هل هذا الأمر حقيقي؟ سؤالٌ بدأ به الكاتب دافيد إغناتيوس؛ مقاله عبر صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أمس الخميس؛ ليبدأ مباشرةً في سرد معطياته للإجابة بقوله "مقترحات هذا القائد الشاب للتغيير مدعومة من قِبل الشعب والعامة"؛ لينطلق بعدها في أفق آخر وعبر أحد علماء الدين ورئيس رابطة العالم الإسلامي؛ ليسأله السؤال نفسه عن إصلاحات القائد الشاب معرجاً على ملفات بالغة الحساسية محاولاً سبر أغوار سؤال طُرح وما زال يطرح نفسه "كيف ترى المؤسسة الدينية وعلماء الدين ما تمّ ويتم من إصلاحات؟". ويواصل الكاتب الحصيف سرد معطياته للإجابة عمّا طرحه ليحط رحاله تحت قبة مركز "اعتدال"؛ لينطلق بعدها إلى وسط أرحب بحثاً عن إجابة لسؤاله ليجد نفسه وسط شباب سعودي في مقهى شمال غربي العاصمة ويصف إجاباتهم، بأنه وجد "الحماسة العفوية" التي كان عنوانها حملة مكافحة الفساد وتوقيف عشرات الأمراء والأثرياء .. "هذه هي بداية العدالة". وفي نهاية مقاله يجد الكاتب نفسه أمام حقيقة واضحة ويؤكّد أن ما يحدث إصلاحات حقيقية نحو مجتمع أكثر حداثة، أكثر ريادة للأعمال، أقل تشدّداً وموجّهاً بشكل أكبر نحو مجتمعات الشباب.. إنها عملية من الأعلى إلى الأسفل. نص المقال: لا يمكن للزائر عند سماعه رسالة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تشدّدُ على مواكبة العصر إلا أن يظل يفكر فيها: هل هذا الأمر حقيقي؟ هل أن مقترحات القائد الشاب للتغيير مدعومة من قِبل القيادتين الدينية والعامة في هذا البلد المحافظ تقليدياً؟ إن التنبؤات الموثوقة عن المملكة أمرٌ مستحيلُ على الغريب. ولكن بإمكاني عرض بعض نقاط البيانات التي قمت بجمعها خلال زيارتي للمملكة، حيث إنني سمعت دعماً قوياً للإصلاحات من الشباب السعودي الذين أجريت معهم مقابلات في الشوارع وكذلك من عالِم ديني بارز. تظل مسألة نجاح MBS، كما هو معروف، في أجندته التحولية سؤالاً مفتوحاً. لكنه يحظى بدعم علماء معروفين، مثل الشيخ محمد العيسى؛ الذي أصبح رئيساً لرابطة العالم الإسلامي، المدعومة من السعودية في عام 2016. وأيّد الشيخ العيسى؛ الذي تحدث من خلال مترجم، سلسلة من التحركات الأخيرة التي قام بها ولي العهد والتي قال إنها مدعومة من زملائه العلماء، أو القيادة الدينية العليا. بدأ العيسى؛ حديثه عن القضية الرمزية المتعلقة بقيادة المرأة للمركبة، التي سيسمح بها ابتداءً من شهر يونيو.. إذ قال العيسى: "إن قيادة المرأة للمركبة لم تكن أبداً قضية دينية. إنها تتعلق بالعادات والثقافة". وأضاف "أراد المتطرفون ربط هذه القضية بالدين"، ولكن عديداً من العلماء "رحبوا بالقرار".. كما قال العيسى: إن علماء الدين دعموا، على نحو مماثل، التحرك نحو إصلاح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتكون متوافقة مع مقاصد الشريعة. وأضاف: "لقد أخذت سلطات لا تنتمي إليها.. لم يرفض أحدٌ الإصلاح.. لقد كان قراراً حكيماً". كما صرّح العيسى؛ بآراء متسامحة حول لباس المرأة.. وقال: إنه إذا ما كانت المرأة في العالم الاسلامي تلبس عباءة سوداء أو نقاب الوجه "ليس بالأمر المهم".. ولكنه