يتواجد اليوم الخميس في منطقة الجوف فريق من وكالة الانباء الفرنسية لتصوير وتوثيق موقع نقش الجمل الذي كشف عنه مؤخراً ضمن تقرير نشرته حولية أطلال السعودية بالتزامن مع مجلة Antiquity البريطانية , ويعد الموقع ضمن عدة مواقع تم اكتشافها في شمال المملكة تمثل فن النقش الصخري البارز في الجزيرة العربية , وقد وثقته سابقاً البعثة السعودية الفرنسية المشتركة والتي سجلت (56) موقعاً للفنون الصخرية في المنطقة , وقد حظي أكتشاف الرسوم المنحوتة البارة لعدد من الجمال في أحد الجبال بمنطقة الجوف – شمال المملكة العربية السعودية- والتي يعود تاريخها إلى ما يقارب 2000 سنة باهتمام واسع في الأوساط والمراكز البحثية العالمية المهتمة بالاكتشافات الأثرية , واعتبر عدد من الباحثين أن هذا الكشف للبعثة السعودية الفرنسية المشتركة للتنقيب في موقع دومة الجندل بمنطقة الجوف ضمن أعمالها الأثرية في موسم 2016م يعكس الثراء الكبير للنقوش والفنون الصخرية في مناطق شمال المملكة وخاصة مناطق الجوف وحائل وتبوك . الموقع يحتوي على نقوش لعدد من الجمال المنحوتة بالحجم الطبيعي، يعود عمرها إلى ما يقارب 2000 سنة ، وتضررت بعض هذه المنحوتات بسبب عوامل التعرية وهذه النقوش تعد دليلا جديدا لتطور الفن الصخري العربي، ويبدو أنه كان جاذبا لصانعي الحجارة ذوي المهارات العالية. وقد تمّ توثيق اكتشاف الموقع وما يتضمنه من رسوم وفنون صخرية في محاضرة قدمها رئيس الجانب الفرنسي في البعثة الدكتور قيوم شارلوكس في ملتقى آثار المملكة العربية السعودية الأول الذي أقيم مؤخرا بالرياض، كما نشر الفريق السعودي في البعثة والذي يمثله حسين بن علي الخليفة وثامر بن عوض المالكي بحثا عن أعمال البعثة في (حولية أطلال) الصادرة عن الهيئة تضمنت معلومات مفصلة عن أعمال المسح الأثري لمواقع الفنون الصخرية في منطقة الجوف. وتضمنت الدراسات المقدمة عن أعمال المسح في منطقة الجوف ” فن النقش الصخري البارز في الجزيرة العربية قديماَ ” كدليل جديد على هذا الأسلوب في الفنون الصخرية من منطقة الجوف، والذي كُشف عنه في مواقع أخرى من الجزيرة العربية في مواقع الحائط ومدائن صالح والبدع وقرية الديسة وكان هذا الفن قد اقتصر في معظمها على العناصر المعمارية. وخلصت نتائج المسح الأثري لمواقع الفنون الصخرية في الجوف إلى أنّ أغلبها يتركز حول مواقع البحيرات القديمة ودروب التجارة القديمة , ويعد موقع الجمال من أبرز مواقع الفنون الصخرية المكتشفة في المنطقة، وهو يقع في قلب واحة سكاكا ويتألف من ثلاثة جبال يضم إحداها رسم لجمل عربي رافعاً رأسه وباركاً على قدميه ورسم آخر لجمل وحمار لم يتبق من صورة الجمل سوى رقبته ومؤخرة سنامه كما لم يتبق من رسمة الحمار سوى رأسه وقائمتيه الخلفيتين وظهره، كما يضم الموقع رسم آخر لناقة وحوارين الأول يتقدمها والآخر يتبعها. استخدم أسلوب النقش البارز على نطاق واسع في الشرق الأدنى القديم وكان مهمشاً قديماً ماعدا النقش البابلي الجديد في منطقة الحائط وتصاويرأسود مجسدة على واجهات مقابر الخريبة خاصة البيوت المقدسة وواجهات المقابر الملكية النبطية في الحجر والبدع وقرية الديسة حيث كان النحت وأسلوب النقش البارز حكراً على الزينات المعمارية. ومن أهم مواضيع النقوش في الجزيرة العربية الحرب والغارات والصيد ومجموعة من جمال ووعول وماعز وحشي وأبقار وغيرها ورموز غربية وأعداد لاتحصى من رسومات حيوانية وبشرية نقشت على صيحان الهضاب ووجهات الجبال والمغارات والجلاميد . وموقع النقش الصخري للجمل يقع في قلب واحة سكاكا وهو يزخر بتصاوير نقشت بارزة في نشاط وحركة دؤوب , تقع هذه المنطقة على مشارف الجوف والشويمس إذ يسهل النقش على واجهات جبال الحجر الرملي التي تتعرى سريعاً بفعل عوامل الطبيعة وتتآكل أيضاً , ويتألف موقع الجمل من ثلاث أحرف جبلية ارتفاع كل منها ثلاثة أمتار تميز أوسطها عن البقية برسمة جمل والموقع بداخل ملك مواطن وقد تعرض لضرر شديد جراء تطور العمران والجرافات وتسوية التربة. وافادة دراسة موقع الجمل ان نقوش الحيوانات الثديية أما جمال عربية أو حمير تتطابق أحجام أعضائها مع أعضاء الحيوانات الحقيقية سواء كبيرة أو صغيرة , وتتمحور مواضيع النقوش حول مشاهد التحام مختلف الحيوانات مع بعضها، ومناظر رعي، وقوافل من الإبل , والنقوش هي بحجمها الطبيعي في حالة حركة ثم تأتي رسمة الإنسان في المقام الثاني , وطمست عوامل التعرية طبقات القِدَم وآثار أداة النقش . كما انه لم يعرف بعد كيف كانت تجري مراحل تصميم الرسمات لكن ربما أن أولها هي اختيار الموقع ثم حز الخطوط الأولية لشكل الحيوان، ومن ثم توسيعها ناحية الخارج , كما استعمل الإزميل في نحت رسمات الحيوانات وتنعيم أسطحها , على الرغم من انعزال موقع الجمل عن بقية المواقع؛ إلا أن ثلة من النحاتين المهرة قد استطاعوا نحت تصاوير عليه بالنقش البارز آخذين في الإعتبار تناسب أحجام أعضاء الحيوان، وتبدو نقوش الإبل بلا أثقال على طبيعتها وبعض الرسمات لم تكتمل مع احتمال ربما ثمة رسمة حمار أو بغل لكنه أمر يندر رسمه بالأسلوب البارز, وتبين أن النحاتين من أهالي المنطقة وليس من الرحالة. كما اظهرت الدراسة البحثية على موقع الجمل انه لم يعثر حتى الآن بالموقع على أي قطع أثرية يمكن تحليلها ودراستها على الرغم من وفرتها في مواقع أخرى , وان هناك أدلة غير مباشرة على العصور القديمة للموقع تستند على سقوط كتل من أماكنها بعد عملية النحت. كما تدل طبقة القِدَم على الحيوانات والحفيرات على مرورها بأحداث قديمة متعاقبة بفعل الإنسان والطبيعة , ولافائدة من مواضيع الرسم في تحديد التاريخ على الرغم من أن الأبل الوحشية ربما كانت في أفريقيا وآسيا منذ عصر بليستوسين ولم يثبت وجودها في الجزيرة العربية إلا في الألفية الخامسة قبل الميلاد. واثبت الفن الصخري ماقبل الإسلام والحفريات الأخيرة استئناس الجمل ودوره المهيمن على حياة السكان البدو في الجزيرة العربية خلال العصور القديمة , وتزين التصاوير جنبات صخور الجبال من العصر الحجري الحديث حتى اليوم , وثبت وجود الخيل في الجزيرة العربية على هيئة منحوتات اكتشفت مؤخراً في منطقة المقر دون تحديد عمرها استأنسه البشر في النصف الثاني من الألفية الرابعة في مصر وجنوب بلاد الشام وبلاد الرافدين ولم يستعمل إلا لاحقاً في الشرق الأدنى خلال الألفية الثانية قبل الميلاد, كما عثر على أدلة عليه في أماكن متفرقة في دومة الجندل تعود إلى أوائل القرن الأول الميلادي . مامن أدلة كافية يمكن معرفة تاريخ هذه النقوش من خلالها ولابد من مظاهاة أساليبها ورسماتها مع نظيراتها في المناطق المجاورة , ومن السهولة تفريق رسوم الإبل والخيل بموقع الجمل عن مثيلاتها في الشرق الأدنى التي من العصر الحجري الحديث حتى العصر الحديدي, حيث تظهر على المجسمات الآشورية وشمال سوريا رسمات إبل طويلة الرقاب ومفلطحة الرؤوس , وتتميز بدقة رسمة قائمتيها الخلفيتين عن تلك التي بموقع الجمل وتبين أن نقوش الجوف لها نفس الصفات نقوش بلاد ما بين النهرين من أوائل القرون بعد الميلاد وتشابه لما في موقع “حترة ” ببلاد ما بين النهرين السفلى . كما اكتشفت رسمتان عام 2013 في دومة الجندل بموقع جبال الحقنة جنوب واحة سكاكا حيث رسمت الإبل بحجمها الطبيعي على جنبات الصخور , وعثر على أربع رسمات جمل عام 2016 على حرف صخري بجب المندسة شمال غرب دومة الجندل. أسلوبان مختلفان للنقش ففي نفس المنطقة استخدم أسلوب البارز والآخر النقش ربما عائد لاختلاف ثقافة النقاشين , أحدهما استلهم من الأشكانيين النبطيين، والآخر استلهم من الثقافة المحلية خاص بقبائل صحراوية وماتجري دراسته الآن يعود إلى الفترة البعدية للاستيطان النبطي وأوائل الاستيطان الإسلامي في المنطقة . ويضم الموقع رسوم تخطيطية وخطوط كتابة بعضها على بعض نقشت على مدى آلاف السنين وقد خلا من آثار الإنسان من نقوش أو مواد أثرية اللهم نقيرات نحتت على أطراف الحيوانات حيث تدل هذه النقيرات على ثمة أناس ترددوا على الموقع وهذه النقيرات منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية. كما درج السكان على حك الحجر ببعض للحصول على مسحوق ويخلطوه مع أدوية سحرية وذلك لمعالجة حالات العقم , وموقع الجمل بارز للعيان فيسهل على عابري السبيل رؤيته فيأتوا إليه ويرسموا عليه تصاوير بارزة ربما ترقى إلى القرون الأولى قبل الميلاد وبعدها , كما يسهم الموقع، بلا شك، إسهاما كبيراً لمعرفة الفن الصخري في الجزيرة العربية وتطوره.
مشاركة :