قدم الملتقى الثقافي ضمن البرنامج الثقافي بجمعية الثقافة والفنون محاضرة بعنوان “استشراف المستقبل في الرواية” قدمتها الكاتبة الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري، وأدارت الحوار الإعلامية الأستاذة ميسون أبوبكر التي استهلت قائلة: “كان ياما كان” كافية هذه الاستهلالية أن تجذب كل حواسنا وانتباهنا لحكاية ما، وما أدراك إن كانت الراوية امرأة، وقعت في مساحة من الضوء والدهشة على صفحات من نزيف حبرها، وبوح أعماقها! ضيفتي الليلة وجدت في الرواية متسعا من الحياة والحركة، فتارة كانت كفراشات الحقول تبحث عن أزهار زاهية، وتارة تتحول إلى نحلة فيها الداء والدواء. حكاية بنت اسمها ثرثرة، ورجل لا شرقي ولا غربي، وتوقيع سيدة محترمة، وخارطة الضوء، وهاشتاق (وسم)، والمهاء وغيرها هي بنات أفكارها، ورواياتها التي سافرت أجنحة ورقية بيضاء إلى غابات من الدهشة تارة، وحقول من الألغام تارة أخرى، وفضاءات من الفرح تارات. شهد الغربيون لحكايا العرب بالخيال المجنح، والأجواء السحرية وسعة الخيال، فقد صرح فولتير أنه لم يكتب القصة إلا بعد أن قرأ “ألف ليلة وليلة” أربعة عشر مرة! وستندال يتمنى أن يمحو الله من ذاكرته ألف ليلة وليلة حتى يعيد قراءتها فيستعيد لذتها! ثم انتقل الحديث للمحاضرة ومما قالته الدكتورة زينب الخضيري: أن النص الروائي نص ثقافي مدهش، من خلال فنياته وجمالياته نستطيع استيضاح الفكرة التي تأسست من أجلها، وهو عبارة عن كبسولة تختزل للقارئ حياة متعددة لبشر وشخصيات مختلفة في فترة زمنية محددة يتخللها قضايا وإشكالات تخص الماضي والحاضر وقد تستقري المستقبل لذلك المجتمع الذي تدور أحداثها فيه. فالرواية لها قدرة على وصف المشهد الإنساني والتعبير عن المكان والإحساس بالزمن، ولأن الرواية على حد تعبير بول ريكور هي “كينونة زمنية يسجل من خلالها الكاتب زمنه النفسي في الزمن الكوني” كان المستقبل هو زمن الانتظار والاحتمال وعالم الغيبيات التي تقلق الإنسان، وهو زمن الأمل واليأس في نفس الوقت، وهو زمن مهم لبناء توقعات واستشراف القادم من المستقبل. والسؤال الذي لطالما شغلني هو لماذا يفر الروائي إلى المستقبل ؟, وما هو دور الرواية في بناء توقعاتنا للمستقبل لذلك جاءت هذه المحاضرة لتجيب عن هذا السؤال الكبير. واستمرت المحاضرة وتلتها المداخلات ومنها مداخلة الكاتب محمد الحمزة الذي قال:الكتابة في استشراف المستقبل سواء الكتابة الأدبية في الرواية أم كتابة الدراسات والبحوث تتطلب مهارات وقدرات عقلية وفكرية بالإضافة لسعة الثقافة وسعة الاطلاع وبعد النظر.. لماذا يتهرب الكثير من الأدباء والباحثين العرب من الكتابة في استشراف المستقبل؟ أما الأستاذ تركي السديري فتساءل هل الاستشراف من متطلبات الرواية؟ وأليس الاستشراف موهبة؟ ثم إن هناك العديد من الروايات ليس لها علاقة بالاستشراف ولكنها رائعة. وتحدثت د. سعاد المانع عن رسالة الغفران لأبي العلاء المعري وعلاقتها بالحديث عن العالم الآخر أي استشراف عالم الغيب. وقالت د. ميساء الخواجا: تصوير العربي عند واسيني هو تصور متخيل، وتصور أيديولوجي في الوقت نفسه، وأظن أنه يطرح رؤية حول الطريقة التي يدمر بها العربي ذاته ومستقبله؛ هذه هي الرؤية الاستشرافية، وهي رؤية الكاتب، وليس بالضرورة أن يرتبط ذلك بوجهة النظر