الاعتزال.. صرخة فنية بلا نهاية

  • 2/22/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: محمد حمدي شاكر كل فترة يفاجئنا فنان إماراتي بخبر اعتزاله شاكياً من أوضاع الفن الإماراتي، خاصة الدراما باعتبارها الساحة الأوسع في الميدان الفني. فعل ذلك كثيرون منهم فاطمة الحوسني، ورانية آل علي، وهيفاء حسين، ومنهم من اختار أن يشير بقراره، حتى لو تراجع عنه، إلى بعض مواطن الخلل في الساحة الفنية والشعور بعدم تقدير المؤسسات المعنية للفنان الإماراتي. ومنهم من علا صوت اعتزاله إلى درجة اعتباره صرخة، متمنياً أن تصل إلى من يعنيهم أمر الفن الإماراتي، فينتبهوا إلى ما يمكن وصفه بمعاناة صنّاعه من ممثلين ومنتجين. هذه المعاناة نرصدها في السطور التالية على لسان عدد من الفنانين المؤثرين في الساحة، ونضعها بين أيدي من يعنيهم الأمر، قبل أن تتوالى قرارات الاعتزال أو الغياب المؤقت.الفنان سعيد سالم يقول: كلمة اعتزال ليست موضة أو صرخة، وإنما يأس يمر به الفنانون والمنتجون الإماراتيون، وأعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد العديد من تلك الحالات المشابهة، لأن الإمارات ليس بها إنتاج درامي بمعناه الحقيقي، والمسؤولون عن المحطات الفضائية هم من يقررون إنتاج دراما من عدمه، ولا يخضع الأمر للتقنيات والفنيات في الأعمال المنتجة وإنما يتوقف على أمزجة البعض.ويضيف: نحن في الإمارات برغم تقدمنا في كل شئ فإننا متأخرون درامياً بدرجات كبيرة عن الدول العربية، عكس الفنان الإماراتي فهو متقدم بخطوات عن العديد من الفنانين في الوطن العربي خاصة في المسرح، الدراما ليست إلا مجهودات شخصية منا كفنانين، سواء في الأعمال الإماراتية أو المشاركة في الأعمال الخليجية والعربية.وتساءل سالم: هل يعقل أن عدد الفنانين في الإمارات ما يقارب 140 فناناً وفنانة، ولا ننتج سوى مسلسل أو مسلسلين في العام، ويكون ذلك فقط لحفظ ماء الوجه؟ ويواصل: على الرغم من كل المقومات التي نمتلكها في دولتنا من فنانين، وأموال، ومواقع تصوير، وكل شيء يخص الدراما، إلا أنها ليست لنا وتذهب جميعها إلى دول أخرى تستغلها في أعمال درامية، والدليل أن الإمارات أصبحت تستقطب المدارس الفنية: «هوليوود» و«بوليوود»، ومصر، ودول الخليج للتصوير هنا في خيرنا، ونحن لا أحد يسمع لنا أو يقف معنا.ويكمل سالم تساؤلاته: هل يعقل أن الإمارات تسعى للوصول إلى الفضاء وأصبحت من أولى الدول الذكية في العالم، وفي النهاية، الفن لدينا ليس موجوداً ولا نستطيع صنع دراما حقيقية وقوية؟ أعتقد أنه لولا وجودنا بالمسرح، ووجود أيام الشارقة المسرحية لما كان الفنان الإماراتي موجوداً، فالمسرح في الإمارات هو الأول على مستوى الوطن العربي، وقدمنا من خلاله العديد من العروض في مختلف دول العالم، ولكن الدراما صفر، والسبب أن مسؤولي المحطات لا يسمعوننا ولا يعيرون الفنان الإماراتي أي اهتمام.