أكد تقرير صادر عن القمة العالمية للحكومات أن عصر الرقمنة يمثل ضغوطاً وتحديات أمام الحكومات لتقديم الأفضل والأسرع، داعياً إلى إعادة النظر في تقسيم العمل، معتبراً هذا الإجراء استراتيجية واستجابة مهمتين في العصر الرقمي. وأشار التقرير المستند إلى أبحاث ومقابلات وتحليلات أجريت من قبل «سترنسي وشركاه» في عامي 2016 و2017، إلى أن الحكومات في مختلف أرجاء العالم تواجه ضغوطاً متزايدة على تقديم الخدمات العامة، منها ما هو ذاتي المنبع نتيجة برامج طموحة لتطوير مجتمعاتها، ومنها الخارجي الناتج عن مصادر عدة، وبغض النظر عن مصدر الضغوط، فإننا نلاحظ توجهات مماثلة في جميع الدول. ولفت إلى أن المطالبات بتحسين جودة الخدمات تتزايد من قِبل المواطنين الذين اعتادوا على الشفافية، ويسعون للتأثير في تصميم كيفية تقديم الخدمات، فيما تتزايد هذه الضغوط نتيجة عصر الرقمنة. موضحاً أن «هذا الأمر يضع على عاتق الحكومات تقديم خدماتها بسبل أحدث وأكثر ذكاء، وفي ضوء هذا الواقع الجديد، تحتاج الحكومات إلى إلقاء نظرة عن كثب على كيفية تنظيم تقديم الخدمات العامة، كما تحتاج إلى إعادة دراسة تقسيم العمل والسعي إلى تحقيق وفورات كبيرة الحجم». تجارب واستحضر التقرير تجارب تحققت في عدد من الاقتصادات المتقدمة الصغيرة والمتوسطة، وقدّم بعض النقاط التي ينبغي أن تأخذها الحكومات بعين الاعتبار أثناء مراجعة إمكانياتها الخاصة للوصول إلى مستويات أعلى من الفعالية في تقسيم العمل، مستعرضاً تجارب كل من الدنمارك وهولندا وفنلندا. في استخدام الإدارات العامة في جميع أنحاء العالم لتقسيم العمل والتخصص، لتحقيق قدر كبير من القيمة، مثل تقليل التعقيد في قطاع الخدمات العامة، من خلال موقع إلكتروني يشكّل بوابة اتصال موحدة، وتبسيط الإدارة وتحقيق مكاسب كبيرة في إنتاجية الإدارة العامة من خلال إنشاء مركز خدمات إدارية على مستوى الدولة تكون مدعومة رقمياً. واعتماد هوية إلكترونية موحدة تعزز الأمن على الإنترنت وتسهل الاستخدام للمواطنين، زيادة على امتثال الشركات لمعايير الإنتاج عبر تفويض وكالة واحدة بجميع عمليات التفتيش الحكومية، على اعتبار أن الرقابة على المنتجات وفحصها مهمة حكومية مهمة تقع عادة على عاتق العديد من الوكالات الحكومية باختلاف فروعها ووظائفها. تحول رقمي كما ضم التقرير نماذج من الدول المذكورة حول تسهيل الوصول إلى بيانات متعددة المصادر عبر منصة إلكترونية موحدة، وتحفيز الرقمنة على المستوى الوطني للإسهام في تسريع التحول الرقمي، لتحقيق فوائد واسعة، من بينها تسريع عمل القطاع العام على نحو أكثر كفاءة. إضافة إلى تقديم خدمات أفضل إلى المواطنين، عطفاً على مشاركة البيانات بين الوكالات الحكومية لتبسيط التواصل، وتحرير الموارد من خلال توحيد عقود إدارة المرافق والإدارة الفعالة لها. واعتبر التقرير الحالات السابقة أمثلةً على مبادرات سياسات تخفف بعض الضغوط التي ترزح تحتها الحكومات، سواء أكانت ذاتية المنبع بسبب طموحات كبيرة أو نتيجة قيود الميزانية. الوظائف المكررة وشدد التقرير على ضرورة دراسة الحكومات لعدد الوظائف المتخصصة المكررة في مختلف المؤسسات حالياً، عند إعادة تقييم تقسيم العمل، وخاصة بالنسبة