دبي: «الخليج» في أحدث قصائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، التي تحمل عنواناً زاخراً بالضوء والجمال هو «فراشة النور»، تبدو اللغة الشعرية عصية على التفكيك البسيط، رغم بساطتها الظاهرة إلا أن القراءة الكاملة للقصيدة تحيلنا إلى نص شعري متكامل لا ينفصل أوله عن وسطه عن آخره، مقدماً لوحة تصف رحلة تأمل سموه لفراشة تغازل النور فيفيض عليها من بهائه، لكنها كما يبدو من القصيدة لم تكن فراشة عادية، بل تحولت بعد ملاحظات سموه إلى لوحة مكتملة للطبيعة البهية التي تخاطب العقل قبل القلب وتغزوه وتستوطنه وتنشر فيه الإحساس بمكامن الجمال.يستهل سموه قصيدته بملاحظة مباشرة تتجسد شعرياً في توصيف لقائه بتلك الفراشة التي تحولت إلى قصيدة تدعو إلى التفكير، يقول سموه معبراً عن ذلك: فراشَةْ النِّورْ حلَّتْ فوقْ وآنا شفوقْ ودِّي لقاها وخايِفْ إذا قاربْتها أنْ تطيرْ يبينْ للعينْ منها ماحوَتهْ العِروقْ مجاري الدَّمْ منها والشَّرابْ النِّميرْ ويردف سموه في توصيف بديع لعناق الشمس بضيائها وشروقها وغروبها والصبح بهدوئه وجمال الشفق الممتزج به مع تلك الفراشة البديعة، وكيف يحاول البدر أن يكسب من ضيائها المكتسب بدوره جمالا فوق جماله الرباني، إن سموه يدخلنا هنا في طبقات من الجمال بعضها فوق بعض فيقول: في لجَّةْ النِّورْ يَظهِرها غروبْ وشروقْ والصِّبحْ ساكَنْ علىَ طِرْفْ الجناحْ الصِّغيرْ يحاوِلْ البَدرْ يكسَبْ مِنْ ضياها سِروقْ عَجيبَةْ الوَصفْ ملمَسها حريرْ بْحَريرْ ثم يصف سموه تلك الرحلة العجيبة التي تسلكها فراشة النور ذات الملمس الحريري الرائع نحو الشمس رغم أنها تعرف جيداً كما نعرف نحن أن من يقترب من الشمس سيحترق بنورها، لكنها رحلة تكاد تشبه رحلة الأعمى الذي يتجه بكل حواسه نحو بصير، وكأنه يحاول جاهداً أن يستلهم منه ما يجلي عنه عماه، ويبدع صاحب السمو في التعبير عن ذلك شعرياً فيقول: والشَّمسْ منها ضياها وخايفِهْ مِ الحِروقْ تنقادْ إلها مثِلْ الأعمىَ ويقودِهْ بصيرْ وحين يلامس النور جسم الفراشة الحريري تتداخل الألوان والأضواء حتى تشع كما يشع البرق في الظلام فيبدد حلكته، وينير الطريق للسالكين فيه، ويعكس ذلك التداخل كل ألوان الطيف، ليكون المشهد كله كما يعبر سموه في القصيدة لوحة ربانية مبدعة رسمها الخبير البصير الله جل جلاله، ويقول سموه: يتداخَلْ النِّورْ فيها شِبهْ لمعْ البِروقْ ومظلِمْ الليلْ دومَهْ لينْ تسري أسيرْ وتْلَوِّنْ الطِّيفْ باللُّونْ الذي فيهْ ذوقْ لوحاتْ رسَّامْ بالرَّيشِهْ بإيدْ الخبيرْ ولأن منظر الجمال الرباني والإبداعات في خلق الله للطبيعة وما حوته يجلي عن القلب الحزن، ويذهب السقم، ويحفز الفكر على التجوال في عظمة المخلوقات ودقة صنعها، فإن ذلك هو ما حدا بسموه إلى أن يصف تجلي الفراشة بمنظرها النوراني البديع بأنه يذهب الهم والعوق وقال عن ذلك: لي إِنْ تجلَّتْ ترَحَّلْ كلِّ همٍّ وعوقْ كنِّي بها تشفي العوقْ القويِّ الخطيرْ ورغم جمالها الرائع فهي لا تستكين ولا تنتظر من يعجبون بها، بل تبتعد في ملكوت ربها ناشرة لوحة نورها وعناقها مع الطبيعة من حولها وتألقها من خلال كل ذلك، ويقول سموه معبراً عن ذلك المعنى في القصيدة: ماردِّها الشُّوقْ صوبي ولوُ لها آموتِ شوقْ ولا إستهَمَّتْ بحالْ اللِّي مقامَهْ كبيرْ لكن وبرغم كل ذلك الوصف الرائع للفراشة النورانية، والذي أبدع سموه في نقله للقارئ بطريقة سلسة تتسق في جمالها مع جمال الفراشة، إلا أنه في البيت الأخير يجعل القارئ يعود إلى بدايات القصيدة مرة أخرى ليتساءل إن كان سموه يقصد في ما سبق رحلة فراشة عادية، أم أنه يقصد معاني وأفكاراً أكبر وأعمق من كل ذلك، وإن كنى عنها برحلة الفراشة، فالبيت الأخير منها يحيلنا إلى كل ذلك ويجعلنا نعود من جديد إلى فكرة صعوبة تفكيك اللغة الشعرية حين تصدر من سموه، والبيت الأخير المشار إليه أبلغ وأقوى من كل تحليل وهو: فكرَهْ تجلَّتْ بقلبي وبعضْ فكري يسوقْ إلىَ الماناهْ عقلي للجديدْ الغزيرْ فراشَةْ اْلنِّورْ محمد بن راشد آل مكتوم
مشاركة :