ورأى سعيد سالم أنه إذا أردنا عدم ظهور فنانين قديرين معلنين اعتزالهم، وأن تكون لدينا دراما حقيقية ومنافسون أقوياء، فيجب تدخل الدولة للارتقاء بالفن الذي يقدم رسالة سامية ويمثل مصدر دخل للعديد من الدول.«نعم هي صرخة من الفنانين وليست موضة والقائمة مازالت في أولها وسيعقب من أعلنوا اعتزالهم آخرون لو لم يهتم المعنيون بأمر الفنان الإماراتي». هكذا بدأ الفنان د.حبيب غلوم حديثه، وقال: هذه الصرخة من بعض الفنانين بمثابة استنجاد بالجهات المعنية لإنقاذ الفن، لأنه في تدهور مستمر، قرار اعتزال فنان مهم دليل أن الدراما في أزمة.وأضاف: يجب أن ننتبه لمثل هذه الصرخات حتى لا تأتي علينا لحظة ونفقد كل رموزنا الفنية وبالتالي نستنجد بالدولة، لأن هذا الموضوع أصبح يتطلب قراراً سياسياً لنسير على الطريق الصحيح.وتابع: إدارات المحطات التلفزيونية تتغير بشكل مستمر، وعندما نتأقلم مع إدارة تفهمنا ونفهمها تأتي أخرى ونأخذ وقتاً لنفهم ما تريد، ولكن ما يؤرقنا أننا نشعر في الفترة الأخيرة بأنه لا توجد خطة واضحة نستطيع أن نعتمد عليها وبالتالي يمكننا تنفيذها، كل ما نريده من مسؤولي المحطات الالتفات لنا، فالفنان هو الباقي والكراسي زائلة، وما يحدث هو تسطيح وتهميش للفنان الإماراتي.ووفق غلوم، فإنه «في الأعوام الماضية كان التلفزيون يطلب منا أعمالاً خفيفة خاصة «كوميديا لايت» إلى أن أصبحت معظم أعمالنا باهتة بلا طعم ولا لون، رغم تقديمنا للعديد من الأعمال الوطنية والاجتماعية والتوعوية في السابق ولكنهم كانوا يصرون على الكوميدي الخفيف والباقي يرفض».وسأل موجهاً كلامه للمسؤولين عن الدراما: هل تريدون دراما إماراتية أم لا؟ وقال: إن كانت الإجابة بنعم فرجاؤنا توضيح ماذا تودون أن نقدم في الفترة المقبلة؟ وما هو المرفوض كي لا نتعب أنفسنا بالتحضير وتعطيل فريق كامل من مؤلف ومخرج وممثلين وفنيين، وحرمانهم من فرص أخرى قد يستفيدون منها، وفي النهاية نخرج معهم بسواد الوجه لعدم تمكننا من تنفيذ مشروعنا؟ لذلك نود إجابة صريحة وواضحة ووقتها نقرر إن كان ما يريدون يتماشى مع قناعاتنا وقدراتنا الفنية أو العكس ونريح أنفسنا والآخرين من عناء ومشقة البحث والتحضير وعلة القلب.التلفزيون، في رأي الفنان عبدالله بن حيدر، أصبح لا يحترم ذائقة الجمهور، وكل الأعمال الجيدة لا تجد طريقها في مختلف المحطات. وقال: الاعتزال أنواع فهناك اعتزال نهائي ويكون بقناعة شخصية من الفنان، ويرى أنه قدم كل شيء ويحتاج للراحة من التمثيل والعمل، وآخر يكون بمثابة صرخة من الفنان لأن المحتوى أصبح غير راقٍ ومجرد استعراض للأزياء والمكياج والرقص.وأضاف: أصبح المنتج الذي يسطّح الأشياء ويقدم محتوى باهتاً هو من يأخذ الفرصة، ويصد من يقدم أعمالاً راقية تناسب ذائقة الجمهور الإماراتي والعربي، والسبب ما يسمى «إدارة البرامج والمحتوى».ولفت ابن حيدر كغيره إلى مفارقة: تتبوأ الإمارات مكانة مهمة في مختلف المجالات، وتحديداً المسرح، بينما تتراجع الدراما والعائق إداري وليس فنياً، خصوصاً أننا نمتلك كل المقومات: فنانين، ومنتجين، ومواقع تصوير، إلخ، ولكن تنقصنا معرفة صناعة النجوم.