هاري ليتمان* يمكننا أن نتوقع سلسلة من التوابع والأمور المتضحة من لائحة الاتهام الصادرة يوم الجمعة، بحق 13 مواطناً روسياً وثلاث منظمات روسية تدخلت في انتخابات عام 2016. ولكن دعونا نستوعب أولاً أساس المعضلة: نحن متأكدون الآن أن الروس قاموا بحملة متطورة للغاية وكلفتهم مليارات الدولارات بهدف زعزعة استقرار النظام السياسي الأميركي. هل شهدت الولايات المتحدة هجوماً أكثر حدة أو أكثر خطورة منذ سلسلة هجمات 11 سبتمبر (أيلول)؟ لقد امتد هذا الجهد لسنوات. واعتبر الأجانب أنفسهم أميركيين وسرقوا الهويات. وقاموا بالتلاعب بمنصات التواصل الاجتماعي لزرع الفتنة. ومما لا شك فيه أن الاتهامات الأخيرة دليل يؤيد التحقيقات التي قام بها المحامي الخاص روبرت س. مولر الثالث، وينهي الجدال الذي كان يخوضه ضد الرئيس الأميركي دونالد ترمب والذي وصفه الأخير عبر «تويتر» «بالمطاردة الساحرة». ومنذ انتخابات 2016 إلى يوم الجمعة كان ترمب يصر مراراً على أن روسيا لم تتدخل في الانتخابات الرئاسية ووصف تلك المزاعم بـ«الخدع». وتوصل مولر إلى الخرق الذي أنشأته الإدارة الأميركية والكونغرس مع مرور أكثر من عام من التردد واللامبالاة في موضوع التدخل الروسي. واعتبر تقاعسهم وتغييرهم للموضوع مخزيين، وهذه ضربة حظ كبيرة للأمة لأن مولر كان قادراً على اختراق سيل من النقد غير المبرر. وهذا انتصار أيضاً لنائب وزير العدل الجنرال رود روزنشتاين، الذي أشار إلى أهمية الاتهامات التي صدرت، وذلك خلال مؤتمر صحافي يوم الجمعة. وكان ترمب قد هدد روزنشتاين علناً بإقالته وجعله كبش فداء حتى أكثر من مولر في بعض الطرق. وينبغي على الاتهامات التي صدرت يوم الجمعة أن تسكت كل تلك الاتهامات والهجمات المخزية. ولكن الرئيس وجد طريقة لتحريف تلك الاتهامات فوراً وكما كان متوقعاً. وقال ترمب عبر حسابه في «تويتر»: «بدأت روسيا حملتها المناهضة للولايات المتحدة في 2014 قبل إعلاني الترشح للرئاسة بفترة طويلة… لم تتأثر نتيجة الانتخابات… لم ترتكب حملة ترمب أي مخالفات – لا تواطؤ». إذن هو يعترف الآن أنه كان هناك بالفعل حملة معادية للولايات المتحدة؟ إن كان كذلك فهذا يعتبر نوعاً ما تقدماً. والتعليقات الأخرى زائفة. ولم يقل مولر والاستخبارات الأميركية قط ما إذا كان التدخل الروسي قد غير في نتيجة الانتخابات، وذلك لأنهما لم يتمكنا من معرفة ذلك. وفي الواقع، ونظراً للسرية في الانتخابات واستهداف الروس الواضح للأطراف المتنازعة والمتساوية تقريباً في مستوياتها، فحتى لو «تأثرت نتائج الانتخابات»، فسيبقى العلماء السياسيون والناس يناقشون هذا الموضوع دون الوصول إلى أي نتيجة مهما طال نقاشهم. وكان هناك بالتأكيد عمل متضافر، وربما «تواطؤ»، على الرغم من أن لائحة الاتهام الصادرة يوم الجمعة لم تتحدث إلا عن العلاقات «غير المرغوب فيها» بين المواطنين الروس وموظفي ترمب. وبالإضافة إلى ذلك، لم ينته الأمر عند هذا الحد، والمستقبل يحمل المزيد من التطورات في هذا الخصوص. والأكيد أننا لا نعرف سوى جزءٍ صغيرٍ جداً مما كشفه مولر. وغالباً ما تكون أفضل ممارسة للادعاء – والتي يجسدها مولر– هي إخبار قصة هيكلية في لائحة الاتهام والاحتفاظ بالتفاصيل لاستخدامها في المستقبل. ما الذي قد يحدث بعد ذلك؟ أضافت أخبار يوم الجمعة ضغطاً على ريك غيتس، وهو موظف في حملة ترمب 2016. والذي يُقال إنه وصل إلى المراحل النهائية من التفاوض على صفقة مع مولر. وقد يكون غيتس، جنباً إلى جنب مع مدير الحملة السابق بول مانافورت، على علم بالعلاقات الرسمية أو شبه الرسمية مع عملاء روسيين، أو باللهو والصخب المالي بين منظمة ترمب وروسيا والتي يعود تاريخها إلى سنوات كثيرة. وأي اتفاق تعاون بين غيتس ومولر يتطلب من غيتس الكشف عن كل ما يعرفه عن هذه الموضوعات. ولأنه لا يدري ما يعرفه مولر أكثر عن هذه القضية، فمن الأفضل أن لا يخفي أي أمرٍ عنه. كما أن لوائح الاتهام ستغير دينامية صهر ترمب جاريد كوشنر وابنه دونالد الابن، اللذين أصرا طويلاً وعلناً على أنه «لا يوجد شيء مخبأ في هذا الخصوص». ولم يعد بإمكانهم رفض طرح موضوع تدخل روسيا واعتباره غير منطقي. وقد تم الكشف عن اعتداء خبيث على الانتخابات الأميركية الحرة. فهل ستستيقظ القيادة السياسية للبلاد وتتعامل مع التهديد وهي مسلحة بالمعلومات التي كشفها مولر؟ ولا يمكن لأحد عقلاني أن يشكك في خطورة الهجمات وحتمية التخلي عن التحيز السياسي للتصدي لها. * هاري ليتمان: محام سابق في الولايات المتحدة ونائب مساعد المدعي العام. ويدرّس في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو للعلوم السياسية وقانون الممارسات في كوستانتين كانون.
مشاركة :