قراءة في مآلات صراع الأجنحة داخل النظام السياسي الإثيوبي

  • 3/3/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لقراءة التطورات المتسارعة التي شهدتها الأزمة السياسية الإثيوبية بصورة صحيحة، علينا في البداية تحديد عُمق وأسباب الخلاف الدائر بين أجنحة النظام الإثيوبي، والذي من المرجح أنها وراء استقالة رئيس وزرائها هايلي ماريام ديسالين، وبالطبع يعد هذا التطور فريداً من نوعه -أي تقديم الاستقالة- في دول القارة الإفريقية، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول مستوى الوعي السياسي الذي تتمتع به النخب السياسية الإثيوبية؛ لكونها ترى في نفسها عائقاً أمام عملية إيجاد الحلول لأزمات البلاد، لذلك أوجدت ثقافة التخلي عن مناصبها السياسية طوعاً، وهذا ما ينقص نخبنا السياسية والدينية والاجتماعية. وكما هو معلوم فإن موازين القوى في النظام السياسي الإثيوبي تتوزع بين الحركات والجبهات الممثلة للجماعات الإثنية الرئيسية في إثيوبيا، والمنضوية تحت راية "الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا" (التحالف الحاكم منذ عام 1991)، والذي تضم "جبهة تحرير شعب تيجراي"، وهي القوة القائدة داخل الجبهة، وذلك لكونها القوة الدافعة لتكوين الجبهة بهدف الإطاحة بنظام منجستو، فضلاً عن أنها صاحبة القوة العسكرية الأكبر في التحالف الحاكم، و"حركة الأمهرا الديمقراطية الوطنية" و"المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو"، و"الجبهة الديمقراطية للشعب الجنوبي الإثيوبي". وبعد الإطاحة بنظام منجنستو الشيوعي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وتسنم مليس زناوي للسلطة في إثيوبيا، سعت الحكومة الثورية إلى توحيد كل مكونات الشعب تحت مظلته "الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا"، مما خلق حالة من التراضي السياسي بين الشعب، حتى سماها البعض بـ"الديمقراطية الإثنية". ولكن بعد وفاة مليس زناوي تغير الأمر؛ حيث أوتي بـ"هايلي ماريام ديسالين" خلفاً له، ولكنه - أي ديسالين- أخفق في الحفاظ على حالة التوافق بين المكونات السياسية، مما أحدث حالة من التأزم السياسي في البلد، التي تعود إلى التالي:- الوضع السياسي الداخلي المأزوم:بالطبع يعود سبب التأزم السياسي الحاصل في إثيوبيا إلى أسباب عديدة، منها تنفذ أقلية التجراي في مفاصل الدولة؛ حيث تسيطر على المؤسسات الصلبة -أي الجيش والشرطة والاستخبارات- داخل إثيوبيا، وتنفذها في السلطة بهذه الطريقة أدى إلى حالة من التذمر بين أقليات الأخرى، فضلاً عن حالة التهميش التي يتعرض له مكون الأورومو ذي الأغلبية المسلمة والأقليات الأخرى، والصدام الذي دار مؤخراً بين مجموعة الأورومو وصومالي إقليم أوغادين، والذي برأينا افتعل من طرف السلطة في أديس أبابا أو طرف خارجي يريد للمسلحين الاستيلاء على السلطة هناك، وذلك من أجل إيقاع الفرقة بين المسلمين. الخلاف في كيفية التعاطي مع النظام الإريتري: بالرغم من النفوذ القوي الذي تتمتع به أقلية التجراي، يتساءل البعض: كيف لشخص مثل هيلي ماريام ديسالين، المنحدر من أقلية بروتستانتية قاطنة في الجزء الجنوبي من البلاد، أن يصل إلى قمة السلطة في إثيوبيا، ونجيب على هذا التساؤل بتفصيل المعتقد الذي يعتقده ديسالين؛ حيث يعرف بانتمائه إلى مجموعة "بيضة" وهي طائفة مسيحية، تدعم عملية السلام مع النظام الإريتري، ولها علاقات مميزة بالإدارة الأميركية، وهذا ما تخالفها فيه القوى السياسية الأخرى؛ حيث ترى في النظام الإريتري أكبر مهدد للأمن القومي الإثيوبي، لا بد من الإطاحة به بينما ترى أخرى -كجبهة تحرير شعب تيجراي- أنه لا بد من مجاراته والتعامل معه؛ لأن هذا يخدم حكمها في الدولتين. مآلات الصراع الداخلية والخارجية:على الصعيد الداخلي: نعم كل الأنظمة الديمقراطية تتسم بتنوع البيئات السياسية، فربما يتصور البعض أن النظام الديمقراطي الذي ينبني على أساس عرقي أو ديني أو طائفي، كالنظام الديمقراطي الإثيوبي، هو خير وسيلة للمحافظة على استقرار الدولة السياسي وازدهارها، ومع هذه الصيغة تكون المشاركة السياسية على أسس عرقية ودينية، فالمحافظة على هذا النوع من الأنظمة مهمة ليست يسيرة في دولة عرف إرثها التاريخي صراعات عرقية، وانطلاقاً من هنا يمكننا توقع مآل الأمور الداخلية في إثيوبيا، بعد حدث استقالة رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين، بأنها سوف تتجه صوب تغييرات وإصلاحات سياسية تقوم بها مجموعة التجراي، تفضي إلى وصول شخص من مجموعة الأورومو، ومن المرجح أن يأتي مرشحهم أبو أحمد الذي شغل منصب وزير العلوم والتكنولوجيا رئيساً للوزراء، ولكنه من المتوقع لن يستطيع إيقاف احتجاجات الأورومويين إن لم يجد حلاً للدوافع التي أدت إلى تظاهراتهم. على الصعيد الخارجي: كما ذكرنا سابقاً أن هناك خلافاً عميقاً بين أطراف النظام الإثيوبي، في ملف السياسة الخارجية المتبعة حيال النظام الإريتري، وبناءً عليه فإنه من المتوقع أن تأتي القيادة الجديدة في إثيوبيا بسياسة مغايرة للحكومات السابقة، أي ستقوم بالتضييق على إريتريا، وربما تشن حرباً ضدها، قد تؤدي إلى تغيير النظام هناك، بعبارة أخرى فإن التغيرات الجارية في إثيوبيا قد تؤدي إلى تغير حرب إثيوبية - إريترية تتسبب في تغيير النظام السياسي الإريتري. ومن خلال ما تقدم يمكن القول بأن الواقع السياسي في إثيوبيا مفتوح على خيارات متعددة، وأن أي تغيير يحدث في المرحلة المقبلة ينبغي أن يراعي متغيرات الواقع الداخلي الإثيوبي والإقليمي؛ كون أي رئيس وزراء سيأتي ينبغي أن يراعي التوازنات السياسية الداخلية والإقليمية، كون منطقة القرن الإفريقي اليوم محكومة بمتغيرات دولية كبيرة، وبالتالي فإن أي تغيير قد يحدث في السياسات الإثيوبية قد يعصف بمجمل الحالة السياسية في المنطقة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :