إعداد: أحمد الغـر 2018/02/22 ظاهرة الأكثر مبيعاً أو ال «بيست سيللر»، ليست بجديدة علينا، لكنها دائماً ما تثير الجدل والسجال، حيث تندرج هذه الكتب تحت ما يُسمى بالأدب «الخفيف» أو التجاري، حيث تحقق حالة من الجماهيرية المفاجئة حولها، بعض هذه الكتب يعيش طويلاً متسلحاً بجمهور شبابي تطلع لقراءة هذا النوع من الأدب، فيما يرى البعض أن تلك الكتب لا تعيش طويلاً، وسرعان ما تسكن أرفف المكتبات وتغمرها أتربة النسيان، مجلة اليمامة تستطلع آراء بعض المهتمين بعالم الأدب، في محاولة منها لتسليط مزيدٍ من الضوء حول هذه الظاهرة. حراك تسويقي، بلا مضمون! الملاحظ أن كتابات المثقفين الجادين في الآونة الأخيرة قد انغلقت على ذاتها، حيث باتوا يستخدمون لغة معقدة، تخاطب عقولاً أعلى بكثير من مستوى القارئ العادي، في حين أن الاحتياج الحقيقي لجمهور القراء يتمثل في الكتابات البسيطة والسلسة، حتى وإن كانت خاوية في الفكرة والإسلوب، لذا فلا عجب من رؤية كتبٍ بلا مضمون وتحظى برواج تسويقي باهر. الشاعر والناشر «إبراهيم الجريفاني» يقول: «يشوب ما يسمى قائمة الأفضل مبيعاً، والتي عُرفت في المكبات الغربية أولاً قبل العربية، شوائب تناولتها الصحف هناك، حيث أجمع الكثير على أنها فقط مجرد حراك تسويقي لا يتعلق بالمضمون وقوته وعمقه، والسر خلف ذلك هو قيام دور النشر هناك بعمل تعاون تسويقي للإصدارات الجديدة، فيتم الاتفاق بالتداول على مراتب القائمة للترويج، ويدعم هذا أيضاً أقلام لكتاب كما أشارت بعض الرؤى، حيث تعمل تلك الأقلام لصالح دور النشر فتشيد بالكتاب وتمتدحه لأغراض تسويقية، ويؤكد ذلك أن الكتاب لا يستمر بعد الحملة الترويجية أكثر من ستة أشهر، حيث تكون دور النشر حققت العائدات التي ترجوها من القائمة الوهمية، وأذكر حملة أثيرت حول كتاب تبوأ المرتبة الأولى خلال 24 ساعة فقط من تدشينه!». موضة غربية مقتبسة! في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يُلاحظ أنه إذا ما قرر نجم سينمائي أو مطرب شهير أن يُصدر كتاباً، فإنه ينجح في بيع ملايين النسخ في وقت قصير، خاصة إذا كان الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لصاحبه، لما فيه من متعة التلصص على حيوات الآخرين وما يتضمنه من اعترافات. يرى «د.حسين المناصرة»، أستاذ النقد الأدبي الحديث والأدب العربي المعاصر بجماعة الملك سعود، أن «الكتاب قد أصبح سلعة تجارية قبل أن يكون وسيلة ثقافية، ومجتمعاتنا العربية ليست مجتمعات قارئة بالدرجة الأولى، لذلك فإن الرائج والأكثر مبيعاً يكون في العادة من باب الثقافة السطحية والمبتذلة، مثل: الروايات الفضائحية، والشعر الحلمنتيشي، ومذكرات السياسيين وأخبار الرياضيين والمغنيات، وفنون الطبخ، ومغامرات الفتيان والفتيات... إلخ، أما الكتب الفلسفية والإبداعية والعلمية فهي لم تكن ولن تكون رائجة في مجتمعاتنا التي متوسط القراءة فيها (كل ثمانين شخصاً يتشاركون في كتاب واحد سنوياً)، في حين أن متوسط قراءة الفرد في بعض دول الغرب يصل إلى خمسين كتاباً في السنة، لذا أعتقد أن الكتب الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي تخضع لكميات محدودة جداً أولاً، ثم للدور التجاري الترويجي الربحي الذي تمارسه بعض دور النشر في الترويج للكتاب في مستوى الإثارة بوساطة المحرم (التابو) الذي يستدعي ثقافة المنع، ومن ثمَّ كل ممنوع مرغوب، إذن نحن أمام ثقافة كتابية لا تتجاوز