إلى الاقتصادات الصغيرة أو المتوسطة، إذ لا تتمتع المؤسسات بالحجم اللازم لتنفيذ هذه الوظائف بفعالية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استهلاك مواردها الشحيحة بشكل غير فعّال. وناقش التقرير مخططاً بديلاً يقوم على التفويض التدريجي لتقديم وظائف عالية التخصص للمؤسسات أو وكلاء متخصصين وفق حلول قائمة على أفضل الممارسات، ويتيح ذلك تحقيق مستويات أعلى من الفعالية والإنتاجية في تقديم هذه الوظائف المتخصصة عبر تحقيق وفورات الحجم، وبالتالي إنشاء مساحة وتركيز في الميزانية تسمح للمؤسسات مواصلة تقديم خدمات عالية الجودة تتعلق بوظائفها الأساسية. فوائد وتطرق التقرير إلى ضرورة زيادة تقسيم العمل، وقال إن هذا الإجراء يسهم في توليد قيمة كبيرة يمكن نشرها في مجالات أخرى لما فيه مصلحة المواطنين. ويتمتع بإمكانية تؤهله ليكون دافعاً رئيساً للكفاءة في القطاع العام، إذ يوفر أساساً للاستخدام الأمثل للموارد والكفاءات من خلال التخصص ووفورات الحجم، كما يمكن أن يسهم في منح الأفراد والمؤسسات فرصة للتخصص، في توليد مجموعة واسعة من محفزات خلق القيمة. كما تساعد زيادة تقسيم العمل في الخدمات الحكومية على تحقيق مستويات أعلى من التخصص، نتيجة لتجميع المسؤوليات الخاصة بالوظائف المشتركة أو المتطابقة تقريباً على امتداد الوكالات الحكومية، أو السماح بتوفير دعم رقمي أفضل لوظائف خدمية رئيسة. وأكد التقرير أن تعزيز التركيز على التخصص يعتبر أمراً بالغ الأهمية للحصول على قطاع عام أكثر اتساقاً وكفاءة، وأن تقسيم العمل يقدّم فوائد أساسية، منها تعزيز المرونة في مواجهة الصدمات أو التحديات غير المتوقعة، ويضمن تطبيق التخصص في جميع أنحاء الدولة وتوفير حجم «قيمة» أكبر، وبالتالي زيادة المرونة إزاء التغيرات غير المتوقعة على العرض والطلب. وفضلاً عن ذلك، يؤدي التخصص إلى استخدام الموارد على نحو أكثر كفاءة، حيث تكون المؤسسات قادرة على تحسين العمليات في جميع القطاعات، وبالتالي دعم نشر أفضل الممارسات، وتحقيق مكاسب من وفورات الحجم. وأخيراً يضمن القطاع العام الأكثر تخصصاً تحسين جودة الخدمات العامة، عبر تبسيط مستويات الخدمة، مما يولد الشفافية من خلال التبسيط، فضلاً عن تحسين عملية صنع القرار من خلال توسيع نطاق البيانات والحلول الرقمية. جودة الخدمات ولخص التقرير القيمة المتولدة عن تقسيم العمل بفوائد عدة، منها توفير مستوى أعلى من التخصص، عطفاً على توفير المرونة، والاستخدام الأكفأ للموارد وتحسين جودة الخدمات العامة، ونشر الموارد في مجالات أخرى لما فيه مصلحة المواطنين، وتوفير موارد متحررة من العلميات غير الفعالة، وشعور المواطنين بإنجازات إدارة عامة أفضل أداء، وخدمات قطاع عام أقل تعقيداً. واختتم التقرير بالتأكيد أنه لا يمكن أن تكون جميع المهام التي يديرها القطاع العام مناسبة للتخصص أو الرقمنة، إذ يشكل التمحيص الدقيق والتحليلات المتعمقة أمراً ضرورياً لضمان سلاسة الانتقال نحو التخصص، التي تقدم القيمة عبر مبادرات متعددة وتحفظ في الوقت ذاته استقرار الإدارة العامة وثقة الجمهور فيها. نقاط اتصال وقال التقرير: «عادة ما يكون للمواطنين نقاط اتصال متعددة في القطاع العام، ومن