أكدت الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، أمس، استعدادها لإخلاء مقاتلي «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، وعائلاتهم من المنطقة، بعد 15 يوماً من دخول وقف إطلاق النار، الذي أعلنه مجلس الأمن الدولي حيز التنفيذ الفعلي. في وقت شهدت الهدنة الإنسانية القصيرة، التي أعلنتها روسيا في الغوطة، أمس، انتهاكات عدة، مع مواصلة قوات النظام قصفها على المنطقة المحاصرة، وإن بوتيرة أقل من الأيام السابقة، فيما لم يسجل خروج أي من المدنيين عبر «الممر الإنساني»، بينما ربطت موسكو مستقبل الهدنة بموقف الفصائل المقاتلة. 560 مدنياً قتلوا بعد تسعة أيام من القصف العنيف على الغوطة الشرقية. وأعلنت فصائل «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» و«حركة أحرار الشام»، في بيان مشترك، وجهته إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن «التزامنا التام بإخراج مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام و(جبهة النصرة) و(القاعدة)، وكل من ينتمي لها، وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق، خلال 15 يوماً من بدء دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي». ويشكّل «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» الفصيلين الأكثر نفوذاً في المنطقة، وشاركا في جولات التفاوض السابقة في الأمم المتحدة. واقترحت الفصائل أن يتم ذلك «وفق آلية يتم الاتفاق عليها خلال الفترة نفسها، وبالتعاون مع مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية». وأكدت الفصائل رفضها أي «تهجير للمدنيين أو ترحيلهم». ويطلب قرار مجلس الأمن الدولي، الذي صدر ليل السبت الماضي، من «كل الأطراف وقف الأعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً متتالية على الأقل في سورية، من أجل هدنة إنسانية دائمة»، لإفساح المجال أمام «إيصال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم، وإجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة». ويستثني القرار العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة»، في إشارة إلى «هيئة تحرير الشام»، وكل المجموعات والأشخاص المرتبطين بها. وتزامن صدور البيان مع بدء هدنة «إنسانية»، أعلنتها روسيا لخمس ساعات في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، سرعان ما تم خرقها مع إعلان المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل طفل وإصابة سبعة مدنيين على الأقل بجروح، في قصف لقوات النظام على بلدة جسرين، بالتزامن مع غارات عدة على مناطق أخرى. وأفاد المرصد عن غارات وقصف بالبراميل المتفجرة والقذائف، استهدف 10 بلدات ومدن على الأقل، خلال ساعات الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ عند التاسعة بتوقيت دمشق، واستمرت حتى الثانية بعد الظهر. وأكدت الأمم المتحدة استمرار المعارك أمس. وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركي، للصحافيين في جنيف، «القتال مستمر وفقاً للتقارير الواردة إلينا من الغوطة الشرقية، ولايزال من المبكر الحديث عن أي عمليات إغاثة للمدنيين، في ظل تواصل الاشتباكات». وبعد تسعة أيام من قصف عنيف أودى بحياة أكثر من 560 مدنياً في هذه المنطقة المحاصرة، أعلنت موسكو، أول من أمس، عن هدنة إنسانية يُفترض أن تطبق يومياً لمدة خمس ساعات، على أن يُفتح خلالها «ممر إنساني» عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرق مدينة دوما، لخروج المدنيين، وفق الإعلان الروسي. وأكد المرصد أنه لم يسجل عبور أي مدنيين خلال ساعات الهدنة عبر هذا المعبر، فيما أفاد الإعلام الرسمي السوري باستهداف المعبر بخمس قذائف «لمنع خروجهم (المدنيين) ومواصلة استخدامهم دروعاً بشرية». واتهم الجيش الروسي أمس، المقاتلين بأنهم أطلقوا النار على الممر الإنساني بعد فتحه، ما جعل من الصعوبة بمكان إجلاء المدنيين والجرحى، وتسليم مساعدات إنسانية. وقال الجنرال الروسي فلاديمير زولوتوخين، في تصريح أوردته وكالات الأنباء الروسية قبل 30 دقيقة من انتهاء الهدنة «لم تحصل أي عملية إجلاء»، واصفاً الوضع الميداني بأنه «صعب». وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، يولاندا جاكميه، لـ«فرانس برس»، رداً على سؤال عن خروج مدنيين «على حد علمنا، لا»، موضحة أنه «لم تحصل أي من قوافلنا على الضوء الأخضر حتى الآن». وأوضحت أنه «بحسب القانون الإنساني الدولي، يجب التخطيط جيداً للممرات الإنسانية وتنفيذها بموافقة جميع الأطراف، وليس من طرف واحد فقط». في السياق، ربط «الكرملين»، أمس، مستقبل الهدنة الإنسانية اليومية التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الغوطة، وانتهكت، بموقف الفصائل المقاتلة، و«استفزازاتها». ورداً على سؤال عن احتمال زيادة الساعات الخمس اليومية المقررة، أجاب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، ان «ذلك رهن بطريقة تصرف المجموعات الإرهابية، ما إذا كانوا سيواصلون إطلاق النار، ما إذا كانوا سيواصلون استفزازاتهم». وقال إن روسيا ستواصل مع ذلك «العمل من أجل تطبيق قرار» مجلس الأمن الدولي. من جهته، شدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على ضرورة «التحقق عملياً إلى أي مدى تتفق تأكيدات المجموعات المسلحة احترام قرار الأمم المتحدة مع نواياها». وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي جان - إيف لودريان، «نأمل أن يتحمّل من لهم نفوذ على المعارضين الذين يواصلون قصف دمشق، مسؤولية إقناعهم بضرورة تطبيق القرار». بدوره، اعتبر لودريان أن الساعات اليومية الخمس للهدنة «ليست كافية»، حتى لو أنها تمثل «تقدماً حقيقياً». وأضاف «تجب الاستفادة من هذه الهدنة لاستئناف الحوار تحت إشراف الأمم المتحدة». ودعا النظام السوري إلى «القبول» بالهدنة الإنسانية التي أعلنتها روسيا، معتبراً أنها تشكل فرصة «لاستئناف الحوار». وقال إن «الفصائل الثلاثة الرئيسة الموجودة في الغوطة الشرقية (فيلق الرحمن وجيش الإسلام وأحرار الشام) أبلغت للتوّ مجلس الأمن الدولي قبولها بالهدنة الإنسانية. من المهم أن يقول نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد هذا الأمر أيضاً»
مشاركة :