تأتي كلمة #اللغز في #اللغة_العربية، لتحمل معنى المجهول والغامض والمتضمّن سؤالاً لا تكون الإجابة عنه، سهلةً أو معروفةً أو ممكنة. واللغز، في استعمالنا، هو كل مجهول الأسباب أو التفاصيل، أو المُعمَّى، وكل مسألة أو حادثة أو ظاهرة، غير قابلة للتفسير الكامل أو الجزئي، فهي لغز. يأتي هذا، فيما اللغز والألغاز، وبالإضافة إلى معناها القائل بصرف الشيء وميله عن وجهه، فقد وردت، قديماً، عند #العرب، كحفرة تحفرها بضعة حيوانات صغيرة الحجم، كي تحمي نفسها من المتربصين بها، لصيدها أو قتلها. فجاءت كلمة اللغز في اللغة العربية، أيضاً، اسماً للحفرة التي تحفَر لإيواء حيوان وإخفائه ليتمكّن من التمويه على مفترسيه! وتتفق أغلب الروايات أن اللغز حفرةٌ يحفرها #اليَربوع، والأخير مخلوقٌ شبيه بالفئران، مع اختلاف بعض قياسات هيكله الجسدي، عن تلك الفصيلة. إنما هو من الحيوانات التي تقع في السلسلة الغذائية، لعدد من المفترسين، ومنهم الإنسان، في وقت سابق، وربما الآن، أيضاً. وجاء في "تاج العروس" للزبيدي، أن اللُّغزَ، بالضم، وبالفتح، وبالتحريك: "كل ذلك حفرةٌ يحفرها اليربوع في جحره تحت الأرض، وقيل هو جحر الضب والفأر واليربوع". ويفسّر الزبيدي صاحب أضخم معاجم اللغة العربية وأقربها زمنياً إلينا، سبب تسمية تلك الحفرة التي يحفرها اليربوع، باللغز، فيقول: "سمّي بذلك لأن هذه الدواب تحفره مستقيماً إلى أسفل، ثم تحفر في جانب منه طريقاً، وتخفي في الجانب الآخر طريقاً، وكذلك في الجانب الثالث والرابع، فإذا طلبه البدوي (ليصطاده)، بعصاه، نفقَ (هرب) من الجانب الآخر". ويظهر أن التمويه الذي يقوم به اليربوع، لإخفاء مكانه والتمويه على مفترسيه، عبر الحفر الملتوي والمتشابك لخلق متاهة تبتلع مكانه الفعلي الواقف فيه، هو الصلة التي جمعت بين اللغز، في العربية، وفعل الحفر ذاته. إذ أورد "العين" وهو #أقدم_قواميس_العربية، أن "اللغز والألغاز، حفرة اليربوع في جحره يمنة ويسرة، يلوذ بها". ويؤكد "مقاييس اللغة" الأصلَ الألسني لكلمة لغز، بأنها "أصلٌ يدل على التواء في شيء وميْل". ثم ينقل الأزهري في "تهذيب اللغة": "اللغز والألغاز حفرة يحفرها اليربوع تحت الأرض" مؤكداً بالنقل، أن اللغز "هو الحفر الملتوي". ولهذا قال "القاموس المحيط" إن اللغز "ميلك بالشيء عن وجهه"، مؤكداً هو الآخر، أن اللغز، هو "جحر الضب والفأر واليربوع"، شارحاً الطريق الملتوية التي يحفرها ذلك الكائن، بأشكال مختلفة ومتعرجة، فيخفي مكانه. بحد ما ورد في القاموس المحيط. ويضيف "تاج العروس" مؤكداً جميع ما أتى به أسلافه: "وأصل اللغز (هو) الحفر الملتوي" معيداً قصة قيام اليربوع بحفر حفرة، وهي اللغز، وهي الألغاز. وكان ابن الأعرابي، هو المرجع الذي اتفق الكثير على النهل منه، في أصل كلمة اللغز والحفرة التي يحفرها اليربوع. فينقلون عنه: "اللُّغَز الحفر الملتوي، والأصل فيها، أي الألغاز، أن اليربوع يحفر حفرة... إلى آخر القصة التي تنتهي بعبارة: فيخفي مكانه بذلك الألغاز". والكلمة الأخيرة، استخدام غاية في الإيضاح لأصلها الدلالي. ويؤكد "تاج العروس" أن قول "الزم الجادة، وإياك والألغاز"، على سبيل المثال، هو تعبير من قبيل "المَجاز" لا أكثر، ومثلها أن فلاناً "يُلاغز" فلاناً، أيضا هي من "المَجاز"، ذلك أن الأصل الألسني، هو في الالتواء والحفر والتمويه، وهذا ما جعل اللغز حفرة لحيوانات هاربة من مفترسيها. وأكد الزمخشري في "أساس البلاغة" أنه من المَجاز، أيضاً، استعمال الكلمة بمعنى التعمية: "ومن المجاز، ألغز كلامه، عمّاه". ولهذا قطَع لغوي كبير هو ابن سيده، في كتابه "المحكم" الذي يعدّ من أمّهات كتب اللغة العربية، بالقول: "اللُّغْز واللَّغَز واللَّغْز والإلغاز: كلّه جحر الضب والفأر واليربوع". من هنا، اكتسبت كلمة اللغز، معنى غير محبب، لما تتضمنه من تمويه والتواء، فأصبح يقال "رجلٌ لغَّازٌ، أي وقَّاعٌ بين الناس، كأنه يلغز في حقّهم بكلام بالذم والوقيعة". بحسب "تاج العروس" الذي أكّد أن حتى هذا الاستخدام الأخير (لغَّاز) هو "مَجاز". ذلك أنه في الحفر في حفرة اليربوع – أو سواه- التي صارت لغزاً.
مشاركة :