تحدَّث الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، إمام وخطيب المسجد النبوي، في خطبة الجمعة اليوم، عن صفة الحياء التي تأتي على رأس مكارم الأخلاق في الخلق وأجلها واعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا.وقال الشيخ القاسم، إن مفتاح العبودية لله وسرها في العلم بأسماء الله وصفاته، فأسماؤه تعالى حسنى وصفاته عليا، وله سبحانه في كل اسم وصفة عبودية خاصة هي من موجبات العلم بها ومقتضياها، والله يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها في خلقه، فأمر عباده أن يدعوه بها قال تعالى: «وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا».وأضاف: أن أحب الخلق إلى الله من اتصف بالصفات التي يحبها، ومن تعبد لله بصفاته قرب من رحمته، ومن أحصى أسماءه أنزله في جنته، ومن أسماء الله الحي، ومن صفاته الحياء، وقد وصف الله نفسه بذلك فقال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا».وتابع: إن رأس مكارم الأخلاق في الخلق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا: الحياء، وهو خلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، مبعثه ومادته من الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون الحياء فيه، وكلما كان القلب أحيى كان الحياء فيه أتم وأقوى».وأكد أن المرأة جبلت على الحياء، وبه زينتها وجمالها، وهو لها حصن وأمان، قال تعالى: «فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ»، مشيرًا إلى أن الحياء من أعظم الخير، فيه تعويد النفس على الخصال الحميدة ومجانبة الخلال الذميمة، وإذا اشتد حياء المرء صان عرضه ودفن مساويه ونشر محاسنه.وأشار إلى أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، والحياء شعبة منه، قال عليه الصلاة والسلام: والحياء طاعة يبعث على طاعات وينتهي بصاحبه في الورع، ومن أخل به فعل نقيض ذلك، قال عمر رضي الله عنه: «من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه»، ومن أكبر ما يعول بين المرء وركوب المعاصي الحياء، والمستحي ينقطع بالحياء عن المعاصي كما ينقطع بالإيمان عنها.ونبه على أنه إذا سُلب من العبد الحياء لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبح والأخلاق الدنيئة فصار كأنه لا إيمان له، والذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية فلا يتأثر بعلم الناس بحاله ولا باطلاعهم عليه بل قد يخبر عن حاله وقبيح فعاله.ولفت إلى أن الحياء داع لعزة النفس وصيانتها، فلا يسأل الناس شيئًا وإن احتاج لذلك، والحياء حاد على حسن الأدب، ورأس الحياء ما كان من الله تعالى؛ بأن لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، فالله أحق أن يستحي منه، قال عليه الصلاة والسلام: «استحيوا من الله حق الحياء» رواه الترمذي، مضيفًا: أن الحياء من الله نور يقع في القلب يريه ذلك النور أنه واقف بين يدي ربه عز وجل فيستحي منه في خلواته وجلواته.وبين: أن الإسلام دين المحامد والمكارم، جمع من الأخلاق أحسنها ومن الأوصاف أعلاها، ما من خير إلا أمر به، وما من شر إلا حذر منه، فواجب علينا التمسك به ، والاعتزاز به ، ودعوة الناس إليه، والحياء من الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه.وفي الخطبة الثانية ذكر أن الحياء الممدوح في كلام النبي صلى الله عيه وسلم هو الخلق الذي يحمل على فعل الجميل وترك القبيح، أما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس من الحياء في شيء، وإذا منع صاحبه من خير لم يكن ممدوحًا، ولا حياء في تعلم الدين، ومن ترك العلم حياء بقي أبد الدهر في جهله محروم من العلم.
مشاركة :