يمضي ملتقى «إنزاك» الثقافي ضمن محاضرة في مركز «اليرموك الثقافي» التابع لدار الآثار الإسلامية، باتجاه العودة إلى ماضٍ سحيق القدم، وفي الآن نفسه مثبتاً قدمه الأخرى في الفكر المعاصر وأمانيه وطموحاته، فمن نمو إلى نيتشه ومن «السيبرنتيك» إلى «أنكي».افتتح محمد السعيد المحاضرة في تساؤل: ماذا نريد من هذه العودة إلى حضارة بائدة منقرضة؟! ليجيب بلا تردّد: «إنها العود الأبدي. فقد فرض علينا الوجود في تلك الحضارات كي نعيد النظر في ذواتنا. كي نرقب عقلنا حينما كان طفلاً. وستظل الكلمة الأخيرة والأجوبة تُتْرَى باحثة عن أسئلة تكون بمنزلة وعاء لها». «نمو» وأضاف: «نمو» كانت في البدء ولا أحد معها، وهي المياه الأزلية التي انبثق منها كل شيء، أنجبت ولداً وبنتاً، «آن» و«كي»، حيث كانا ملتصقين ببعضهما وغير منفصلين عن أمهما. تزوّج «آن» من «كي» فأنجبا «أنليل»، الإله الشاب. لم يطق ذلك السجن، ففصل بقوته الخارقة أمه عن أبيه ليصبح «آن» الأب هو السماء، وتصبح «كي» الأم هي الأرض. لكنه كان يعيش في ظلام دامس. ارتبط «أنليل» بـ«ننليل» فولد القمر «نان»، وأمر «أنليل» كي يخلق العالم السفلي، عالم الموت، فتبعته زوجته «ننليل» فولدت منه «نرجال» إله الموت، و«نانزو» إله الماء العارف بالطب المتخذ شكل الأفعى، و«جيبل» الإله المسؤول عن التعاويذ وحرارة الأرض. أما ولده القمر «نان» فاستطاع أن يخرج بوالديه من العالم السفلي ويتزوج من «أنكال» وينجب الشمس و«إنانا» عشتار الزهرة. استطرد السعيد في الحديث عن هذه الأساطير، فقال: «في الليل تذهب الشمس إلى العالم الآخر، ويخرج «نرجال» كما يخرج في اليوم الثامن والعشرين من الشهر؛ حين اختفاء القمر، نمو «الاوروبورس» أفعى تقضّ ذيلها كلما تدور تحدث حدثاً حول نفسها». أما عن الأختام فيقول: «تعبِّر الأختام عن الولادة أو الموت أو الولادة والموت معاً. الأختام = حركة نمو». خطب زرادشت قرأ السعيد جزءاً من خطب زرادشت للفيلسوف فريدريك نيتشه وذكر: «شأشرح لكم تحول العقل في مراحله الثلاث فأنبئكم كيف استحال العقل (نمو) جملاً (آن وكي ملتصقان)، وكيف استحال الجمل أسداً (زواج آن من كي)، وكيف استحال الأسد أخيراً فصار طفلاً (ولادة أنليل) نمو البقرة العديدة الألوان. الأسئلة التي يطرحها العقل البشري هي هي منذ الأزل. استطرد السعيد كعادته نحو «السربنتيك» أو القيادة الذاتية الهادفة عن طريق مكمنة الفكر. السربنتيك كلمة جديدة ظهرت بمعناها الحالي في عام 1948 عن طريق العالم الأميركي «نوربرت فينز «بكتابه الأول «السيربنتيك» أو التحكم والاتصال في الكائن الحي. استوحى فينز هذه الكلمة من اليونان وتعني قيادة ربان السفينة؛ وهذا «إنكي» إله الحكمة ودقة مهارة الصنع يقود سفينته العظيمة في الأزمنة السحيقة لينظم البلاد ويوزع المسؤليات والصلاحيات ويبعث بولده «إنزاك» إله الكتابة إلى دلمون. وهكذا كالأوروبورس (أفعى تعضّ ذيلها) يبدأ السعيد من القدم لينتهي بالمعاصر ويعود إلى القدم حيث تقبع الأختام على سواحل فيلكا.
مشاركة :