المعتاد أن تكون هناك مكاتب ومواقع إلكترونية متخصصة لمختلف الخدمات، وسيكون على المواطنين التواصل مع الجهة المعنية المسؤولة عن إتمام طلبهم المعين». وتابع التقرير: «للتقليل من العقبات القائمة في النظام اللامركزي، أطلقت الدنمارك موقع (Citizen.dk) الإلكتروني، الذي يشكّل بوابة اتصال موحدة في عام 2007، ويمكن للمواطنين عبر هذا الموقع تقديم بيانات الإسكان، والتقدم للحصول على رخص الزواج، والتصويت، والتقدم للحصول على المنافع الاجتماعية وغيرها من الخدمات، لإنشاء نظام أكثر شفافية وبساطة». وشكّل الموقع الإلكتروني المذكور بوابة اتصال موحدة تحتوي على حلول خدمة ذاتية لـ18 مجالاً أساسياً تتراوح بين العناية بالأطفال، وصولاً إلى تراخيص البناء والحضانة، وأتاح ذلك توفير تكاليف في نقاط الاتصال الفعلي، وأسهم في جعل التعاملات بين ملايين المواطنين ووظائف القطاع العام أكثر سلاسة. 4 نماذج للارتقاء بالقطاع العام استعرض التقرير أربعة نماذج لتحسين القطاع العام، وأشار إلى أن زيادة التخصص تشكّل المحرك الرئيس لتعزيز الكفاءة والجودة في خدمات القطاع العام الأساسية، ويمكن لتحسين استخدام تقسيم العمل أن يفضي إلى تحقيق التخصص. وتنظم معظم القطاعات العامة في جميع أنحاء العالم حالياً المسؤوليات، استناداً إلى التنظيم الهرمي، مع وجود تركيز واضح على العمليات الداخلية وقلة التنسيق بين الوكالات، ونقدم فيما يلي أربعة نماذج لفهم زيادة تقسيم العمل. أما النموذج الأول فيتعلق بتنظيم نموذجي للحكوميات حالياً من خلال توزيع المسؤوليات وفق التسلسل الهرمي الوزاري حسب القطاعات، وبدرجة عالية من التحكم ومحدودية في استخدام الحلول الشاملة. ويتيح النموذج الثاني الاستفادة من خبرات القطاع الخاص بشأن مراكز الخدمات المشتركة، وغالباً ما تشمل هذه المراكز المهام الإدارية، والمشتريات، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من مهام الدعم، فيما يستفاد من النموذج الثالث في التخصص في مختلف الوظائف العرضية مثل الإعانات العامة أو الإشراف، مما يسمح بتحقيق مساعدات ووفرات حجم جديدة. ويمثل النموذج الرابع تنظيماً للقطاع العام يتمتع بالتخصص الكامل، مع إبقاء السياسات والخدمات الأساسية التي تتعامل مع المواطنين مباشرة على المستوى الوزاري، ويعتبر هذا النموذج الأكثر بساطة وكفاءة للقطاع العام، ولكنه الأكثر تطلباً من الناحية الرقمية. وشدد التقرير على ضرورة تعزيز الجهود لضمان حصول المجتمع والمواطنين على أكبر قدر ممكن من الإنفاق الحكومي، مما يعزز بدوره القدرة التنافسية للدولة. كما أكد التقرير أن تقسيم العمل وسيلة رائعة لتحقيق القيمة المرتبطة بالوظائف المكررة والعمليات غير الفعالة، إضافة إلى كونه وسيلة مهمة لتقديم خدمات عامة أفضل للمواطنين، وسيشعر المواطنون بإنجازات الإدارة المركزية الذكية، سواء أكان ذلك عبر موقع إلكتروني يشكّل نقطة اتصال موحدة لمجموعة واسعة من الخدمات العامة، أو عبر عمليات جديدة للإدارة الموحدة بين الوزارات. وأضاف أن تبني الرقمنة كجزء من الحل، يشكّل أمراً بالغ الأهمية، إذ تساعد الرقمنة على تحرير موارد يمكن استثمارها في مجالات أخرى، ويمكنها أن ترسخ وتيسر تطبيق حلول جديدة