التسلية والترفيه، وبمجرد أنها تغدو رائجة بين العامة، فإنها - بكل تأكيد- لا تحسب من الثقافة الرصينة والجادة، بل إنها لا تحسب في مقاييس القراءة الدولية». من جهته يرى الشاعر «عبدالله بيلا» أنّ «ظاهرة الكتاب الأكثر مبيعاً قد انتقلت إلينا من المكتبة الغربية،ص حيث تخضع المؤلفاتُ هناك لمعايير وشروط واضحة تخولها للحصول على ذلك الاستحقاق، وبالعودة إلى تلك المؤلفات نجد وضوحاً في عدد الطبعات وعدد النسخ في كل طبعة والعوائد المادية المتحصلة للمؤلفين ودور النشر، وكل هذا يحدث بشفافيةٍ ووضوح تام، ولكن هل يتم تطبيق كل أو بعض هذه المعايير في الوطن العربي؟ لا أظن ذلك وللأسف»، ويضيف بيلا: «ما يحدث للأسف هو عملية تجارية ودعائية بحتة، تعتمد على وجود دارٍ للطباعة والنشر غايتها الربح المادي، ووجود منتج أياً كان تصنيفه بغض النظر عن جودته ورداءته، ووجود آلة دعائية قادرة على لفت أنظار زبائن معارض الكتب والمكتبات، والمؤسف حقاً أنَّ أكثر تلك المؤلفات التي وُسمت بالأكثر مبيعاً هي في حقيقتها تمثل ضحالةً فكريةً وخواءً اجتماعياً خطيراً، يتقاسمه المؤلفُ والوسيط والقارئ، ولا أدلَ على ذلك من تصدِّر بعض الخواطر وكتب الطهي والمؤلفات الخاوية القائمة على فكرة الاقتباس والاختلاس لقائمة الكتب الأكثر مبيعاً». أدب لا يعيش! في مكتبتنا العربية لا تقترن الجودة بالانتشار، لكن العزاء الوحيد للكتب الجيدة والرصينة هو أن ذاك الأدب الخفيف لا يعيش طويلاً، إذ سرعان ما تنفجر فقاعة الكتب الركيكة التي حظيت بشهرة مفاجئة وهي في واقعها تحتوي على مضمون غاية التفاهة، يرى الناشر «عادل المصري»، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن ظاهرة الكتب الأكثر مبيعاً ليست ظاهرة جديدة، ولكنها فقط أصبحت الآن ملحوظة بشدة، ويرجع ذلك إلى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وفي رأيي فهناك بعض الأعمال التي تحظى بلقب «الأكثر مبيعاً» وفي واقعها تكون جيدة جداً ولن تموت وستستمر وهناك أمثال كثيرة لذلك، وهناك أعمال تظهر فجأة وسرعان ما تختفي ويتم نسيانها، بل منها ما ينتشر ثم يتم انتقاده بعنف، كما ظهر بعنف، ومن نفس الشباب وعلى نفس مواقع التواصل الاجتماعي»، ويضيف: «هناك أيضاً الآن ظاهرة النشر المعتمد على عدد المتابعين على مواقع التواصل وليس استناداً إلى جودة العمل أو نوعيته، بمعنى أن يُنشأ أحدهم صفحةً على أحد مواقع التواصل الاجتماعي مثل (فيس بوك)، ويكتب فيها أي كلام، ليس له علاقة بالأدب، ويروج لهذا الكلام السطحي، وسرعان ما يصبح لديه مليون متابع مثلاً، وهذا يغري الناشرين غير المتخصصين، فينشرون له ما كتبه في كتاب ليشتريه متابعوه، ثم يتم عمل بروبا جندا كبيرة لحفل توقيع يحضره بعض الشباب المتابعين، مع تصوير آلاف الصور لهم، حتى لو كان عددهم قليلاً ونشر الصور على الإنترنت، وهو ما يُغري الآخرين لاقتناء الكتاب، وهو في حقيقته عمل تافه!، لكن هذه النوعية من الكتّاب لا تستمر، هم غالباً ينشرون لمرة واحدة أو مرتين، ثم يختفي الكاتب والكتاب بعد تحقيق الأرباح». ويتابع المصري: «فيما يخص لغة الأدب؛ فلنعترف جميعاً أننا لدينا الآن شباب قد بدأ حديثاً في ممارسة عادة القراءة، ويجب أن نخاطبه باللغة التي يفهمها، وبعد فترة من القراءة سيقرأ هذا الشاب أدب نجيب محفوظ والعقاد وغيرهما، ولكن يجب أن نشجعه في البدايات بأعمال جيدة جداً ولكن بإسلوب سهل يفهمه».
مشاركة :