وكغيره أيضاً، رأي أن الموضوع يحتاج إلى قرار من الدولة لوقف كل من يحارب الفن الإماراتي عند حده.الفنان ياسر النيادي قال: الاعتزال أصبح صرخة للفنانين، ماداموا لم يجدوا مساحة لهم على الساحة الفنية، ونتمنى أن تصل الرسالة إلى من يعنيهم الأمر، قبل أن يتوالى غياب الفنانين ولا يبقى أحد على الساحة. وأضاف: كنا نعتقد أن الدراما الإماراتية في صعود، إلى أن جاء العام الماضي وبدأت في الهبوط بشكل لا يليق، والأصعب هذا العام الذي لم نجد حتى يومنا هذا عملاً إماراتياً واحداً، حتى إنني كفنان سأكون مجرد مشاهد هذا العام، وسئمنا المطالبة باختيار الأعمال قبل موسم رمضان بفترة كبيرة والتصوير في فصل الشتاء لعدم إرهاق الفنانين إلا أننا نُفاجأ كل عام بتدهور الأمر.وأيد النيادي اعتزال الفنانين ماداموا لا يجدون احتراماً لهم ولا لتاريخهم الفني، ولا من يسمع لهم، ولأفكارهم، والاكتفاء فقط بالأعمال الرتيبة، وتجاهل التي تتحدث عن عاداتنا وتقاليدنا وحياتنا اليومية. وقال: بعد نجاحنا في العام قبل الماضي من خلال أعمال مميزة اعتقدنا أننا سنستطيع المنافسة إلا أننا فوجئنا بتراجع، ولا نعلم من المسؤول عن هبوط مستوى الدراما الإماراتية. وتابع: المحطات لا تسعى للتطوير بالمعنى الحقيقي، وتريد فقط مجرد أعمال كوميدية أصبح الجمهور لا يتقبلها، وبالتالي فنحن بحاجة إلى قرار من الدولة يحد من محاربة الفنانين الإماراتيين ويقف إلى جانبنا حتى نستطيع المنافسة، خاصة أننا تفوقنا في كل شيء بعيداً عن الفن. يوسف الكعبي: الفنانون لا يواكبون التغيرات الفنان يوسف الكعبي، وافق على أن فكرة الاعتزال أصبحت صرخة، لكنها تأتي من بعض الفنانين الذين لا يواكبون التطور ومتغيرات الوسط الفني، خاصة تحديات الوضع الحالي في المنطقة بشكل عام، لأن الفن جزء من الحياة العادية. وقال: القنوات الفضائية لها استراتيجيات، وتواكب التغيرات الموجودة، وبالتالي يجب أن يكون المنتج متفهماً لتلك العملية ويكون ذكياً بتقديم أعمال تتناسب للعرض في المحطات الفضائية في الدولة، ويجب أن يعي الفنان متطلبات كل مرحلة والجو العام والاستراتيجيات المطلوبة حتى لا يقع في فخ النسيان ويبتعد عنه التلفزيون ولا يدعمه.وأضاف: الفنانون الذين يقررون الاعتزال ربطوا استمرارهم كممثلين بعملهم كمنتجين بعد أن قرر التلفزيون عدم عرض أعمالهم، وإتاحة الفرصة للجيل الجديد. مثلاً، هناك عبد الله زيد الذي أصبح نجم هذا الجيل وتتمنى المحطات التعاون معه، خاصة أنه يأتي بنسب مشاهدة عالية وأعماله مواكبة للتطور، ويحاول دائماً تقديم أشياء تتماشى مع متطلبات كل مرحة. وأنا في الأساس منتج وكان لي عمل، عرض العام الماضي وآخر لم يعرض، فهل بناء على هذا أستسلم وأعتزل الفن برمته، بكل تأكيد لا، أحاول أن أجتهد وأقدم أشياء تتماشى مع المطلوب، ولا أجعل الموضوع صرخة ليس لها أي معنى.