حظي طرح نسبة من أسهم البنك الأهلي للاكتتاب العام بحضور لافت وكبير في الرأي العام؛ بسبب الرؤية الشرعية التي تباناها بيان هيئة الإفتاء، والتوضيح الذي طرحه بيان الهيئة الشرعية للبنك، والتعليقات الأخرى التي أدلى بها مختصون وماليون. رجل الأعمال صالح كامل رئيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية قال لعكاظ إن الاكتتاب في البنك الأهلي لا حرج فيه وأوضح رؤية مجلس البنوك الإسلامية لمفهوم البنوك والمصرفية الإسلامية، ورأي المجلس في اكتتاب البنك الأهلى تحديدا من خلال بيان قال فيه: إن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الذي أنشئ من أجل تأصيل الفكر الإسلامي المالي والاقتصادي من الناحيتين الفكرية والتطبيقية وفقا لاتفاقية تأسيسه، أنيطت به عدة مهام جاءت في نظامه الأساسي منها: * تنمية وتطوير الصناعة المالية الإسلامية ونشر المفاهيم والقواعد والأحكام المتعلقة بها وتعزيز تواجدها محليا ودوليا. * العمل على رعاية مصالح الأعضاء وحماية الصناعة وسلامة مسيرتها ومواجهة الصعوبات والتحديات المشتركة. * دعم عمل المؤسسات المالية الإسلامية من خلال ابتكار منتجات مالية جديدة تلبي حاجة السوق المتجددة، وكذلك وضع آليات ونظم جودة للأدوات والمنتجات المالية الإسلامية . * العمل على تطوير ميثاق شرف لصناعة الخدمات المالية الإسلامية لحمايتها والتأكد من سلامتها. * تحقيق الانضباط الشرعي في أنشطة المؤسسة ومعاملاتها، وتقوية أعمال أجهزة التدقيق الشرعي . * الابتكار المنضبط للأدوات المالية الإسلامية وتطوير المنتجات بما لا يخالف أحكام الشريعة أو يضر بالهوية الإسلامية للصناعة. * المحافظة على الهوية الإسلامية للمؤسسة من خلال الالتزام بضوابط التعاملات الإسلامية المستندة إلى الشريعة الإسلامية التي تصدر من جهات مسؤولة تحمل المصداقية والاعتراف المؤسساتي المناسب. ووفقا لاتفاقية تأسيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وأهدافه التي أنيطت به وحجم عضويته التي تضم معظم إن لم يكن كل المؤسسات المالية الإسلامية فإنه يود أن يؤكد لجمهور المسلمين والمتعاملين والمسؤولين والجهات الإشرافية والإعلامية والمواقع الإلكترونية والمؤسسات القائمة ما يلي: أولا: إن الفتيا في مجال العمل المصرفي الإسلامي لها مرجعية فقهية علمية مؤسسية ينبغي الاحتكام إليها، ويأتي على رأسها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والمجامع الفقهية الدولية، والمعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وهيئات الفتوى الرسمية في كل دولة، بالإضافة إلى الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية . وبالتالي فإن أمر الفتوى في هذا المجال المتخصص الدقيق ليس مطروحا للعامة فله ضوابطه وأحكامه ومنهجه والباب ليس مفتوحا لكل صاحب رأي ليفتي فيه أو أن يغرد على موقعه وفي مواقع التواصل الاجتماعي أو أن يدلي بخواطره وتفضيله الشخصي . ثانيا: بحمد الله وبعونه وتوفيقه فإن مسيرة العمل المصرفي الإسلامي تجاوزت مرحلة سيادة نظام الفائدة نظريا وعمليا، وكسرت حاجز القناعة باستحالة وجود نظام مصرفي يتجاوز آلية الفائدة ويلبي احتياجات المتعاملين، وأضحى نظام المشاركة في الأرباح والخسائر والدخول في مجالات الاستثمار المباشر وتحمل المخاطر برنامجا عمليا انطلقت منه المسيرة وحرصت بوجه عام على السلامة الشرعية للمعاملات المصرفية وتوسعت من ناحية الكم، حيث بلغت أصول المصارف الإسلامية حتى الربع الأول من عام 2014م أكثر من ترليون ونصف الترليون دولار كما زاد عدد المؤسسات المالية الإسلامية عن 600 مؤسسة مالية موزعة على جميع قارات العالم. كما توسعت المصارف الإسلامية في منتجاتها وخدماتها وكونت مؤسسات داعمة للعمل المصرفي الإسلامي لها وجودها واعتبارها واكتسبت الاعتراف المحلي والدولي . ثالثا: إعمالا للدور المنتظر للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وفقا