داخل الرواية التي يقدم الحدث من خلالها، الغرب أو الحلفاء، وهذه هي صورة العرب، فهناك استشراف خارج الزمن الحكائي، واستشراف داخل الزمن الحكائي ويخص مستقبلها، وداخل النص الروائي, واستشراف زمني محدد، وهو رؤية مفتوحة كما في المتشائل، وهذا يعطي نهاية تميز الرواية التدميرية أو الإنسان المعزول عن الواقع من العنوان. وأما الأستاذ صلاح غابري فقال: إن كمال الأدبية في بعض جوانبها ابتكارات لعوالم اجتماعية بديلة للعالم الاجتماعي الحقيقي، فالروائي حالم وهو يتخيل عالما أجمل على مستوى المثل والأخلاق، والسلوك، والقيم، ويكون ذلك عبر توظيفه لجمال اللغة والتخيّل, الأدب يمنح الفاعل السياسي أبعادا جديدة، ويمنح لهم أفقا أوسع لممكنات ويضيئون لهم عتمات لم يكن بمقدورهم رؤيتها. فيما أشار الأستاذ سامي العريفي: لأهمية عدم الاستسلام للواقع المؤلم العربي حاليا وأن الثورات الأوروبية أفرزت تطور هذه الأمم مثل الأمة الألمانية التي نهضت بعد حرب الثلاثين عام والتي انتهت عام 1648م، كذلك استغرب سوداوية الروائي واسيني الأعرج في نظرته لمستقبل العرب في روايته التي تناولتها المحاضرة كنموذج على الاستشراف رغم أن اسمه واسيني! وأما مازن عائض الجعيد فقال: روايات الاستشراف هي أمنيات مؤلفيها، فلو كتبت على أسس علمية لوصلت لنتيجة واحدة، لكن تناقضها دليل على أنها مجرد أمنية, وتمنى أن تعرض هذه الروايات على مختص في المستقبليات للحكم عليها! واستمرت المداخلات وأجابت د. زينب عليها بأنها قدمت رؤية خاصة كونها قارئة مهتمة بالرواية وكاتبة قصة، وأحالت بعض الأسئلة للمختصات بالنقد الحاضرات كالدكتورة ميساء الخواجا التي تحدثت عن الموضوع، كما كان للروائية أميمة الخميس مداخلة قالت فيها موجها حديثها للدكتورة زينب: وأنت تتحدثين تبادر إلى ذهني خماسية عبدالرحمن منيف مدن الملح، ما ينتظمها استشراف للمستقبل برؤية وحدس كان فيه الكثير من السوداوية، وكأن هذه التجربة الخليجية، أو تجربة الجزيرة العربية في تماسها مع الحضارة هي محكومة بمصير الملح والذوبان والتلاشي، هذه النظرة السوداوية لم تتحقق وعلى العكس أصبحت هناك نهضة على مستوى آخر ولكن هذا لا يحجب القيمة الفنية الكبرى لأعمال منيف، فهي من الأعمال الخالدة في الأدب السعودي، فهنا أعتقد أن الحدس قد يصيب وقد يخيب من المشهد، لكن القيمة الفنية لا تتداخل بشكل كبير مع العمل الفني. ورفضت الحديث عن روايتها الجديدة التي ستكون عنوانا لورقة قادمة لها في الملتقى الثقافي. ومن الجدير بالذكر أن المشرف على الملتقى الثقافي الدكتور سعد البازعي كان قد أشار في حديثه عن الاستشراف عبر حسابه بتويتر قائلا: إذا استثنينا الأعمال التي تتوجه للمستقبل بتوقعات معينة كالاكتشافات، فإن كل الأدب الجاد، السردي بشكل خاص، استكشاف للمستقبل حتى وإن لم يبن عن ذلك بشكل مباشر؛ فهو إما رؤية لواقع يجب تغييره أو قادم نتطلع إليه. الأدب الهش هو الذي يفتقر إلى تلك الرؤية أو يطرحها بمباشرة هشة، وأثنى على رواية مسرى الغرانيق في مدن العقيق للكاتبة أميمة الخميس والجهد المبذول فيها وأن ما تفعله أميمة يواصل ما ابتدأه منيف في مدن الملح لكن من زاوية أكثر معرفة بتاريخ المنطقة، وأكثر حميمية في تناول شخوصها، وأيضا أكثر اتكاء على العمق الثقافي الفكري والتاريخي.
مشاركة :