وطالب الكعبي بتنظيم ملتقى للفنانين الإماراتيين والمنتجين وصنّاع الدراما بشكل عام لمعرفة ما تحتاج إليه كل مرحلة، حتى لا يغنّي كل شخص في منطقة، ولا يسمع عنه أحد مثلما يحدث الآن. رزيقة طارش: لا مسلسل إماراتياً لرمضان الفنانة القديرة رزيقة طارش رأت أن سبب تردي حال الدراما المحلية قلة الاهتمام بالفنان المحلي والأعمال الإماراتية.وقالت: شيء مخزٍ ألا يكون لدينا عمل إماراتي واحد لدراما رمضان حتى هذه اللحظة، ويفصلنا عنه أقل من ثلاثة شهور، فبالرغم من تقديم المنتجين والفنانين لأكثر من 6 أعمال مميزة لمسؤولي المحطات إلا أنه لم يرد على واحد منها ولا نعلم السبب.وأضافت: يجب علينا كفنانين الاتحاد وتنظيم جلسة تجمعنا بكبار المسؤولين في مختلف المحطات التلفزيونية للوقوف على سبب تدهور الدراما، فبعدما كانت في طريقها للقمة والازدهار أصبحنا نرجع للخلف، وأصبح رموز الفن يتساقطون.واعتبرت أن كلمة الاعتزال أو التقاعد تخرج من قاموس الفنانين لأن الفنان مادام يتنفس فهو قادر على التمثيل والعمل وإخراج أفضل ما عنده، ولكن في نفس الوقت من الممكن أن يكون الاعتزال بالفعل بمثابة صرخة من الفنان ليعي المسؤولون الخطر والتدهور التي تمر به الدراما المحلية.وانضمت رزيقة طارش في نهاية حديثها لأصوات بقية الفنانين بالمطالبة بقرار من الدولة للارتقاء بالفن وتقدير الفنان الإماراتي، ومعرفة السبب وراء التدهور. عائشة عبد الرحمن: لن نتنازل عن هويتنا الدراما الإماراتية تراجعت بشكل كبير، لعدم اختيار نصوص تمس مجتمعاتنا وعاداتنا، إلى جانب التهميش المتعمد من قبل المحطات الفضائية. هكذا لخصت الفنانة عائشة عبد الرحمن الأزمة. واعترفت بأن فكرة الاعتزال تراودها بشكل كبير، معتقدة أن قائمة الغياب ستضم الكثيرين، وستطول، لما تشهده الساحة الفنية من انهيار خاصة في الدراما المحلية وتهميش الفنان المحلي لحساب آخرين.وقالت: هناك خلل واضح، لكننا لا نعرف من وراءه، هل الذين يقفون خلف النصوص، أم المنتجون، أم المحطات الفضائية وتوجهاتها التي لا نعلمها أيضاً؟ أحتاج إلى إجابة من أي شخص حتى نعلم مسيرنا.وأضافت: كنا نظن أن الدراما الإماراتية ستتحول إلى الأفضل، ولكننا فوجئنا بانهيارها، فبالرغم من نجاح المسرح الإماراتي في مختلف دول العالم، والجميع يتحاكى به إلا أن الدراما مختفية بشكل كبير، وبرغم أننا أيضاً نرضى بأجور زهيده لنمثل عاداتنا وتقاليدنا، إلا أننا نحارب، ونهمش، مع تصعيد فنانين آخرين على أكتافنا، وفناناتنا الإماراتيات معدودات على أصابع اليد الواحدة، وأحياناً نسمع من البعض جملة «أنتن متحجبات»، وبالتالي غير مرغوب فيكن بالأعمال الفنية، وأردّ بأننا محتشمات، كيف لي أن أمثل المرأة الإماراتية بشكل غير لائق، فهي جدتي، وأمي، وأختي، وخالتي، وغيرها ؟ هذا لباسنا وهويتنا الإماراتية، ولن نتنازل عنها.وأنهت حديثها بضرورة وجود قرار من الدولة يحمي الفنان الإماراتي ويجعله في المقدمة، لافتة إلى حذف اسمها من بعض الأعمال في السنوات السابقة بتعمد لا تعلم من وراءه.

مشاركة :