أغاني «المهرجانات».. ظاهرة هبوط «أخلاقي» أم تجديد فني؟

  • 2/24/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: أحمد الروبي ظهرت في الأعوام الأخيرة نوعية جديدة من الأغاني أطلق عليها «أغاني المهرجانات»، حيث خرجت من التصنيف العام للأغاني، وأصبحت ذات تصنيف مختص بذاته، ولاقت شعبية كبيرة على مستوى الطبقات المختلفة في الشارع المصري، إلا أنها أظهرت مؤخراً وجهها القبيح، بعدما طفت على السطح بعض الأغاني التي تحمل مترادفات وكلمات غير أخلاقية، فضلاً على أنها أصبحت ملاذاً لبعض الأشخاص الذين لا ينتمون للوسط الغنائي، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هذا النوع، لسهولة إنتاج أغنية وطرحها، دون تكاليف تذكر، إلا أن الشارع انقسم بين من يرى تأثيرها بالسلب على الناس، وبين من يرى أنها ملاذ للموهوبين الذين تنقصهم إمكانات الإنتاج. في السطور التالية، نرصد آراء بعض الخبراء والمتخصصين وصناع هذا النوع من الغناء، ومدى تأثيره الفني والأخلاقي والنفسي على المجتمع، والأضرار السلبية، والجوانب الإيجابية فيه.المطرب الشعبي «أوكا» أحد الذين ساهموا بشكل كبير في انتشار هذا اللون، يؤكد أن «المهرجانات» من الألوان الموجودة بقوة في المجتمع المصري، بسبب انجذاب عدد كبير من الجمهور لها، مشيرًا إلى أنهم يحاولون مسايرة الأحداث والتطرق لمشكلات يمر بها الشخص العادي في حياته لعرضها أمامه، وأن بعضها قد يكون مستنسخاً من أغانٍ عالمية كأغنية «ديسباسيتو». أما عن الهجوم على تلك النوعية من الأغاني واتهامها بإفساد الذوق العام، فيقول «أوكا»: نحن كفرقة مؤلفة من «أوكا وأورتيجا» لم نقدم أغاني تحمل ألفاظاً مبتذلة أو أفكاراً سيئة، والمثل يقول «لا تضع البيض كله في سلة واحدة»، فالفرقة تقدم مشاكل ومواقف قد تحدث في حياة البعض، وبالتالي نحن غير مسؤولين عن ظهور نوعيات من الأغاني تقدم مستوى هابطاً ومفردات مسيئة، وأنا مع محاسبة من يحاول نشر مثل هذه النوعية، لكننا كفرقة مسؤولون عن أعمالنا فقط، وهذا اللون ناجح جداً ومنتشر، وله جمهور كبير.بدوره يؤكد المطرب الشعبي «أورتيجا» أن غناء المهرجانات في بادئ الأمر تعرض لانتقادات كبيرة وهجوم شرس من الكثيرين سواء ملحنين أو مطربين، وعدد كبير من الجمهور، قبل أن يلقى قبولاً لدى شرائح مختلفة، من حيث المستويات الاجتماعية والفئات العمرية، بعد أن تم استيعابه وفهمه.ويضيف: كان الهدف من تقديم هذا النوع، أن يكون لوناً مختلفاً وجديداً، والحمد لله لاقت الأغاني انتشاراً كبيراً وجماهيرية. وحول اتهامهم بالإساءة للغناء والطرب العربي، يجيب: نحن لم نصف أنفسنا بما ليس فينا، فأنا لم أقل يومًا إنني مطرب أو مغنٍ، وإنما أنا مؤدٍ أقوم بتأدية بعض الكلمات على ألحان مختلفة، بهدف إسعاد الجمهور، وتصدير حالة من البهجة والفرحة لهم.