لأهدافه وغاياته كان لا بد له أن يدلي بوجهة نظره حول القضية المثارة هذه الأيام بخصوص (الاكتتاب في أسهم البنك التجاري في المملكة العربية السعودية) . فبعد الرجوع إلى فتوى اللجنة الدائمة للافتاء في المملكة العربية السعودية برقم (26302) تاريخ 22/12/1435هـ، وبعد الرجوع إلى بيان الهيئة الشرعية في البنك الأهلي التجاري، وإلى فتاوى ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي، وإلى المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وبعد مطالعة مختلف الرسائل العلمية والبحوث المقدمة في شأن تحول البنك التقليدي إلى بنك إسلامي فإن المجلس يرى من واجبه أن يؤكد على القضايا الكلية التالية: القضية الأولى: لقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للافتاء في المملكة العربية السعودي ما نصه (تحريم الاكتتاب والمساهمة في البنوك والشركات والمؤسسات التي تتعامل بالربا بيعا وشراء واستثمارا) وهذه فتوى حق لا يجادل فيها أحد، ولم تتم الإشارة فيها إلى بنك بعينه . القضية الثانية: جاء في بيان الهيئة الشرعية للبنك الأهلي: * تمام التأكد مما هو معلوم سابقا من أن جميع فروع البنك يقتصر عملها على التمويل والخدمات الإسلامية فقط. * أصول البنك الإسلامية تشكل 67% وهي ما تزيد عن الثلثين . * إن مصادر أموال البنك (المطلوبات) بلغت 389 مليار ريال كان منها 92% من مصادر إسلامية . * إن 73% من دخل البنك بنهاية شهر يونيو 2014 كان من معاملات إسلامية . * وبعد النظر والتأمل والدراسة ومداولة الرأي ترى الهيئة أن الاكتتاب في أسهم البنك الأهلي التجاري سائغ شرعا ولا حرج فيه، وقد استندت الهيئة الشرعية في بيانها هذا إلى ما يلي: ــ ثقة الهيئة الشرعية واطمئنانها إلى أن الخطة المعتمدة من قبل البنك كما هو مرسوم لها فإنها تؤدي إلى تحقيق هدف التحول الكامل إلى المصرفية الإسلامية خلال مدة معقولة بما في ذلك التخلص من جميع السندات. ــ إن البنك سيستمر في الاقتصار في عمليات التمويل للأفراد على الصيغ الإسلامية، وسيقتصر من الآن فصاعدا في العمليات المستجدة في قطاع الشركات على الصيغ الإسلامية. ــ ظهور الإرادة الصادقة من قيادة البنك بتحويل كامل البنك إلى بنك إسلامي وقد صدرت فتاوى من بعض الهيئات الشرعية بجواز شراء أسهم بنك تقليدي لتحويله إلى بنك إسلامي. القضية الثالثة: لقد صدرت عدة فتاوى من جهات معتبرة تتعلق بموضوع تحول المؤسسات المالية التقليدية إلى مؤسسات إسلامية وهي تعضد رأي وفتوى الهيئة الشرعية للبنك الأهلي ومن هذه الفتاوى فتاوى (ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي) وهي ملتقى شرعيا ومصرفيا واقتصاديا وتمثل حجر الزاوية في تطوير العمل المصرفي الإسلامي من الناحيتين الفقهية والفنية وأضحت فتاواها وتوصياتها مرجعا علميا وعمليا أساسيا للهيئات الشرعية و للمؤسسات المالية الإسلامية والمجامع الفقهية والهيئات والمنظمات المختلفة ويشارك فيها نخبة من علماء الأمة الإسلامية . ولقد تمت مناقشة هذا الموضوع في ندوة البركة الخامسة عشرة القرار رقم 15/5 وندوة البركة السادسة عشرة القرارات من 0/16 إلى 7/16 ولقد نص القرار 7/16 على ما يلي: (16/7) التدرج في تطبيق التحول للالتزام بالشريعة: لا مانع من التدرج في تنفيذ المتطلبات الشرعية للتحول للالتزام بالشريعة، إذا اقتضته الظروف الواقعية للمؤسسة، لتجنب حالات التعثر أو خطر الانهيار. ولا بد في التدرج للتحول من المحافظة على الصفة الشرعية (من تحريم أو كراهة أو بطلان أو فساد) للممارسات التي أرجئ إلغاؤها بسلوك خطة التدرج. ومستند ذلك أنه قد يكون وسيلة متعينة لتحقيق هذا المقصد الشرعي، وأن نجاح التحول يتطلب كثيرا من الإجراءات التي تحتاج إلى أعداد، فضلا عن إيجاد البدائل لما يستبعد من تطبيقات ممنوعة، وتأهيل الطاقات الشرعية للتنفيذ الصحيح. وقد عمل بذلك الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز