منذ أيام، لم يذق سكان الغوطة الشرقية مع أطفالهم المذعورين طعم الأمان؛ حيث يلازمون الطوابق السفلية والملاجئ؛ خشية قصف الطائرات، التي لا تفارق أجواء منطقتهم، فيما خفّت الحركة في بعض أحياء دمشق؛ جرّاء القذائف، التي تطلقها الفصائل المعارضة.في الغوطة الشرقية القريبة من العاصمة، والمحاصرة منذ سنوات، قُتِلَ نحو 300 مدني منذ الأحد، ولم تخفف ردات الفعل المستهجنة من الدول والمنظمات غير الحكومية من حدة هذا القصف. وانتقل الخوف أيضاً إلى سكان أحياء دمشق القديمة القريبة من الغوطة؛ بعد تكرار سقوط قذائف عشوائية، تطلقها الفصائل في الغوطة؛ حيث تسببت بوقوع عشرات القتلى والجرحى. ويقول أبو محمد العفا (39 عاماً) من أحد الأقبية، التي يتخذها ملجأ له في مدينة دوما، «هناك تخوف كبير من دخول النظام، لم يبق أمامنا أي مخرج ولا بلد نلجأ إليه، لم يبق لدينا سوى الأقبية». بعد سنوات من المعاناة، بات أهالي الغوطة الشرقية يتوقون إلى الأمان وحسب، وفق ما تقول أم محمد، (المدرّسة) في دوما. وتوضح الشابة النحيلة، التي ترتدي معطفاً أسود اللون وتضع حجاباً فوق رأسها، «يقول بعض الأهالي، إنه ليس هناك من مشكلة في دخول النظام، المهم أن يبقى ابني وزوجي بأمان، المهم أن أعيش بأمان». وتضيف: «يقول آخرون العكس، أي حاربنا سبع سنوات لنسلم الآن الأرض؟ ونسلم الصغير والكبير والشيخ للذبح؟ لا». وتقول «الناس في حيرة من أمرهم»؛ بعد ورود أنباء عن تعزيزات تُمهد لهجوم بري، وتضيف «اليوم، من أول طلقة، يهرع الناس إلى الملاجئ، أو المقابر الجماعية أي الملاجئ غير المهيئة».وتبدو شوارع مدن وبلدات الغوطة الشرقية خالية سوى من الأبنية المدمرة والركام المتناثر في الشوارع، والدخان المتصاعد من القصف والحيوانات المشردة. وبادر سكان لا ملجأ لديهم يؤويهم إلى حفر غرف تحت منازلهم؛ للاحتماء من القصف، الذي طال أيضاً مستشفيات عدة.في ملجأ تحت الأرض في دوما، تقول خديجة (53 عاماً) بتوتر شديد «لا نتجرأ على الخروج، لا نتجرأ على الصعود من هذا الملجأ، الوضع مأساوي جداً». وتضيف المرأة بصوت يرتجف، وقد تجمع حولها عدد من الأطفال في غرفة مظلمة «الطيران من فوقنا والقذائف من حولنا، أين نذهب بأطفالنا؟». وعلى غرار خديجة، انتقل الكثير من سكان الغوطة الشرقية إلى الملاجئ والأقبية تحت الأرض؛ لتفادي غارات ومدافع قوات النظام، التي تستهدف أحياءهم وأسواقهم ومنازلهم. ورغم التصعيد الشديد، يقول صالح أبو دقة (47 عاماً)، أحد سكان دوما، «الناس اعتادوا، فالقصف لم يهدأ على الغوطة منذ ست سنوات، يأتينا موجات خلف موجات». على بعد بضعة كيلومترات فقط، يعتري الخوف أيضاً سكان دمشق مع اشتداد وتيرة سقوط القذائف، التي تطلقها الفصائل المعارضة المنتشرة في الغوطة الشرقية، وتستهدف بشكل أساسي المدينة القديمة. وبعد بدء التصعيد، ووسط أنباء عن هجوم وشيك على الغوطة، قال سكان في دمشق، إنهم بدأوا التفكير بحلول تبعدهم عن القذائف على غرار كريم، الذي قرر الانتقال مع عائلته إلى مسقط رأسه على الساحل السوري «حتى عودة الهدوء». وبدا حي باب توما في دمشق القديمة؛ شبه خالٍ إلا من بضعة «مُغامرين بحياتهم»، كما وصفهم أحد المارة. ولم تمنع القذائف فهد بركيل (54 عاماً) من التوجه إلى عمله في ورشة تصليح السيارات شرقي دمشق، ويقول «سكني وعملي في منطقة مستهدفة بالقذائف؛ لكن إمكاناتي المادية لا تسمح لي بالذهاب إلى مكان آخر». (ا ف ب)
مشاركة :