يقول عماد عبيد، مؤلف أغاني مهرجانات: كلمات تلك الأغاني غير مبتذلة، ربما بعض ما ظهر مؤخراً قد يكون مبتذلاً، لكن هذا هو الحال في الكثير من ألوان الغناء، فهناك الجيد والرديء، بينما هناك العديد من الأغاني التي تحمل فكرة مختلفة، وتتحدث عن مواقف يتعرض لها الإنسان البسيط في الشارع بلغته التي يتحدث بها، وهي «اللهجة العامية»، وهذا هو السبب الأول في وصول تلك النوعية من الأغاني بمنتهى البساطة للجمهور. مضيفًا: أغاني المهرجانات أصبحت أحد ألوان الغناء المتوقع لها أن تستمر، وستتطور، إذ تجدد نفسها مع كل جديد يطرأ على الشارع العربي، والذي يهتم بالناس وواقعهم، لا يمكن اعتباره ظاهرة وستنتهي.علاء الشريف، منتج أغاني مهرجانات، يقول: من الصعب جداً الحكم على كل أغاني المهرجانات بأنها مسيئة ومبتذلة، فهي مثل أي شيء قد نحسن أو نسيء استخدامه، ولا يمكن إغفال أنها أصبحت واقعاً ملموساً، ولوناً جديداً يزداد انتشاراً، وما ينتج منه بشكل سيئ يرفضه الجمهور ويسقطه من حساباته، كما أن هذا اللون أتاح الفرصة لمجموعة كبيرة من الشباب الذي يمتلك الموهبة، أن يتواجد على الساحة الغنائية، ففي السابق كانت هناك هيمنة من بعض الجهات والأشخاص على سوق «الكاسيت»، إلا أن ذلك انتهى بظهور أغاني المهرجانات، وزاد من وصولهم إلى كل طبقات المجتمع، وكل الفئات العمرية، بوجود التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد هناك المنتج الذي يتحكم فيك، ويمسك في يده وحده مفاتيح الشهرة، التكنولوجيا الحديثة كسرت هذه «التابوهات»، فأي مطرب يستطيع أن ينتج أغنية لنفسه، في حجرة صغيرة في بيته، ويطرحها على «يوتيوب»، ويحقق شهرة واسعة خلال 24 ساعة.يتابع الشريف: هناك ما يسمى «دكان المهرجانات» وهي أماكن تشبه الاستوديوهات حيث يتواجد في مصر ما يقارب ألف «دكان» لإنتاج المهرجانات، ويظهر في اليوم ما يزيد على 15 أغنية، مع الوقت قد يزيد عدد «الدكاكين» ويزيد عدد الأغاني، وليس العكس، لكن من المؤكد أنه لن يبقى سوى الجيد، أما فيما يخص الأغاني غير الأخلاقية، فالجمهور هو الذي يواجهها قبل الجهات الرقابية، فلو تقبل الشارع المحتوى السيئ وتفاعل معه فسيتم الإبقاء عليه للأسف. هناك أغانٍ أرفضها من حيث محتواها لكنها تلقى قبولاً كبيراً، ولعل السبب في ذلك هو انهيار الأخلاق.المطرب محمد الحلو، يرى أن هناك خلطاً بين الغناء الشعبي، واللون الذي يسمى «أغاني المهرجانات» والتي بالتأكيد لا تندرج تحت مسمى الغناء، ولا تنتمي للفن الشعبي من قريب أو بعيد، علماً أنني لست ضدها، لكن على أصحابها أن ينوعوا ويجددوا فيما يقدمون، فهي مجرد جملة واحدة يتم ترديدها عدة مرات. كما أن التكنولوجيا الحديثة ساعدتهم على انتشارها، لأن هناك أجهزة تقوم بتحسين الصوت بشكل كبير، وعمل تأثيرات وتضخيم وصدى وتكرار، ليخرج ما يقولونه في الشكل الذي يظهر عليه للجمهور، وهذا النوع لا يصنع مطربا، بدليل أنه يمكنك استبدال من يقول هذا الكلام بأي رجل عادي يمشي في الشارع، ولن يكون هناك فارق بينهما.ويؤكد الحلو: ليس معنى كلامي هذا أنني أهاجم كل من يقدمون هذا النوع، فهناك مطربون لهم أصوات جيدة بالفعل، لكن من المؤكد أنهم يمرون بمرحلة تجارب، وسيبتعدون عن هذا النوع عاجلاً أم آجلاً، لأن هذا النوع سيختفي خلال العشر سنوات المقبلة على الأكثر، هو مجرد نوع من «المزيكا» يتراقص عليها البعض لصخبها، ولن تدوم.