بيروت – أنديرا مطر | الدعاوى القضائية، والتهديد، والتخوين التي يتعرض لها اعلاميون واعلاميات، وحتى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، باتت تطرح سؤالا حول مصير حرية التعبير في لبنان، وتندرج ضمن محاولات كم الأفواه عبر تضييق حرية الاعلام وتدجينه وجعله ناطقا رسميا باسم العهد وسلطاته. توالت الدعاوى القضائية في الفترة الأخيرة في حق عدد من الاعلاميين والاعلاميات، لمجرد انهم أبدوا رأياً، أو التزموا بالصمت تجاه رأي آخر على غرار ما حصل مع الإعلامي مارسيل غانم. وقبل أسبوعين تحولت تغريدة للاعلامية ديانا مقلد الى حديث البلد لكونها «استفزت»المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، الذي لم يعد في وسعه استعمال الأجهزة الأمنية كلما استُفز، فلجأ هذه المرة الى القضاء ليحاكم كل من تجرأ على انتقاده. ويقول قسم كبير ممن عاشوا مرحلة الوصاية السورية ونظامها الأمني اللبناني – السوري المشترك ان مجرد لجوء السياسي او المسؤول الى القضاء للفصل في نزاعه مع الإعلامي هو خطوة متقدمة مقارنة بما كان يجري سابقا من خلال ملاحقة بعض الكتاب والصحافيين وتهديدهم بشتى الوسائل. النساء الإعلاميات وإذا كانت الدعوى ضد الإعلامي تنحصر في مضمونها وتبقى في إطارها القضائي البحت، غير أنها مع النساء العاملات في المجال الإعلامي تأخذ أبعادا ودلالات أخرى، تستعمل فيها كل الأسلحة بما فيها المس بشرفها وكرامتها وحياتها الخاصة. تكفي نظرة سريعة الى صفحات الإعلاميات ديما صادق وديانا مقلد وجيسيكا عازار ومي شدياق، على مواقع التواصل الاجتماعي ليعرف القارئ الى أي درك وصلت الأمور في لبنان. تلقى الاتهامات ضدهن جزافا لمجرد الاختلاف معهن في الرأي. يغيب مضمون الرأي الخلافي وتحضر الاعلامية بوصفها جسدا، وتتحول إلى فتاة ليل تشترى وتباع، و»سلعة» ترويجية للمحطة التلفزيونية التي تعمل فيها. هذا جزء من تصور عام للمرأة في مختلف ميادين العمل، لكن المرأة في الحقل الإعلامي هي مركز الضوء ومحوره، وتسهل محاربتها، لا سيما ان السنوات الأخيرة كرست تصورا عاما للإعلاميات الموجودات في صدارة المشهد الإعلامي اللبناني، يعتبر أنهن لم يصلن إلى مواقعهن نتيجة خبرات مهنية وقدرة إعلامية، انما بسبب «موهبة» إعلانية ونتيجة جمالهن وعلاقاتهن العامة. لم يعرف عن مقدمة الأخبار في محطة «ام. تي. في» سابقا أي آراء سياسية حادة، فهي تتجنب الإفصاح عن رأيها لأنها تعمل في محطة يشاهدها جمهور لبناني متعدد الانتماءات، وهي «لا تحب ان تجرح أحدا». لكن إعادتها نشر تغريدة الإعلامية مقلد على صفحتها في الفيسبوك، وضعها في الضوء، إذ استفزت اللواء السيد، فأرسل لها إنذارا بوجوب حذف التغريدة والا سيحاسبها. تقول عازار ان السيد لا يزال يعتقد انه يعيش ما قبل 2005 (حين كان لا يزال مديراً عاماً للأمن العام) ولكن الزمن تغير. اكثر ما أزعج عازار واستفزها هو خروج النقاش عن اطاره ليتحول الى نقاش عن الكرامة والشرف «من يطمح الى منصب عام عليه ان يتحمل النقد السلبي. وما جاء في تغريدة مقلد نقد سلبي، ليردوا عليي بالسياسة وليس بالشرف والكرامة». وكان نجل اللواء جميل السيد، الذي ترشح أخيراً إلى المقعد النيابي، كتب تغريدة مهينة وصف فيها عازار بأنها فتاة ليل تبناها زعيم لبناني «لم يستطع الانجاب»، ردا منه على اتصال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع معلنا تضامنه مع عازار. هذه النظرة الى المرأة – لاسيما التي