روائيون: الجوائز الأدبية في الوطن العربي... غير مهمة

  • 10/28/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف المحيميد: العالم العربي لا يقدر الأدب لا شك أن الجائزة الأدبية هي تلويحة جميلة للكاتب، وهي رافد معنوي كبير في حياة الأديب وتجربته، ومن الطبيعي ألاّ يكتب المبدع نصه بحثاً عن الجوائز، لكنه حتماً يسعد بها حين ينالها، كنت دائماً أذكر أن المبدع يراهن على معايير مختلفة تجاه ما يكتب، القارئ، والناقد، والترجمات، والجوائز، فالعمل الذي يحظى بتقدير من مختلف هذه الأطراف، هو عمل جدير بالاحترام، وبالطبع شعرت كما الآخرين، بسعادة حينما حازت بعض أعمالي جوائز، فهي اعتراف من القائمين على هذه الجوائز، ولجان التحكيم فيها، بقيمة ما أكتب، سواء أكانت لجان تحكيم عربية أم أجنبية. وبعيداً عن الأوهام والتشكيك المستمر في لجان التحكيم يجب أن نتعامل مع الجوائز بهدوء وعقلانية، فلكل جائزة ظروفها، ولكل دورة من دورات هذه الجائزة ظروفها أيضاً، ولكل لجان تحكيم أهواء وذائقة أدبية، بمعنى أنه لا تخلو أي جائزة من أهداف وسياسات معينة، قد تحققها أعمال، ولا تحققها أخرى. ما زلت أعتقد بأن العالم العربي -للأسف الشديد- لا يقدّر الأدب بجميع أجناسه، شعراً وقصة ورواية، ولم يمنح المنجز الأدبي ما يستحق من اهتمام أسوة بدول العالم، ففي بريطانيا وحدها أكثر من 60 جائزة أدبية، عشرات الجوائز للرواية وحدها، كذلك الأمر في فرنسا والولايات المتحدة، بل حتى دول العالم النامي صنعت لها فضاءات أدبية لائقة، بينما في العالم العربي لا تجد فيه جائزة أدبية عريقة، كلها جوائز طارئة وخفيفة، جوائز غير متخصصة، غير واضحة الأهداف، بل حتى الجوائز الأطول عمراً، مثل جائزة سلطان العويس على سبيل المثال، لا تضيف للكاتب رصيداً قرائياً جديداً، إذ إن الإعلان عن اسم الفائز لا يعني ارتفاع معدل مبيعات كتبه، ولو لأسابيع فقط، كما في العالم، وإنما هي مجرد مبلغ مالي يسعد به الفائز، ينقذ به حالته من الفقر والحاجة، ولاسيما أن معظم الأدباء العرب، إن لم يكن جميعهم، هم من المحتاجين، لا يعيش أحد منهم من إيرادات كتبه، يندر أن تجد منهم من يتفرغ تماماً للأدب، كما هو شأن الأدباء في مختلف الدول المتقدمة. علي الشدوي: روايات ضعيفة فازت حين كتب يوسا وصاياه لروائي شاب نصحه بألا يلتفت إلى الجوائز؛ لأن الجوائز -في الغالب- تذهب إلى من لا يستحقها، وحين لم يفز ماركيز بجائزة تقدم إليها، سأل إن كان بورخيس عضواً في تحكيم الجائزة، ولما علم أنه لم يكن عضواً فرح؛ لأنه يعرف أن بورخيس فيما لو رفض روايته فهي فعلاً لا تستحق؛ لذلك هنأه أصدقاؤه لأن بورخيس لم يكن محكماً. أذكر هذين الموقفين لكاتبين مجدّديْن فازا بجائزة نوبل في الأدب؛ لكي أبين موقفي من الجوائز العربية. وسأقتصر هنا على جائزة البوكر أشهر الجوائز العربية وأهمها؛ لأن أي رواية من الروايات الفائزة بجائزة البوكر لم تكن لتستحق من وجهة نظري كقارئ أن تفوز بجائزة، فـ«واحة الغروب» جميلة، لكنها أقل من أن تفوز بجائزة، ورواية «عزازيل» عميقة، لكنها رواية هجائية وغير مهذبة تجاه بعض الأفكار، ومهمة الفن ومعه الجوائز ألا يتبنى أفكاراً على حساب أخرى، ورواية «ترمي بشرر» تتبنى مفهوماً بالياً للفن الروائي (الكشف والتعرية) ورواية «طوق الحمام» رواية منفوخة، لغتها غير فاعلة في مقابل اللغة الفاعلة التي تخلو من التّنميق وفخامة الأسلوب والتّحذلق والتأنّق والزهو. وكما يقول ديوجين، فالكتابة كجسم الإنسان يعد انتفاخ جسمه سيئاً. ومن قرأ الرواية يعرف إلى أي حد كانت لغتها منتفخة ولا تفي بالفكرة بأحسن ما يكون. ورواية «دروز بلغراد» لغتها ضعيفة