المطرب أحمد الحجار يقول: هي محاولات للشباب للتمرد على النوعية التقليدية للغناء من خلال تقديم شكل جديد، وأنا لا أهاجم أصحابها بل أطالب من يمتلك منهم أصواتاً جيدة بأن يقدم ما لديه عن طريق غناء ألوان أخرى. وعن إساءة أغاني المهرجانات للمغنين، يؤكد الحجار أن الذين يقدمون تلك الأغاني ليسوا مطربين، بجانب أن ذلك ليس غناء، بل هو نوعية لاقت رواجًا ونجاحًا من قبل شريحة من المجتمع، وأصبحت سائدة ويستمع لها بعض الشباب من فئات مختلفة، لكنها في النهاية ظاهرة وستختفي. ويستطرد: أحترم تجارب الشباب ورغبتهم في التجديد، لكن دون إساءة أو ابتذال، فبعض تلك الأعمال مبتذلة ولا تنتمي للأغنية الشعبية أو المصرية، واعتقدت في بادئ الأمر أنها تنتمي للأغنية الشعبية لكنني مع الوقت اكتشفت العكس.يرد المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم، مدافعاً عن الغناء الشعبي قائلاً: أغاني المهرجانات ظاهرة لفترة معينة، وستختفي من على الساحة ولن يستمر إلا من يقدم أغاني هادفة لجمهوره، فهذه النوعية يشبه بعضها بعضاً، وليس هناك سوى فرقتين هما «أوكا وأورتيجا»، و«المدفعجية» أما الباقي فمتشابه، وما سيستمر هو الغناء الشعبي، فالجميع يعرف تاريخه من أيام الثلاثينيات والأربعينيات، مروراً بالكبير الراحل محمد عبد المطلب ثم محمد رشدي وأحمد عدوية وحاليا حكيم وأحمد سعد ومحمود الليثي.أما الموسيقار حلمي بكر، فهاجم أصحاب أغاني المهرجانات، مؤكدًا ضرورة السيطرة على ما وصفها ب«الظاهرة السيئة» والتي باتت تترسخ في عقول الشباب، وأصبحت بالنسبة لهم أحد ألوان الغناء على الرغم من سطحيتها، موضحًا أنها مشابهة للفكر المتشدد، الذي يعبث بالعقول ويحرضهم على ارتكاب أفعال نكراء، وأنه سمع أغاني بها كلام خادش للحياء وهو ما انتشر مؤخرًا، حيث أصبحت تلك المهرجانات تدعو وتحرض على الفسق والفجور، بل إنها تقلل من شأن الفنان الذي تُعد مهمته الأولى الارتقاء بالذوق العام والإبداع، مشددًا على ضرورة مواجهة الدولة لهذه النوعية من الأغاني والتصدي لها بكل قوة وحزم، متعجبًا من غياب دور نقابة الموسيقيين الرقابي على تلك الأغاني والمطربين، ملمحًا إلى أن معظمهم ليسوا أعضاء في نقابة المهن الموسيقية. يؤكد الموسيقار هاني مهنى، أن من يتوقعون استمرار هذه النوعية، نسوا العديد من الظواهر التي ظهرت فجأة وطفت على الساحة، ثم انتهت سريعاً، وأن هناك دائمًا ظواهر تطفو على سطح الوسط الغنائي، كما الحال مع الموضة، لكنها سرعان ما تنتهي، لأنها بلا أساس ترتكز عليه، معللًا ذلك بأن أغاني المهرجانات مجرد صخب موسيقي، حتى إن هناك أغاني قد يسمعها شخص مئات المرات لكنه لا يتذكر كلماتها، وزاد الطين بلة ظهور عدد منها مؤخراً يحمل كلمات مبتذلة وخادشة للحياء، مطالبًا بضرورة وجود رقابة صارمة على كافة الأنماط والألوان الغنائية. لا يطالهم القانون ولا النقابة طارق مرتضى، المستشار الإعلامي لنقابة المهن الموسيقية، أكد أن لائحة وقانون النقابة يضبطان التعامل مع الأغاني الشعبية، وتتم محاسبة كل من هم أعضاء في النقابة، أو من حصل على تصريح بالغناء فقط، وللأسف فإن عددا كبيرا