* أشهر من نار على علم، لكن كيف تقدم نفسك؟ - إنسان بسيط، يتداوى بالكتابة أحياناً، ليشعر بوجوده أولاً، ويضيء شمعة في ممرات الحياة، حاول كثيراً في مشوار طويل، سقط فيه مرات وقام، وأبداً لم يفقد وهج الرغبة وشرف المحاولة. * بين الصحافة والقصة والرواية.. أين تجد راحتك وسكينتك؟ - الصحافة مهنة نبيلة فتحت لي آفاقاً شاسعة، لم يكن مقدر لي ولوجها، أما القصة والرواية فكانتا غايتي وميداني الشاسع قبل بلاط الصحافة. * لماذا هذا الاختيار؟ - الصحافة نزيف يومي، تأخذك من كل شيء، وهي مهنة المتاعب رغم لذتها، هجرتها نهائياً إلى ساحة الأدب بعد عشرة عدة عقود. * قلت ذات مرة: «كانت وما تزال الحركة الثقافية في بلادنا للآسف، لا تشكلُ الغاية الرفيعة لطموحات المثقفين»، روشتة في سطرين.. كيف نعالج الأمر؟ - هناك توصيات لمؤتمرات الأدباء جاءت عبر عقود من الزمن، فقط يتم تنفيذ القليل، ونحن نعيش عصر الانفتاح، وثمة مسافة شاسعة بين الثابت والمتحول، فلنسرع في ردم الهوة لتتلاشى خيبات تراكم الزمن. * تعتبر أن ثلاثية «المكتوب مرة أخرى» هى سنام الفعل الكتابي لديك، هل تعتبرها سيرتك الذاتية أم مذاكرات أم ماذا؟ - هي رواية الروائي، بمعنى أنها تجربة كتابية بعد تجربتين، وحاولت في هذا النص أمتحن المحيط، وأضع التجربة برمتها تحت مجهر كاشف للأشياء والزمن والناس. * قد يكون سؤالاً ساذجاً بعض الشيء، لكن هل يطعم الأدب خبزاً؟ - الأدب في العالم العربي لا يطعم إلا الشقاء والنبذ، عمنا نجيب محفوظ قبل نوبل كان يمارس كتابة أخرى غير الرواية ليأكل خبزاً، فما بالك بناشئة الأدب! * ماذا تعني الجوائز بالنسبة لك؟ - أنا لا أبحث عن الجوائز ولا تعنيني. * إذا كان لا بد أن تكتب تحت اسم مستعار، فماذا ستختار؟ - يوتوبياً. * ما سبب اختيارك له؟ - اسم شمولي، بمعنى المدينة الفاضلة. * (وراء كل رجل عظيم.. امرأة)، هل هذا صحيح بالنسبة لك؟ - أكيد، وسلامٌ عليها، وسلامٌ عليهن حتى مطلع الفجر. * لو كتبت برقية ووضعتها في قنينة، وألقيتها في لجة البحر، فلمن سترسلها؟ - إلى صبية في قريتي، ماتت في حريق عندما كنا صغاراً، ولم تجد من ينقذها من جحيم النار. * وماذا ستكتب فيها؟ - تفاصيل عن أطفال العالم الذين يموتون كل يوم، تغتالهم يد البؤس والفقر والجهل وطامة الحروب. * هل أنت مع أم ضد النشر الإلكتروني؟ - الإلكتروني هو مستقبل الكتابة، وبداية أفول النشر الورقي وأزمة الصحافة السائدة. * هل لدينا أزمة نقد أدبي؟ - ليس لدينا أزمة، النقد الذي في أزمة، ودعني أتجاوز هذا السؤال، بلا وجع رأس. * أي رواية كتبتها هي الأكثر تعبيراً عن نفسك؟ - كل حرف أكتبه، نبض من وريدي وأحلامي المشرعة نحو الضوء. * لو لم تكن كاتباً، لتمنيت أن يكون..؟ - لكنت راعياً لأغنامي التي تركتها على جبال السروات، وغبت في زحام شوارع المدن، تخيل إنسان يتخلى عن مباهج الحياة وفطرتها الأولى، ويهجر مهنة الأنبياء ليتوسل شقاء المدن؟ * أصبحنا نرى الكل يسعى لكتابة رواية، الشاعر والقاص والناقد والمفكر، هل صارت الرواية «موضة» لكل من يريد الكتابة؟ - حينما تغيب المعايير ويسقطُ الفرز في أديم المجاملات، يحدث هذا الخلط ونشهد كتابة خديج، والزمن كفيل بغربلة الأشياء والأسماء. * هل توافق على تعبير الأدب النسويّ والأدب الذكوري؟ - المنتج الفني إنساني بالدرجة الأولى ولا يفرق جنس كاتبه، ويبدو لي أن هذه التقسيمات من اختراع النقاد. * قال العقاد: «أنا لا يهمني كم من الناس أرضيت، ولكن يهمني أي نوع من الناس أقنعت»، هل تتفق معه؟ - رضا الناس غاية لا تدرك، فمن يتقبلون الرأي الآخر، يمكن الحوار معهم وإقناعهم وكسب رضاهم، أما الذين يرون بعين واحدة، فلست مجبراً لكسب رضاهم مهما فعلت. * هل الصبر يأتي بفائدة، أم أنه وسيلة لنعيش؟ - الصبر جميل، ونهايته تؤتي بثمارها، وهناك بعض الإشكاليات في الحياة، لا ينفع معها إلا الصبر لعل الله يفرجها. * ما رأيك في ظاهرة «الأكثر مبيعاً»؟ - كلام فارغ، ودعاية مجانية. * من أين تستمد روح الكتابة؟ - الواقع خير معين لا ينضب، وأزعم أن العشق من أهم محرضات الكتابة. * وهل تفضل قلماً وورقة بيضاء أم شاشة ولوحة مفاتيح؟ - تألفت مع الورقة، وبنيت معها علاقة خلال كتابة الأعمال الأولى، لكني مع بدء رواية «المكتوب مرة أخرى»، بدأت الكتابة مباشرة على شاشة الكمبيوتر. * ما الحكمة التي تؤمن بها؟ - كن غيور ولا تكن حسوداً! * كاتب تحتل كتبه مكاناً بارزاً في مكتبتك؟ - الأعمال الكاملة لدستويفسكي. * لو أعطيناك فرصة لإرسال رسالة عتاب؛ فلمن ستوجهها؟ - سأمزقها، وأسامح كل من أساء لي، فلا أستطيع الحياة إلا بصفاء ومحبة. * رسالة شكر وعرفان؛ لمن؟ - كثيرون، ولكن هناك أحد أقربائي، صديق حقيقي، ينتشلني كلما عضتني مخالب الحياة، وقذفت بي في جحيم الحاجة إلى صديق. * البعض وصف روايتك «وحي الآخرة» بأنها تراجيديا موغلة في الحزن، هل تتفق مع هذا الوصف؟ - يعجبني هذا التأويل، فهى رواية ميتافيزيقية، تستشعر علامات الموت والفناء والعدم، وطبيعي أن تتشكل علامات الحزن في هذا الفضاء. * هل الوجع والأحزان هى مصدر الإلهام الوحيد للروائي؟ - ربما رواية «وحي الآخرة»، جاءت عقب رحيل نجلي عبدالله ورامي في ظرف 8 أشهر، شابان في ريعان الصبا مقبلان على الحياة، وطبيعي أن تكون روحي مصبوغة بألم الفقد، لكن لا يمكن أن نعمم هذا الحكم بإطلاق، فالرواية فنٌ شمولي لا بد تستحضر كل الحالات. * بالمناسبة؛ ما الذي يحزنك؟ - بكاء الطفل حالة تصيبني بالحزن. * ما القضايا التي ترى أنها تشغل أهل الكتابة حالياً؟ - القضايا أكثر من الهم على القلب كما يقول المثل الشعبي، والكاتب الذي يغوص في قضايا مجتمعه، لن يعدم أبداً ولا بد أن تطفو على سطح مكتبه كل يوم قضايا جديدة. * «الكتاب خير رفيق»، فأي كتاب سيرافقك لو قررت السفر الآن؟ - كتاب جميل بعنوان (الذات – عينها كآخر) لفيلسوف فرنسي اسمه (بول ريكور). * هل لديك طقس معين تقوم به عند الشروع في الكتابة؟ - أكتب في نهاية الليل عند السحر، وقد أكتب في الفجر، وأنا بطبعي كائن ليلي، أجد متعتي في هذا الزمن من الليل. * (كل ممنوع مرغوب)، فما الممنوع الذي رغبته؟ - تظل الحرية غاية سامية، ومطلباً لكل إنسان ذي بصيرة، وحضورها يتجاوز كل ممنوع أو مرغوب. * هل ال (ق.ق.ج.) بدعة؟ - بل جنس أدبي حديث وله كتابه، وأظن أنها فن شديد المراوغة والذكاء، تحتاج إلى براعة خاصة. * الجدل الدائر دوماً هو عن موت الشعر أو انتصار الرواية، فأين القصة من كل ذلك؟ - سيظل الشعر سيد الفنون، والقصة القصيرة جاورته طوال عقدين أو أكثر من الزمان، ولما حضرت الرواية بهذا الزخم، فقد حضرت بعد تلكؤ طويل وممانعة اجتماعية ظالمة. * «الوقت معلم من لا معلم له»، فماذا تعلمت منه؟ - الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك، ولكني إنسان الفوضى جزء مهم من تركيبته. * أمامك سلة محذوفات، ماذا سترمي بها من سلبيات المشهد الثقافي السعودي؟ - الانتهازية والفجاجة، سأرمي التكاسل والمحسوبية بالذات في المؤسسة الثقافية في الجحيم، وليس مجرد سلة مهملات. * هناك مثل لاتيني يقول (السعادة في كثرة الأصدقاء)، هل هذا صحيح؟ - هناك نوعية يمكن تسميتهم (بالأعدقاء!)، فهم ليسوا أصدقاء بمعنى الكلمة لنسمو بهم، ولكنهم لا بد أن يكونوا جزءاً من محيطك ويصعب التخلي عنهم. * كلمة أخيرة؟ - جميل أن نصل إلى خط النهاية كمتسابقي المسافات الطويلة، وكنت في غاية التماهي مع أسئلة لم تبق ولم تذر، ونبشت في خبايا الروح وخلايا العقل.
مشاركة :