لخدمات مشتركة تسهم في رفع كفاءة القطاع العام. ويمكن استغلال الموارد المحررة في مجالات أخرى من القطاع العام لما فيه مصلحة المجتمع، في حين تسهم الخدمات المعاصرة والفعّالة في تعزيز رضا المواطنين إزاء تعاملهم مع القطاع العام. ولفت التقرير إلى أن تحقيق القيمة المتولدة عن تقسيم العمل والتخصص يتطلب تعديلات تنظيمية كبيرة. ولن يكون بالإمكان تحقيق هذه الفوائد بين ليلة وضحاها، بل سيكون استثماراً يتطلب فترة انتقالية يمكن في أعقابها تحقيق قيمة كبيرة على المدى الطويل، لتضع الإدارة على قدم المساواة مع الأمثلة المطروحة حول أفضل الممارسات العالمية. حل ذكي للتعرف إلى الهوية وتوقيع العاملين أطلقت الدنمارك في عام 2010 حلاً ذكياً ناجحاً للغاية للهوية والتوقيع الإلكتروني، باسم «نيم آي دي» (الهوية السهلة)، ليحل محل عدد من الحلول اليدوية للتعرف إلى الهوية والتوقيع في القطاعين العام والخاص بدرجات متفاوتة من الأمن. ويوفر «نيم آي دي» حلاً واحداً للوصول إلى أكثر من 300 موقع إلكتروني للقطاعين العام والخاص، التي تتطلب توقيعاً أو تعريفاً بالهوية، وبالتالي يسمح نظام الهوية السهلة للمواطنين بتوقيع المستندات القانونية بمنتهي السهولة والوصول إلى الخدمات الحكومية أو المواقع الإلكترونية التي تحتوي على بيانات شخصية بالغة الحساسية. ويمكن استخدام تطبيق تسجيل الدخول عبر أي جهاز سواء أكان هاتفاً ذكياً، أم جهازاً لوحياً أو جهاز كمبيوتر شخصياً. واليوم يستخدم أكثر من 4.4 ملايين شخص نظام الهوية السهلة، أي جميع السكان البالغين في الدولة تقريباً. وأسهم إنشاء نظام موحد جديد في زيادة الأمن للمتعاملين بشكل كبير. ويسمح هذا الحل بالمصادقة على الهوية من خلال عاملين، إذ يتطلب كلمة مرور بالإضافة إلى رمز يتم الحصول عليه من بطاقات مطبوعة أو مفاتيح الإلكترونية. فكرة متميزة للرقابة على المنتجات وفحصها تعتبر الرقابة على المنتجات وفحصها مهمة حكومية مهمة تقع عادة على عاتق العديد من الوكالات الحكومية باختلاف فروعها ووظائفها. وخلصت السلطات الهولندية في مراجعة لخدمات عمليات التفتيش إلى تداخل عمليات التفتيش على المنتجات بين وكالاتها الثلاث مع تكرار غير مبرر في الجهود المبذولة. ومن أبرز الأمثلة على هذا التكرار قيام إحدى الهيئات الحكومية بالتحقق من امتثال المنتج بمعايير السلامة المطلوبة في حين تقوم هيئة أخرى بالتحقق من خلو المنتج نفسه من المواد الكيميائية المحظورة، فتبين أن هذا النهج الموجه نحو المنتج يفتقر إلى التنسيق والفعالية. ولتخطي هذه الممارسات غير الفعالة تقرر إنشاء سلطة موحدة، وهي هيئة الغذاء والسلع الاستهلاكية الهولندية (NVWA) كخدمة تفتيش مشتركة مسؤولة عن الإشراف على جميع المنتجات بدءاً من الألعاب والإلكترونيات وصولاً إلى المرافق العامة والزراعة. وصمم توحيد عمليات التفتيش ليمهد الطريق لتحسين العديد من الخطوات، بما في ذلك صياغة استراتيجية للتفتيش على مستوى الدولة، وتبسيط عمليات التفتيش في المجموعات الفرعية للمنتجات، والاستفادة من مزايا وفورات الحجم، عبر توحيد عدد المختبرات التي تجري الاختبارات الرسمية لمصلحة هيئة الغذاء والسلع الاستهلاكية الهولندية.
مشاركة :