من أبرز أعمال الدراما المصرية التي عرضت أخيراً مسلسل «كلبش»، خصوصاً أنه جمع جاذبية الموضوع بحبكته البوليسية وما حملته من شحنات التشويق وقوة أداء ممثليه وبخاصة أمير كرَارة، وبالطبع الحلول الإخراجية الجميلة والرشيقة التي جعلت مشاهدته تحمل الكثير من المتعة. «كلبش» أراده محققوه مسلسلاً من جزء واحد ينتهي مع عرض الحلقة الثلاثين والأخيرة، لكن النجاح الضخم الذي حققه عرضه الأول في رمضان ووضعه في رأس قائمة الأعمال الدرامية المصرية الأخرى، دفع بصانعيه لاجتراح جزء ثان يجري تصويره هذه الأيام ليعرض في رمضان المقبل. هو بالطبع استثمار لنجاح نعتقد أنه مضمون بسبب من قوة موضوع المسلسل وأجوائه والمناخ الاجتماعي الذي جرت فيه أحداثه، وهي في طابعها العام مناخات المجتمع المصري في هذه الأيام. هي دراما المواجهة الشرسة –غالباً– مع وقائع وحقائق باتت تلعب دوراً أساسياً في الحياة اليومية للناس. وهي وقائع تخلق إحباطات كبرى، خصوصاً حين تتعلق بدور الفرد وعزلته في مواجهته لأسباب الخيبات والفشل التي يواجهها المجتمع ككل ويدفع ثمن وجودها واستمرارها. الدراما هنا تبدو في عين العاصفة وهي تتناول بالتشريح والعرض العلني ما يقع عادة في خلفية المشهد العام من أسباب وبواعث فيها الكثير من صور المرارة وخيبة الأمل بل وحتى ما يدفع إلى اليأس. في مساحة اجتماعية كهذه تصبح الدراما في موقع مختلف إلى حد بعيد عن مألوف موضوعاتها وقضاياها التي تتناولها عادة، وهي بكلام آخر تذهب مباشرة وفي شكل صادم نحو المسكوت عنه وغير المقروء في العناوين العلنية للإعلام المكتوب والمرئي وإن ظهرت بأشكال مبعثرة وإلى حد كبير متناقضة ومشوشة في مواقع التواصل الاجتماعي. «كلبش» رهان فني– فكري على قراءة القسوة بأدوات فنية جمالية قادرة على كسر رتابة تقليدية تحيط بالأعمال الجادة، بخاصة تلك التي تعالج مشكلات ومعضلات كبرى من خارج عناوينها الرئيسة، بل من خلال التحديق في جزئياتها التي تبدو صغيرة أو جانبية لكنها في الحقيقة تشتمل على أسباب كبرى لمعضلات كبرى يعيشها المجتمع.
مشاركة :