قال إنه يجب على المرأة في جميع الدول الإسلامية أن تستمر في تغطية شعرها ولبس الحجاب الشرعي المتفق عليه من الجميع في باقي البلاد الإسلامية. ورداً على سؤالي حول توقعات بعض المحللين في أنه ستكون هناك ردة فعل دينية متطرفة ضدّ هذه التغييرات، قال العيسى؛ إن هذا الرأي "غير صحيح على الإطلاق"، موضحاً أن زملاءه من العلماء يقبلون بأن "هذه التغييرات ستساعد على فهمٍ أفضل وعلى تطوير المجتمع بشكل عام". واجتذب العيسى؛ الانتباه في الغرب في شهر يناير عندما أرسل رسالة إلى مدير المتحف التذكاري لـ "الهولوكوست" في واشنطن، وصف فيها حملة الإبادة النازية، بأنها "من أسوأ الفظائع الإنسانية على الإطلاق". يُذكر أنه يوجد للموقف السعودي الجديد ضدّ الإسلام الراديكالي جانب عملي أيضاً، وهو ما رأيته في زيارة قمت بها يوم الإثنين إلى مركز عالمي جديد لمكافحة الأيديولوجية المتطرفة، والمعروف باسم اعتدال، حيث يجلس تحت قبة عملاقة، مئات من المحللين على شاشات الكمبيوتر، يشاهدون حركة وسائل الإعلام الاجتماعية العربية بحثاً عن علامات دعم للمجموعات المتطرفة. وهذا يعطي انطباع مراقبة "الأخ الأكبر" المزعجة بشكل طفيف، لكنه يحقق أن يصبح السعوديون أكثر صرامة حول مكافحة التطرف في وسطهم. ولكن ما رأي السعوديين العاديين في هذه التغييرات؟ أفضل طريقة وجدتها للوصول إلى آرائهم خلال زيارتي القصيرة كانت عبر التوجّه إلى مجموعة من الشباب السعوديين في منطقة عامة، وسؤالهم عن آرائهم. وحدث ذلك في مقهى خارجي في "الثغر بلازا" في شمال غربي الرياض. ومن المؤكّد أن هذا لم يكن استقصاءً علمياً.. ولكن جميع الشباب أعربوا عن حماسة عفوية بشأن تغيير الطرق القديمة. وحظيت حملة الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد على اهتمامهم بشكل خاص، حيث تمّ احتجاز 381 فرداً من السعوديين الأثرياء، بمن في ذلك بعض الأمراء البارزين، في فندق ريتز كارلتون بالرياض في نوفمبر الماضي، وطُلب منهم دفع ما يقارب 100 مليار دولار كتعويضات قبل إطلاق سراح معظمهم. وقال راكان الدوسري؛ 26 عاماً، الذي يعمل مُرشداً في مدرسة ثانوية محلية، بشأن حملة مكافحة الفساد: "هذه هي بداية العدالة. الأمير يُعتبر مثل أيّ مواطن آخر. إنه أمرٌ يبعث على السرور!". وقال عبدالعزيز الفرج؛ 29 عاماً، ويعمل أمين صندوق في أحد المصارف: "العالم كله آخذ في التغيير. ليس من المفاجئ أن تتغيّر المملكة". وقال شاب يُدعى مصعب؛ إنه إضافة إلى عمله المصرفي، فقد افتتح للتو متجراً لبيع ملحقات الهواتف النقالة، وهو عمل كان يهيمن عليه الوافدون اليمنيون. وأوضح الفرج: "في الماضي القريب، لم يكن السعودي العادي يفكر في بدء نشاط تجاري.. فقد كان كل ما يريده هو الحصول على وظيفة حكومية". هذا هو الباب الذي يبدو أنه آخذٌ في الانفتاح في المملكة – نحو مجتمع أكثر حداثة، أكثر ريادة للأعمال، أقل صلابة وموجّهاً بشكل أكبر نحو مجتمعات الشباب. إنها عملية من الأعلى إلى الأسفل، في الوقت الراهن. ولكنها بدأت تكتسب الزخم مع مرور الوقت. المصدر: واشنطن بوست التاريخ: 1 مارس 2018 الكاتب: دافيد إغناتيوس
مشاركة :