشروع لم يمر عليه أي تحسين أو إضافات منذ إنشائه قبل عدة عقود. يشتكي المواطنون هناك أن شركة الكهرباء لا تبرر انقطاعات الكهرباء، ولا تعتذر، وكأنها تقدم الخدمة بالمجان. إن كانت شركة الكهرباء تجهـل فن التعامل مع المستهلكين من حيث الرد على استفساراتهم، أو المبادرة بالاعتذار، وتقديم مبررات منطقية تحترم عقول الناس، فتلك مصيبة. وهذا التجاهل تعدٍ على حقوق الأهالي والمقيمين في المحافظة. فمن أدبيات التعامل لا بد من التجاوب وشرح الموقف الذي بات عبثيا. لقد وصل الأمر ببعض الناس إلى إحضار مولدات خاصة في مناسباتهم تحل مشكلة الانقطاع المفاجئ ، وتحد من الأضرار المعنوية والمادية. التنمية لأي منطقة ليست هبة، بل حق واجب النفاذ وبأعلى مستوى. والكهرباء حياة كاملة، نختصرها في الإنارة، لكنها تدخل في كل شؤون حياتنا. وهذه الخدمة ليست مجانية حتى تقصر الشركة، بل هي خدمة مدفوعة حتى لو روجوا أنها خدمة تقدم بأقل من سعر التكلفة، هذا الأمر لا علاقة للمستفيدين به. إن كانت لشركة الكهرباء أولويات في توزيـع الكهرباء على المناطق المختلفة، فهذا لا يستقيم مع مبدأ تساوي المواطنين في الحقوق والواجب، الحق من المواطن مستحصل، والواجب من المواطن قائم، ولا يعني أنه يحب أن تهضم حقوقه. أقول قولي هذا عن رجال ألمع، وأنا أريد به أيضا جاراتها في القرب أو البعد، أريد به المعاناة مع الكهرباء ومع غيرها من الخدمات.

مشاركة :