روسيا وإيران: تحالف تكتيكي أم استراتيجي؟

  • 3/3/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في خطوة تعكس تنامي قوة العلاقات الروسية- الإيرانية، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار دولي يتهم إيران بانتهاك حظر الأسلحة في اليمن وتزويد المسلحين الحوثيين بالصواريخ البالستية والطائرات من دون طيار. حاولت بريطانيا، التي تقدمت بمشروع القرار، تجنب الفيتو الروسي قبل طرحه على التصويت، فوافقت على حذف التهديد بـ“إجراءات إضافية” في حال واصلت إيران انتهاك الحظر الدولي، كما حذفت الإشارة إلى تقرير أممي أفاد بأن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون تجاه المملكة العربية السعودية قد صنعت داخل إيران. لم يرض ذلك روسيا التي أصرت على منع القرار من الصدور. تذرعت موسكو بأنها ضد أي قرار دولي قد يتسبب بزيادة التوتر السياسي والطائفي في الشرق الأوسط. بالطبع، لم يكن هذا هو السبب الحقيقي. إذ دعمت موسكو النظام السوري خلال سبع سنوات ومنعت كل القرارات الدولية، ما تسبب بأقصى درجات التوتر السياسي والاستقطاب الطائفي في المنطقة. وإذا كانت ذريعة روسيا في دعمها لنظام بشار الأسد هي دعم “الحكومة الشرعية” المعترف بها دوليا، فإن القرار الخاص باليمن جاء أيضا لدعم الحكومة الشرعية هناك، والتي يعترف بها المجتمع الدولي وروسيا أيضاً. اللافت أكثر في السلوك الروسي هو الموافقة قبل ثلاثة أعوام على قرار مجلس الأمن بفرض حظر الأسلحة على جماعة الحوثي بموجب الفصل السابع. ولكن ذلك القرار كان في العام 2015، وهو ما يشير إلى التغير الحاد في رؤية روسيا لدورها على صعيد العالم والشرق الأوسط منذ ذلك الوقت. يبدو التحالف الروسي- الإيراني مدفوعا بالعمل على استغلال تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة فمع نهاية العام 2015، جاء تدخل روسيا العسكري والمباشر في سوريا ليوسع من نفوذها ويحولها إلى لاعب رئيسي في الصراع السوري وفي المنطقة. كان من ضمن تداعيات الدور الروسي الجديد تأسيس شراكة استراتيجية مع إيران بدأت في سوريا، ولكنها تمددت لتشمل مناطق واسعة في الشرق الأوسط. كانت علاقة موسكو مع طهران مفتاح إرسـاء وتوسيع النفوذ الروسي خلال الفترة الماضية عبر البوابة السورية. وحدث ذلك من خلال تقسيم عمل تولت بموجبه إيران ضخ الجنود وتمويل قتالهم، فيما أمنت روسيا تغطية نارية كثيفة جدا لم تكن متوفرة من قبل، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي على المستوى العالمي. هكذا، لم يكن “النصر الروسي” في سوريا ممكنا من دون دور إيران والميليشيات التي شكلتها ودعمتها في معاركها ضد المعارضة السورية. لقد أسست إيران شبكة واسعة ومرنة من الميليشيات العسكرية المتواجدة في عدد من دول المنطقة، وهو ما تعتبره روسيا نقطة قوة لصالح التحالف القائم بين البلدين. واتضحت الشراكة الروسية- الإيرانية خلال حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية من قبل إيران ونظام الأسد الشهر الماضي. إذ بدا واضحا تغير السياسة الروسية تجاه إسرائيل عما كانت عليه في السنوات الماضية. فمنذ بداية التدخل العسكري الروسي، أخذت روسيا مصالح إسرائيل ومخططاتها الأمنية والعسكرية في سوريا بعين الاعتبار، حيث سمحت للطائرات الإسرائيلية باستمرار بقصف مواقع النظام السوري وإيران رغم وجود نظام حديث للدفاع الجوي. ولكن مع ارتفاع مستوى التنسيق والتعاون الروسي- الإيراني، توسعت الهوة بين المصالح الروسية والإسرائيلية، وهو ما انعكس في الاجتماعات الأخيرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ شهدت تلك الاجتماعات توترا وخلافات عميقة بين الطرفين. وينطبق هذا على اليمن أيضا. إذ لم تكن روسيا مهتمة بصورة كبيرة بالنزاع اليمني في عامي 2014 و2015، ولكن توطد تحالفها مع إيران، ورفض إضعاف حلفاء طهران، باعتباره إضعافا لموقعها الاستراتيجي في المنطقة، دفعها اليوم للوقوف حجر عثرة في وجه القرار الأممي الذي يدين الحوثيين. يبدو التحالف الروسي- الإيراني مدفوعا بالعمل على استغلال تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة. فرغم ارتفاع حدة التصريحات الأميركية حول العمل على كبح نفوذ إيران في المنطقة، وبالتالي تبرير إبقاء قوات أميركية في سوريا والعراق، وتبرير دعم التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، تدرك روسيا أن واشنطن تفتقد للقدرات، وربما للإرادة اللازمة لعكس مسار الأحداث ووضع نفوذ وهيمنة إيران على مسار الانحسار والتراجع. في بداية التدخل الروسي في سوريا، اعتقدت الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، أن النفوذ الروسي المتزايد سوف يساعد على كبح نفوذ إيران. وبالتالي لم يعارض الطرفان التدخل الروسي بصورة فعلية، بل عملوا على تسهيله من خلال التعاون العسكري والأمني مع روسيا ومن ثم قطع الدعم عن المعارضة السورية ودفع أنقرة للتقارب مع موسكو. ولكن النتيجة كانت نفوذا روسيا- إيرانيا قويا لا تملك محاولات محاصرته وكبح جماحه استراتيجية واضحة، وبالتالي أفقا للنجاح.

مشاركة :