ماذا كتب أبناؤنا فوق أول صفحة في دفاترهم ؟ هل ستضيء أصابعهم شموعا وهم يعالجون أقفال بوابات المعرفة؟ هل ستتحول أصابعم إلى سرب قطا يخاتل الينابيع ويجول في آفاق بكر لم يطأها أنس ولاجان؟ ماذا سيكتبون فوق الصفحة البيضاء المسالمة الصامتة، هل ستشعر أصابعم بالغربة مع الورق بعد أن اعتادت التقافز فوق مفاتيح الأجهزة الذكية ؟ هل سيكتب أبنائي أمرا مختلفا عما كتبته أنا في يومي المدرسي الأول؟ هل سيتسرب إلى الصفحة أمر جديد مدهش ومثير يربك ذلك النمط الذي يعيد ويجتر نفسه عاماً إثر الآخر ؟ هل سيحل أمر طارئ يحفز في أعماقهم الفضول والشوق المعرفي؟ الصفحة البيضاء المسالمة...التاريخ في الركن العلوي الأيمن، ومن ثم ترويسة عنوان الدرس وتحتها سطر...ومن ثم ملخص الدرس الذي تصطف جمله ككتيبة عساكر متجهمة، يعرف الطلبة بأنها ستطوقهم ليلة الامتحان بشكل غير ودود شرس وستطلب منهم استرداد جميع ماكان يُحشى في أوردتهم وعروق أدمغتهم أثناء اعتقالهم داخل الصفوف المكعبة. المعرفة هي مغامرة كبرى يخوضها الانسان منذ شهقات الهواء الأولى، المعرفة هي النار المقدسة التي لطالما ربطتها الشعوب والحضارات بالقوة والسيطرة والتمدن... المعرفة هي حرية وآفاق جديدة وشغف لاينقطع لمعالجة أقفال المجهول.... فكيف حولنا تلك المغامرة الكبرى إلى تلك الغريفات المصمتة ذات الهواء الخانق التي تسمى... صفوفا ؟ نسوق أبناؤنا إليها كل صباح فنقولب ملكاتهم وطاقاتهم، مواهبهم وخصوصيتهم الإبداعية التي تمايزوا بها عن من سواهم. نجعل مقياس التفوق والنجابة بعدد الأسطر المذعنة التي سيسكبونها على الورقة تحت تهديد وإرهاب درجات الامتحان، فيصبح المتميز الخارق هو الذي تستطيع ذاكرته التصويرية استنساخ أكبر عدد من صفحات الكتب... لينال الدرجات العلى ... النشاط اللاصفي مع الأسف شبه معدوم في مدارسنا فعدى حصتين في الأسبوع على الغالب يستلفها بعض الأساتذة لتغطية مالم يغط في الحصص الرسمية. هل هناك حصة في الجدول المدرسي للانسان المتعدد ؟؟...بدلا من القوالب التي تخرج صفوفا من المتطابقين المتاشبهين بعد أن قصقصنا وشذبنا أحلامهم ودجنا فضولهم المعرفي وصنعنا منهم نسخا باهتة بلا توق للمعرفة، وبلا اعتزاز باختلافهم وتميزهم. ابني عندما يدرس (الهاي سكول) في الولايات المتحدة، قبل أن تبدأ الدراسة باسبوعين طلبوا منه أن يختار فريق الرياضة التي سيشارك بها، ومن ثم انخرط بتدريبات جدية متواصلة يوميا، وجو منضبط ودوري منافسات على مستوى الولاية، ومن ثم الولايات جميعها، هذا بالاضافة إلى قائمة من الأنشطة المرادفة المتاحة له إذا أراد أن ينخرط بها.... من رسم، موسيقى، تصميم جرافيك، دراما، إخراج أفلام قصيرة، مسرح وخطابة، وقائمة طويلة لا أذكرها...ولكن حتما ستستثمر حيويتهم، ستفتق التوهج، ستصقل المواهب وحتما ستختصر حيرة ماقبل الجامعة. سيبدو الحديث عن جميع ماسبق ترفا ولغوا لأننا محليا مابرحنا نراوح في مرحلة إنقاذ البنى التحتية للمدارس وتخليصها من المباني المستأجرة. ولكن أيضا قد يكون فيه إجابة لتعثر فرقنا الرياضية دوما في المحافل الدولية بسبب غياب الاحتراف والتأهيل المبكر عن مدارسنا.... وقد لايقتصر الأمر على المواهب الرياضية ولكن عموما خريج الثانوي يندرج في سوق العمل بلا معارف أو مهارات أو خبرات، وعندما يعجز عن الحصول على وظيفة، حلنا المقدم له هو تحويله إلى قضية اجتماعية...إما في برنامج الثامنة مع داود أو في (هشتاق) غاضب على مواقع التواصل.... كل عام وأنتم بخير...وعام دراسي جديد...لكن لن أستمر بالسؤال عن ماذا كتب في الصفحة الأولى من دفاتر أبنائنا...فلا أعتقد أن هناك جديدا.
مشاركة :