دون معارضة من الفقهاء في عهده من الصحابة والتابعين، حيث كان يزيل المفاسد والمظالم بالتدرج، تجنبا لمخاطر التغيير الفوري الشامل . القضية الرابعة: لقد تناول المعيار الشرعي رقم 6 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وهي إحدى الهيئات المساندة للعمل المصرفي الإسلامي وذات اعتراف وبعد دولي وتتجاوز عضويتها مئات المؤسسات ومنها: البنك الإسلامي للتنمية، وتناول المعيار رقم 6 موضوع تحول البنك التقليدي إلى مصرف إسلامي. كذلك جاء في المعيار الشرعي رقم 21 الأسهم والسندات ما نصه: 3/3 الإسهام أو التعامل لأجل التغيير: يجوز الإسهام أو التعامل لأجل التغيير لمن كان له القدرة على التغيير باتخاذ قرار التحول وفقا للشريعة في أول اجتماع للجمعية العمومية أو بالسعي للتغيير . 3/4 المساهمة أو التعامل (الاستثمار والمتاجرة) في أسهم شركات أصل نشاطها حلال، ولكنها تودع أو تقترض بفائدة : الأصل حرمة المساهمة والتعامل (الاستثمار والمتاجرة) في أسهم شركات تتعامل أحيانا بالربا أو نحوه من المحرمات مع كون أصل نشاطها مباحا، ويستثنى من هذا الحكم المساهمة أو التعامل (الاستثمار أو المتاجرة) بالشروط الآتية : 3/4/1 أن لا تنص الشركة في نظامها الأساسي أن من أهدافها التعامل بالربا. 3/4/2 ألا يبلغ إجمال المبلغ المقترض بالربا، سواء أكان قرضا طويل الأجل أم قرضا قصير الأجل، 30% من القيمة السوقية (Market Cap.) لمجموع أسهم الشركة علما بأن الاقتراض بالربا حرام مهما كان مبلغه. 3/4/3 ألا يبلغ إجمالي المبلغ المودع بالربا، سواء أكانت مدة الإيداع قصيرة أو متوسطة أو طويلة 30%من القيمة السوقية (Market Cap.) لمجموع أسهم الشركة علما بأن الإيداع بالربا حرام مهما كان مبلغه. 3/4/4 أن لا يتجاوز مقدار الإيراد الناتج من عنصر محرم نسبة 5% من إجمالي إيرادات الشركة، سواء أكان هذا الإيراد ناتجا عن ممارسة نشاط محرم أم عن تملك لمحرم. وإذا لم يتم الإفصاح عن بعض الإيرادات فيجتهد في معرفتها ويراعى جانب الاحتياط. 3/4/5 يرجع في تحديد هذه النسب إلى آخر ميزانية أو مركز مالي مدقق. القضية الخامسة: لقد ظل المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يشجع وباستمرار تحول المصارف التقليدية إلى مصارف إسلامية وفق خطة متدرجة ويقدم لها الدعم الفني والشرعي والبحثي اللازم ، ومن المصارف التي خطت وبجدية كبيرة خطوات قربت من الاكتمال البنك الأهلي التجاري الذي له هيئة شرعية من علماء مشهود لهم بالتقوى والصلاح والعلم وعلى رأس الهيئة عالم جليل عضو في هيئة كبار العلماء وهو الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، كذلك فإن الساحة شهدت وتشهد تحولا كبيرا من المصارف التقليدية وفقا لرؤية شاملة وبموجب خطوات تنظيمية محددة وإجراءات شرعية لازمة وتسير بتدرج للوصول إلى غاياتها بسلاسة ويسر بموجب إطار رسمت له خارطته الشرعية باعتباره مرحلة استثنائية مؤقتة تحت متابعة وإشراف هيئات وعلماء، فلا بد من حراسة هذه التجربة وحمايتها من كل من يدعي العلم ويفتي دون استحقاق لمؤهلات وإمكانات الفتوى. ختاما فإن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يعيد التأكيد على مسؤوليته الأساسية ومرجعيته في شأن العمل المصرفي الإسلامي، وحرصه على سلامتها من أخطاء وممارسات العاملين في نطاقها، وكذلك حرصه على حمايتها من أعدائها والمتربصين بها، وفي هذا الشأن فهو يبدي احترامه الكامل وتقديره للجنة الدائمة للإفتاء ويؤمن على صحة فتواها، كذلك فهو يثمن اجتهاد ورأي الهيئة الشرعية للبنك الأهلي والخطة المدروسة للتحول الكامل في أقرب وقت، ولا يرى تعارضا بين رأي الجهتين الموقرتين، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لمرضاته، وأن يمد بالعون والتوفيق كل من يسعى إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في معاملاتنا المالية المعاصرة.
مشاركة :