«لن أترك صحيفة الحياة إلا إلى القبر»، عبارة كان يرددها باستمرار الأديب الزميل في النشر الإلكتروني في «الحياة» جعفر حمودة، الذي وافته المنية صباح أمس (الثلثاء)، في مستشفى الأمير محمد بن عبدالعزيز في الرياض، بعد مرض لم يمهله طويلاً، إذ دخل في غيبوبة إثر ارتفاع نسبة السكري، ما أدى إلى إصابته بجلطة دماغية. عمل حمودة صحافياً في صحيفة «القوات المسلحة» السودانية لما يربو عن 20 عاماً، من منتصف السبعينات حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، ثم عمل في «الوطن» السعودية من العام 2000 إلى 2004، وهو العام نفسه الذي التحق فيه في «الحياة»، وبقي فيها حتى توفاه الله. جعفر حمودة، الذي ولد في دنقلا السودانية، رحل بعد معاناة أقل من شهر مع المرض، وصلي عليه في مسجد الراجحي بعد صلاة عصر أمس، ودفن في مقبرة النسيم، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والوفاء والطيبة والبساطة التي لمسها كل زملائه في «الحياة»، وحرصه على صلاة الجماعة في مسجد الصحيفة، وتنبيهه الجميع إلى صلاة الجماعة بعبارة «شايفين هاي الدنيا والله ما يؤخذ منها شيء». كانت أمنيته ألّا يغادر الصحيفة إلا إلى القبر، فهو لا يريد أن يلتحق في أي عمل آخر داخل المملكة، وإن تعذر الاستقرار في السودان التي أحبها، وكثيراً ما حدث الزملاء عن بركات أرض السودان، واختزل جزءاً من عشقه للسودان في روايته «في حضن الدالامو»، التي اختص في مقدمتها إهداءه إلى الزملاء في «الحياة». اختتم حمودة نتاجه الأدبي برواية «في حضن الدالامو»، بعد كتابه «في مجداف الزمن»، وتتضمن «الدالامو» لمحات من سيرة حياته الاجتماعية والعملية، ولعل العنوان يختصر الرؤية التي استشرفها الفقيد من خلال معطيات ظروفه الصحية والنفسية، وخصوصاً أنه لم يرزق بذرية. «في حضن الدالامو» عبارة نصفها فصيح ونصفها بلهجة قبيلته المحلية؛ فـ«دالامو» معناها لا شيء، وعلى هذا يكون عنوان الرواية التي اختصرت حياة حمودة ومكتسباته في هذه الحياة انتهت به «في حضن اللاشيء»، قد تدل العبارة على خيبة أمل، وربما تدل على زهد في نظرة تجريدية تتألق فيها الروح وتسمو على الأشياء، فتجد نفسها انتصرت على معطيات الحياة النزرة الممزوجة بالتضييق والمعاناة. ويغلب أن يكون هذا ما رمى إليه زميلنا جعفر، من خلال اختياره عنوان كتابه، فهو كان ينوي إنجاز عمل أدبي آخر، لم يصرح هل هو رواية أخرى ترصد جانباً من حياته أو مشاهداته، أم هو مقالات أشبه بإصداره الأول! كنا ننتظر هذا الإصدار، لكن القدر سبق الفكرة. رحمك الله يا جعفر وأسكنك فسيح جناته.
مشاركة :