قبل عدة سنوات مرضت مرضا غريبا أصاب أحد أطرافي السفلى فكنت لا أنام من شدة الألم، واستمر وضعي لعدة شهور لا أمشي ولا اتحرك، فقط كنت أتألم، احتار الاطباء في امري وأخذ الكل يستفسر عن وضعي، استخدمت حينها جميع الادوية الموصوفة وغير الموصوفة وذهبت لأكثر من مستشفى والوقت يمضي والألم يزيد والكل يفتي، فطبيب يقول عرق نسا والآخر روماتويد وامي بجانبي تسمعني وتبكي على كرسيها المتحرك وبدون صوت فقد فقدت صوتها من كثرة الجلطات وانا بجانبها أعاني بين الآهات. جلست على تلك الحالة سنه فمنهم من أفتى بإحضار شيخ يقرأ فربما كان ما أعانيه سحراً أو عيناً وآخر اتى بأدوية شعبية وأخرى طبية وأخي أخذ يسأل كل من يعرف عن حالة مشابهة لحالتي لعله يكون سبباً في إنقاذي من العذاب، فأتاه البشير يطرق الباب. قال له صديق، كان لي أخ ابتلي بنفس المرض ولم يستفد من أي علاج إلا عندما ذهبنا به لرجل يكوي فأتى أخي وكان متردداً بإبلاغي لأنه يعرف رأيي في تلك الأمور ولكن رغبته في مساعدتي تغلبت على تردده فقال أبشري هناك طبيب مشهور أعرفه لابد ان نذهب اليه حينها لم يكن يهمني لو قرر علي أن تقطع "رجلي" وأتخلص من الألم فما أجمل الراحة وما ألذ طعم العافية. حملني أخي وذهب بي الى ذلك الطبيب، وعندما وصلنا رأيت رجلاً عجوزاً جالساً وبجانبه نار وقطعة حديد وهذه كانت عدة الطبيب، فهمست في أذن أخي أهذا الطبيب؟ فنظر لي أخي نظرة تغني عن الكلام وقال لابد أن نجرب فلا عدت احتمل بكائك ولا أقوى على عذابك، فسكت فأمسك بي أخي كي لاأستطيع الفرار واحرقني الشيخ حرقة لا أنساها ابداً وشممت رائحة الجلد وأغمي علي فسقط رأسي علي كتف أخى وذهبنا بعدها للمنزل والجرح ينزف والألم يزيد والشكل مخيف. التهب الجرح بعدها وأدخلت المستشفى للمرة الرابعة ولكن هذه المرة مختلفة لأني ذهبت وأنا أعاني من مشكلتين المشكلة الرئيسة والمشكلة الأخرى وهي التهابات وخراجات في الجرح وتلوثه مما عرضني لأزمة قوية فلولا ستر الله لقطعت قدمي، وتلك معاناتي مع الكي تلقيت العلاج ومرت السنين وطوى النسيان الاحداث الماضية. ذات يوم وأنا أستقبل المرضى في العيادة دخلت علي امراة بسيطة ومعها طفلة جميلة تعاني من الإعاقة العقلية أتت كي أطبق عليها بعض المقاييس العقلية، فسألت الأم عن أمور كثيرة تفيدني في دراسه الحالة وسألتها ايضا باستغراب عن صحة ابنتها لماذا يبدو عليها الذبول والشحوب فقالت لقد حاولت ان اعالجها من الإعاقة الذهنية بجميع الطرق فلجأت لامراة تكوي لها صيت وشهرة كبيرة فكوت ابنتي في أجزاء متفرقه من جسدها الضعيف وبلغت تلك الكيات ثلاثين كية وللأسف الابنة تعبت كثيرًا وحالتها أخذت في التدهور فكشفت الأم عن جسد ابنتها كي ارى أبشع مارايت فبكيت لأجلها وتذكرت أني لم احتمل كية واحدة وأنا كبيرة فكيف بها وقد احترقت بثلاثين كية من النار، كلها علامات متفرقة تجسد الجهل والسادية والاستغلال، فما أبشع الاتجار واستغلال المرضى فمتى كان الخلل والإعاقة يعالجان بالنار؟ فالنار لن تزده إلا تخلفا وقبحا وخوفا ورعبا وفقداناً للأمان، ألا نحتاج لتوعية مكثفة للعاملين في المجالات الصحية وتوعية اكثر للبسطاء في جميع وسائل الاعلام عن خطورة الكي وماينتج عنه من آلام نفسية وجسدية وأثار؟، فليست هي الحالة الوحيدة التي رأيتها في عيادتي بل الكثير من الحالات المحزنة منهم من كانت اثار الكي في رأسه ومنهم في ظهره ومنهم من شمل جميع انحاء جسده، مجموعة حروق تعلن للعالم مدى تخلفنا نحن، علما بأن هناك الكثير من الاحاديث التي تنهانا عن الكي فمنها مايدل عن عدم محبته له كحديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ان كان في شيء من ادويتكم أو يكون في شيء من ادويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لدعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي) رواه بخاري ومسلم. وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: أن الملائكة كانت تسلم عليه، لانه لايكتوي، فلما اكتوى تركت السلام عليه، فلما ترك الاكتواء عادت تسلم عليه. رواة مسلم. والكي منهي عنه لما فيه من تعذيب للنفس وهو عقاب وليس علاجاً، وللأسف استخدم بشكل تجاري وبعشوائية وله من الضحايا الكثير جدا والحمد لله على تقدم الطب فلم نعد نحتاج الى الطرق البدائية المؤلمه والمكروهة. * أخصائية نفسية - مدينة الملك سعود الطبية
مشاركة :