ممن يقدمون هذا النوع بعيدون عن طائلة القانون وعن يد النقابة، فهناك من ينتجون أغاني في منازلهم وتذاع على الفضائيات التي تصدر بتصاريح من الخارج، وكذلك نشر هذه الأغاني على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا لا بد أن يأتي دور الدولة للتصدي لمثل هذه النوعية، ليس فقط حفاظاً على الذوق العام وعدم خدش الحياء، بل الأهم من أجل الحفاظ على الغناء المصري من أي أمراض يمكن أن تصيبه.ويضيف مرتضى: النقابة ليست ضد الجيد منهم، بدليل أنها تعطي تصاريح لمغنيين مثل «أوكا وأرتيجا» لكنها تصاريح مؤقتة من أجل حفلات فقط، لكنهم ليسوا أعضاء دائمين في النقابة، وهناك تعاون وتنسيق قوي تم مؤخراً بين الدولة والنقابة من أجل التصدي لكل الظواهر التي تؤثر في الغناء المصري بالسلب، وظاهرة المهرجانات مجرد «فقاعات صابون» ظهرت نتيجة المرحلة التي مررنا بها، وستختفي مع مرور الوقت، لكن على الإعلام والدولة ونقابة المهن الموسيقية، أن يتكاتفوا جميعاً من أجل مواجهتها والحد منها. تأثير نفسي وتطرف موسيقي ما تأثير تلك الأغاني على الناس والمجتمع؟ تجيب الدكتورة بسمة محمود، أخصائية الصحة النفسية: أغاني المهرجانات أصبحت ذات شعبية كبيرة لدى جميع قطاعات المجتمع، والفئات العمرية المختلفة؛ وذلك يعود إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي مرت بها البلاد خلال السنوات الأخيرة، فضلاً على محاولة بعض الشباب التعبير عن نفسه، ولو بشكل من أشكال التمرد؛ لكن للأسف تحوَّل هذا التعبير إلى ظاهرة، والظاهرة آخذة في التحول إلى لون غنائي، بعد أن أصبحت مستويات ثقافية واجتماعية مختلفة يستمعون لهذا النوع من الغناء في الخفاء، وللأسف يخرج أغلبهم لينكره في وسائل الإعلام والفضائيات! وتؤكد الدكتورة بسمة، أن «ظهور هذه الأغاني له أكثر من عامل، أولها غياب الرقابة، وثانيها حالة الكبت، التي يعانيها المجتمع، ما يجعلهم يفرغون طاقاتهم بالرقص على موسيقاها الصاخبة، والاستماع لكلماتها المبتذلة، ذات الإيحاءات والألفاظ الجنسية، وقد لا يؤثر ذلك بشكل سلبي في الشباب فوق سن العشرين، أما الخطورة الحقيقية فهي على من هم دون ذلك، إضافة إلى أن الموسيقى الصاخبة، تخلق شخصاً عصبي المزاج لديه عدوانية شديدة تجاه الآخر، قد تصل إلى حد القتل؛ لأن بعضهم يقوم بالرقص على هذه الموسيقى وهو يحمل في يده «سلاحاً» فضلاً على إحساسه الدائم بالخوف والقلق؛ بسبب توتره، كما أنها تؤثر في درجة إدراكهم ووعيهم بشكل عام، والمثير في الأمر أن بعض المدارس الحكومية والخاصة، وممن يتم تصنيفها في مستويات مرتفعة جداً، تقدم لتلاميذها وأطفالها مثل هذه النوعية في الاحتفالات المدرسية، وهذه كارثة بكل المقاييس، فالمنوط بهم حماية الأطفال منها».وتؤكد الدكتورة بسمة، أنه لا بد من تدخل الدولة وبشكل قوي؛ لمواجهة مثل هذه الظواهر التي فرضت نفسها على المجتمع في غيبة من الرقابة، سواء رقابة البيت أو المدرسة، أو حتى الرقابة على المصنفات والنقابات الفنية والإعلام أيضاً، ولا بد من تكاتف كل هذه الجهات؛ لمواجهة هذا التطرف الموسيقي، إن جاز التعبير.

مشاركة :