تعمل تحت الضوء وفي الضوء، تحلل وتناقش وتجرؤ على السير بعكس التيار، ولديها قدرة على إيصال رأيها الى شريحة واسعة من الجمهور – يتبناها قسم كبير من بيئة متراصة ومؤدلجة ومنغلقة تحصر المرأة في إطار المنزل. والغريب ان هذه النظرة الى المرأة ليست حكرا على عامة الناس، بل هي جزء من ذهنية عامة مكرسة حتى لدى من يمتلك حضورا ثقافيا وإعلامياً او من تولى منصباً يتطلب حدا من الثقافة والأخلاق. محللون وصحافيون يملؤون الشاشات لا يتورعون عن الغمز واللمز تجاه زميلات لهم عند أول مسألة خلافية معهن. فيرشح الى العلن ما يتداولونه من إشاعات عن علاقات زميلاتهم الخاصة في مجالسهم الخاصة. «جنة المرأة منزلها»! قبل نحو شهر عقدت ندوة حوارية تحت عنوان «دور الأحزاب السياسية في تشجيع تمثيل النساء في انتخابات 2018»، شاركت فيها الدكتورة ريما فخري كممثلة عن «حزب الله» وخلال الندوة عبرت فخري عن رأيها، وبالتالي رأي حزبها في قرار مشاركة المرأة في الحياة السياسية فاعتبرت أن «على المرأة واجب المشاركة، حيث يجب أن تكون. ولكن عمل النائب يتركز على العمل الخدماتي والاجتماعي ما يتطلب خروج دائم عن حياة الأسرة. وأما المرأة فمطلوب منها أن تربي أجيالاً ما يأخذ من وقتها وحركتها ونحن نتحفظ على ترشيح سيدة». هذا رأي عام يتبنى شعار «جنة المرأة منزلها» مع بعض التسامح في تخطي عتبة البيت أمتارا قليلة، ولكن من دون أن يعيقها ذلك عن الدور المناط بها أساسا وإلا ستكون عرضة للاستهداف. وقبل أشهر انزعج وزير معني بشؤون المهجرين والنازحين في لبنان من الحاح إحدى الإعلاميات في اتصال مباشر معه للحصول على جواب حول ما اذا كان رئيس الحكومة سعد الحريري قد تم احتجازه في الرياض، فلجأ الى رد سوقي بدعوتها للانضمام اليه في الفندق. السخرية محرّمة لا تنفي الإعلامية ديانا مقلد ان هناك محاولات لتضييق مساحات محدودة اصلا للتعبير.. وتقول لـ القبس: لا شك أننا بتنا نشعر في الأسابيع الاخيرة ان هناك من لم يعد يحتمل سخرية أو نقدا على نحو أكثر من السابق. في الاساس يجب أن نكون جميعا مع القانون، لكن المشكلة في لبنان ان قضايا حرية التعبير والقدح والذم تندرج ضمن قانون العقوبات وليس القانون المدني ولم تتطور القوانين لتلائم العصر والانفتاح والحرية التي نحتاجها. في الاساس من حق الجميع اللجوء الى القانون، لكن استغلال القانون بات العنوان عدا عن ان القانون تعتريه نواقص كما قلت. والمعادلة عندنا مقلوبة. ففي الغرب المسؤول او اي شخصية عامة عرضة للنقد والسخرية. وهذا امر يكفله الدستور ونادرا ما تلجأ تلك الشخصيات لمقاضاة من يسخر منها او ينتقدها في الاعلام، حتى لو كان ذاك بدرجات عالية. عندنا لا يحق للمواطن التذمر، بل يلجأ مسؤولون كبار في الدولة لملاحقة ناشطين واشخاص قالوا رايا وتعليقا على السوشيال ميديا او عبر الاعلام. وهذه اعلى درجات ضيق الصدر والعقل أيضا. نعم هناك ممارسات باتت مقلقة في لبنان. وتضيف مقلد: أما عندما نتحدث عن استهداف الصحافيات او الاعلاميات او النساء في الحقل العام عبر حملات او ملاحقات فتلك قضية ثانية. ما ان تعلن صحافية او اعلامية او شخصية نسائية موقفا قد لا يروق للبعض حتى تبدأ الحملات لتنال من أنوثتها وتحاول تحطيمها على المستوى الشخصي والجندري وليس على مستوى التعليق. هناك الكثيرات ممن قررن الابتعاد عن السوشيال ميديا والحقل العام بسبب ضغط مثل تلك الحملات التي لا رادع لها والتي تنتشر بسرعة مخيفة.
مشاركة :