جداً، وأخطاؤها في التركيب تغثّ القارئ، ولو أن المجال يتيح لي الفرصة لأوردت أمثلة كثيرة جداً، أما «ساق البامبو»، و«فرنكشتاين بغداد» فهما مثالان واضحان عن الرواية التي لا تعي ما تريد أن تقول، وكاتباها مثالان جليان للجيل العربي الذي يكتب من دون أي تصور للرواية. إنه يكتب فقط من دون أن يكون له تصور واضح عما يكتبه. ما كان لهذه الروايات أن تفوز لو أن المحكّمين كانوا على قدر كافٍ من التأهيل لقراءة الرواية. إن أفضل ما يمكن أن أختم به هذه المداخلة القصيرة هي أن يهتم الجيل الجديد بالكتابة، وأن يكتبوا من دون أن ينتظروا جائزة. وعليهم أن يعرفوا أن بورخيس وتشيخوف وجوركي وإيتماتوف ونابوكوف وبروست وجيمس جويس وتولستوي لم يفوزوا بجائزة نوبل، ومع ذلك فنحن نعرفهم ونتذكرهم ونقرؤهم، وهم خالدون بينما طوى النسيان كُتاباً آخرين فازوا بجائزة نوبل. سعيد الأحمد: علاقة المثقف بالسلطة علاقة الكاتب بالجوائز تشبه كثيراً علاقة المثقف بالسلطة، علاقة سرية يرفض الإفصاح عنها، بل إن كثيراً ما يعلن رفضه ونقده لها، ويتبرأ منها، ولا يتوانى عن الانتقاص ممن حصل عليها والتشكيك به وبالجهة المانحة، وما أن يأتيه الدور فجأة إلا وتبدلت وجهة نظره عنها، وأصبح يمجدها ويشيد بنزاهة الجهة المانحة، وكأن الجهة لن تنال شهادة النزاهة إلا من خلال ترشيحه هو شخصياً. ناهيك عن كل الألاعيب التي يمارسها الكتاب للترشح إلى هذه الجوائز، بدءاً باختيار وقت نشر أعمالهم بما يتوافق مع موسم الترشيحات، مروراً بتغيير خطهم الكتابي ليتوافق مع الجنس الأدبي المطلوب للترشيح، انتهاء باختيار الناشر الذي يملك السطوة والقدرة على ترشيح الأعمال. ويظهر ذلك جلياً من خلال تحول كثير من الشعراء وكتاب المذكرات والسير، بل حتى كتبة المعاريض إلى روائيين بعد أن تأسست جائزة البوكر للرواية العربية، وأعتقد بأن ذلك يشرح وضعنا العام المزري. بعيداً عن كل هذا الغثاء والألاعيب المخجلة، أنا شخصياً أنظر للجوائز بشكل إيجابي، إذ أرى بها تقديراً معنوياً رائعاً يشعر الكاتب بأهمية ما يقدمه، ويشعره بأن هناك من يحتفي بعمله في ظل عدم بحثنا ككُتاب عن أي مكاسب أخرى، وفي ظل اكتفائنا بمراقبة الناشر، وهو يقايض أحرفنا بخبز عياله وحجوزات فنادق إجازاتهم بالصيف. فالمثقف الذي ينتقد ويهاجم الجوائز لا يختلف كثيراً عن الناشر الذي يزعم بدقته في اختيار النصوص، ثم يتاجر بها على أرصفة المعارض والمكتبات تماماً كتاجر خردة جاهل لقيمة ما يعرضه. خالد المرضي: تأثير معنوي لا شك أن الجائزة، أي جائزة، هي فكرة نبيلة بحد ذاتها، غير أن الحديث عن الجوائز بما فيها الجوائز الأدبية غالباً ما يرافقه جدل عن أحقية الكاتب والعمل الفائز، لا نستثني من ذلك جائزة بحجم جائزة نوبل، هناك كتاب كبار لم يفوزوا بالجائزة، لكنهم يظلون كباراً بحضورهم وإبداعهم، فمن المعلوم أن ترجيح أي عمل يخضع لظروف مصاحبه معروفه، ثم إنه تقييم بشري في النهاية لا يمكن أن يصل إلى درجة ترضي الجميع، هذا من ناحية، إلا أن تأثير الفوز بجائزة هو محفز من دون شك، وهو بمنزلة التربيت على كتف المبدع، تقول الجائزة: أحسنت واصل الكتابة. لقد قمت بعمل جيد. وذلك ما يدفع الكاتب إلى المضي قدماً. أعتقد أنها مهمة خصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تقل فيها نسبة القراءة، والجائزة ربما قامت بتسليط بعض الضوء على العمل ليقرأ بنسبة متزايدة. بالنسبة إليَّ شخصياً، كان الفوز بجائزة أبها للرواية عن روايتي «مصابيح القرى» محفزاً للمزيد من الإبداع، لقد كانت تجربة أولى في كتابة الرواية، والجائزة لا شك أنها ذات تأثير معنوي إذا ما تم التفكير بها من تلك الزاوية.

مشاركة :