المحرق عاصمة الثقافة الإسلاميّة 5/‏2: عواصم الثقافة الإسلامية بين «المركز و

  • 2/24/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

لا شكّ أنّ الحوار الثقافي يمثّل قناة تواصل عريقة بين المجتمعات الإنسانية، وهو ما جعل الثقافات الإنسانيّة تتلاقح وتستفيد من بعضها البعض على مرّ التاريخ... غير أنّ بروز بعض المفاهيم المعاصرة ولا سيما مفهوم العولمة كاد يكبح جماح نظرية التنوع الثقافي، بل وربما يستعيض عنها بنظرية الصدام الحضاري ونظرية المركز والهامش. غير أننا في مقالنا هذا لن نخوض في نظرية المركز والهامش: لا من زاوية اقتصادية ولا من حيث أبعادها الحضارية ومخاطرها على التنوع الثقافي، وإنما على العكس تماماً سأحاول بيان دور مهرجان عواصم الثقافة الإسلامية في إذابة الجليد وجسر الفجوة بين المركز والهامش على مستويات عديدة. تقام فعاليات عواصم الثقافة الإسلامية في ثلاث قارات سنوياً؛ ذلك أنّ «الإيسيسكو» دعت الدول الأعضاء سنة 2001 إلى ترشيح مدن تمثل المنطقة العربية والمنطقة الآسيوية والمنطقة الإفريقية، ويقع اختيار ثلاث منها سنوياً للاحتفاء بها كعواصم للثقافة الإسلامية. وباستثنائها المدن العربية من إفريقيا وآسيا، تعطي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الفرصة أكثر فأكثر للدول الإسلامية من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا الوسطى والشرقيّة.  وفي نظرة خاطفة إلى جدول عواصم الثقافة الإسلامية الممتدّ من سنة الانطلاق (2005) إلى سنة (2025) يلاحظ بجلاء حضور مدن ليست بالضرورة عواصم سياسيّة لبعض البلدان الإسلامية، ولكنّها تحظى بفرصة مهرجان عاصمة الثقافة الإسلامية وهي في الحقيقة لسبب أو لآخر لا تمثّل عند المسلم، ولا سيّما العربيّ ثقلاً ثقافياً في نظرته للتاريخ الإسلاميّ الذي تعلّمه من المؤسّسات التعليمية الرسميّة، أو من اطّلاعه الشخصيّ. وأستحضر هنا على سبيل الذكر لا الحصر مدينة تمبكتو (مالي)، دوشنبه (تاجيكستان)، نيامي (النيجر)، بانجول (غامبيا)، آلما أتا (قازخستان)، التي اختيرت عواصم للثقافة الإسلامية، بل ربما قد يجهل بعضنا أن في هذه المدن حضارة إسلامية عريقة.  وأمّا من حيث العدد، فالمدن العربية، عواصم الثقافة الإسلامية، هي في حدود العشرين. في حين أنّ المدن الإفريقية والآسيوية غير العربيّة عواصم الثقافة الإسلامية يتجاوز عددها الأربعين. وبهذا يكون اختيارها عواصم للثقافة الإسلامية تحويل لوجهة نظر المسلمين من «المركز» إلى «الهامش» وليس في كلمة الهامش هنا أيّ تقليل من مكانة هذه الحواضر الإسلامية بل ربّما العيب في جهلنا بها. وهنا أعود إلى التذكير بالتحدّي الإعلامي الذي أشرنا إليه في مقال سابق.  إنّ المركز، على أهميّته في الثقافة الإسلامية، لا يعدم الهامش بل يعضده ويؤازره، فالتنوّع الجغرافي لعواصم الثقافة الإسلامية يؤكّد هذا المدى الشاسع الذي حظي به الإسلام على مرّ التاريخ حتى تغلغل في ثقافة تلك الشعوب دون أن ينفي أو يفصل تلك الشعوب عن أصولها الثقافية، وإنما بالعكس فالثقافة الإسلامية بمفهومها الواسع في هذه المدن قد تلوّنت بالخصائص الثقافية لتلك الحواضر، فأنت في انجامينا (تشاد) أو في جاكرتا (أندونيسيا) أو غيرها من عواصم الثقافة الإسلامية تلحظ بوضوح خصوصية محلية للثقافة الإسلامية فيها.  أمّا زمانياً، فإنّ الاحتفاء بهذه الحواضر الإسلامية في القرن الواحد والعشرين يتجاوز مركزية القرون الأولى للثقافة الإسلامية، وويتجاوز القول بأنّ أجمل زمان للحضارة الإسلامية قد ولّى وانتهى مع تلك الحواضر الكبرى والتاريخية لدى المسلمين، ذلك أنّ امتداد مشروع عواصم الثقافة الإسلامية للعقد الثاني على التوالي يؤكد أنّ عقارب الساعة لدى المسلمين يجب أن تتجه إلى الأمام لا إلى الخلف. والعودة إلى الوراء، إلى العصور الإسلامية الأولى، أو إلى «الزمن /‏ المركز»، كما يعتقد البعض، لا يجب أن تكون بمعنى التمجيد المطلق لذلك الزمن، والتبخيس التام لزمننا هذا، بل يجب أن تكون من باب الاستفادة من إيجابيات ذلك الزمن والاتعاظ من أخطائه من أجل زمان نحن نعيشه اليوم هو المركز الحقيقي لوجودنا، ومن أجل زمان مستقبل مضيء لأبنائنا.  إن الغاية البعيدة من الاحتفاء بعواصم الثقافة الإسلامية هو الحوار والتواصل الثقافي بين هذه العواصم وغيرها من عواصم العالم وحواضره ونشر ثقافة التسامح والتعايش سواء في المدن الإسلامية أو فيما بينها وبين المدن الأخرى من العالم. وعليه فإنّي اقترح أن يقع دعوة مدينة غير إسلامية لتحلّ بثقافتها ضيفا على عاصمة الثقافة الإسلامية، وأن تقوم الجاليات المقيمة خارج البلاد التي تحتضن عاصمة الثقافة الإسلامية المحتفى بها، أن تقوم بفعاليّات في بلدان إقامتها تعرّف بعاصمة الثقافة الإسلامية التي ينتمون إليها في بلدانهم الأصلية وذلك لضمان تحقيق الغاية من هذه الفعاليات ألا وهو الحوار الثقافي البَنّاء.

مشاركة :