بسام درويش يكتب: المسكوت عنه في ملف المصالحة الفلسطينية

  • 3/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يركز المتحاورون في ملف المصالحة على قضايا الخلاف وفق أجنداتهم الخاصة. فمثلا تصر حماس على حل معضلة الموظفين الذين عينتهم بعد عام 2007 بالإضافة الى عدم الاقتراب من بنيتها الأمنية والعسكرية كمدخل لإنجاز المصالحة. في حين تشدد فتح على ضرورة تمكين حكومة الوفاق في جميع المجالات، فالوزير  يجب أن يمارس صلاحياته في غزة كما يمارسها في الضفة. وفي التفاصيل تطالب بتمكين الحكومة من تحصيل الجباية واستلام الأمن في القطاع. والسماح بعودة الموظفين الذين التزموا بقرار الحكومة بوقف العمل في المؤسسات التي سيطرت عليها حماس، أو ما تبقى منهم إذ أحيل مؤخرا الآلاف منهم الى التقاعد المبكر. كما يسعى الطرفان ضمن لجنة المصالحة المجتمعية الى تسوية المشاكل الاجتماعية المترتبة عن حالات القتل والدم التي ارتكبت أثناء فعل الانقسام، والذي تطلق عليه حركة فتح الانقلاب فيما تسميه حركة حماس بالحسم. لا ريب أن هذه القضايا تمس عصب الانقسام ومن الضروري معالجتها، ضمن رؤية وطنية منفتحة بعيدة عن التعصب التنظيمي ومغادرة منطق  “العنزة ولو طارت” الذي تسيد سلوك المتحاورين في السنوات العجاف، خاصة سنوات ما بعد توقيع اتفاق المصالحة. فكان سببا في مراوحة المصالحة في مكانها منذ عام 2011. غير آبهين بالأضرار الكارثية التي سببها ويسببها طول فترة الانقسام، ليس فقط على المشروع الوطني الفلسطيني فحسب، بل امتدت لتخلخل البنية الاجتماعية الفلسطينية، و”تكوي وعي” شريحة واسعة من الفلسطينيين، خاصة بين أوساط الشباب سيما في قطاع غزة. لقد استثمرت إسرائيل الانقسام الى أقصى درجة، فإضافة الى حروبها الثلاث التي شنتها بوحشية منقطعة النظير على القطاع، عززت حصارها واتبعت سياسة ممنهجة لانهاك البنية الاقتصادية وضرب كل إمكانيات تعافيها ووضعت قيود تعجيزية للتحرك عبر معبر بيت حانون “ايريز” لقطع التواصل بين شطري الوطن. فتشابكت تداعيات الانقسام المقيت مع السياسة الإسرائيلية العدوانية، لتصل في قطاع غزة الى حافة الانهيار. فغزة تدفع ثمن الانقسام مضاعفا إذ ينعكس عليها كل أثاره السياسية المدمرة وتتساوى في هذا المجال بالضفة والشتات الفلسطيني، ولكن إضافة الى ذلك فإنها تدفع فاتورة باهظة من حياتها اليومية مست كل مجالات الحياة بدء من الكهرباء وليس انتهاء بوهن القدرة الشرائية للمواطن. ويكفي  في هذا المجال الإشارة الى أنه في العام الماضي، خفض الرئيس عباس رواتب 60 ألف موظف حكومي في غزة بنسبة ثلاثين بالمائة، وهو ما قلص قدراتهم الشرائية بعد سداد قروضهم في البنوك. إن هذا الإجراء مثَّل شكلا من اشكال التمييز الحكومي لقطاع الموظفين بين المحافظات الشمالية أي في الضفة ونظرائهم في المحافظات الجنوبية. ويقصد بذلك محافظات قطاع غزة الخمس، ثم أعقبه إحالة آلاف الموظفين العسكريين والمدنيين إلى التقاعد المبكر. إن هذه الإجراءات وغيرها التقت بنتائجها مع الحصار الإسرائيلي المحكم للقطاع، مما أدى إلى دخول اقتصاده في حالة موت سريري. على سبيل المثال تضاعفت قيمة الشيكات المرجعة فبلغت 2017 مليون دولار، في حين كانت 62 مليون دولار عام 2015 حسب سلطة النقد الفلسطينية. كما ساهم انخفاض القدرة الشرائية الى اغلاق نحو 80 بالمائة من  المصانع، وكذلك الى هبوط الواردات عبر المعبر التجاري الوحيد مع إسرائيل، حيث عبره 350 شاحنة يوميا مقارنة مع 800 شاحنة في الربع الأخير من عام 2017. إن هذا المشهد المزري لواقع غزة أسال لعاب القوى المتربصة شرا بالمشروع الوطني الفلسطيني، بدأت باستغلاله لتزييف الوعي وحرف الأنظار عن جوهر المشكلة الرئيس، والمتمثل بالاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره فوق أرضه، فراحت تشغل ماكنتها الإعلامية والدبلوماسية لتصوير الأزمة وكأنها أزمة اقتصاديه فحسب يجب أن تعالج وفق هذه الرؤية. وذلك في محاولة لعزل غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني. أو بتعبير أدق لتصفية المشروع الوطني الفلسطيني وشطب القضية الفلسطينية، اذ لا مشروع وطنيًا بلا غزة. تردي الوضع الاجتماعي في القطاع وسلسلة القرارات والإجراءات الخاطئة التي اتخذتها  القيادة السياسية بحق الغزيين، إضافة الى خطاب المناكفة السياسية الذي تنتهجه حماس، والذي يحاول أن يوظف مآسي ومشاكل غزة لنقد الحكومة ومحاولة استرداد ثقة الشارع بالحركة، يضاف الى كل ذلك النهج الإسرائيلي الثابت لتفتيت الهوية الفلسطينية، كل تلك العوامل متضافرة عملت على تهشيم الهوية الوطنية الفلسطينية وبروز الهويات الفرعية على حسابها، فبدأت تطفو على السطح مفاهيم وعبارات مثل شعب غزة أو الحرب على غزة، وكأن غزة وحدها في دائرة الاستهداف الإسرائيلي. إن عدم الانتباه لهذه المعضلة من بداياتها للحيلولة دون أن تأخذ تلك الهويات مضامين سياسية على حساب الهوية الوطنية يشكل خطرا محدقا. وأعتقد أن هذه مهمة “الانتلجنسيا” الفلسطينية بالدرجة الأولى، والتي كانت مثلت عبر تاريخها الغراء الذي صقل الهويات الفرعية في الهوية الوطنية. فهل ستقوم بدورها في التصدي لهذه المهمة المسكوت عنها في المصالحة..؟

مشاركة :