عبر التاريخ البشري تأتي الصراعات من رحم التغيرات الفكرية، ومن خصوبة تعددية مزمنة، ورخوة في مسانيد قوتها، ومن هنا تولد الصراعات في صور عراكٍ فكري شديد يدفع في البيئات الخصبة بالتنوع نحو الصراع الحركي المتشظي أحياناً كثيرة، ويلعب المخزون التراثي دوراً مهماً في حضانة الصراع ورعايته وتشكل ملامحه وهويته واستمراره.وقد شهد المجتمع الدولي والحكومات العالمية تحولات عدة أحدثت صراعات مختلفة، توغلت في مواطن كثيرة من الجغرافيا اليابسة والبشرية، وبلغت في أسوأ صورها حد اعتناق التطرف وإشهار التعصب، بل ذهب معتنقوه إلى حد الاستثمار في المشاعر الدينية والإساءة لقدسيتها، حتى كادت تتجرد العلاقة الإنسانية من سماتها، وأصبح الكائن البشري في بؤر هذا التطرف يجد نفسه في ثنائية مفروضة عليه، أحد طرفيها مغتصِب ومهيمن، وطرفها الآخر ضحية مسلوبة الإرادة... وتطغى الرغبة الاستحواذية العدائية.وفي منطقة الشرق الأوسط توجد إيران وحلفاؤها وأذيالها نموذجاً سيئاً لهذه النزعة الاستحواذية في المنطقة، وقد أفشلت كل فرص السلام والتعايش؛ نزعة مسكونة تاريخياً بتكوينات تراجيدية لا تلتئم مع مواقف العالم، وتمارس سيطرتها والتدخلات السافرة في شؤون الدول... فماذا يأمل العالم من سلام لا يعيشه على أرض الواقع... بل كيف يكون سلام وعناصر الشر ترتع في مروج تشربت بالدماء؟لقد وأدنا الإطناب، واستعملنا جميع الصيغ البلاغية لتحذير الأمم من فشل عملية السلام حتى ضجر منا الواقع، وتفجرت ينابيع العنف، وأصبح كل ما يدور حولنا غير مستطاب، وقلبت موازين القوى في العالم الأقدار؛ فكان الأقوى هو المتسلط والمرشح من قِبل عضو بالبرلمان السويدي عام 1939 أيضاً هو الديكتاتور وتمنح جائزة نوبل للسلام لمجرمي الحرب تمنحها المؤسسات العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، فقد رشحت أدولف هتلر الذي قتل 40 مليون شخص وهو الديكتاتور الأعظم في التاريخ كما وصفته «التايمز» البريطانية، لجائزة، وكذلك جوزيف ستالين زعيم روسيا الذي قتل 60 مليون شخص.ولسنا بمنأى عن ذلك الزمان عندما يتعايش العجز والحرب جنباً إلى جنب في أعداد متتالية عدة تُخلق الأسباب لأجلها، وتستمر في نشاطها بكل طريقة يمكن تخيلها، وتبدأ البرامج الانتقامية ثم تطبقها بإتقان، فهناك أطراف عدة تحارب في سوريا.ولهذا السبب؛ نضيف إلى المشهد استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإجهاض مشروع قرار قدمته بريطانيا، بدعم فرنسي - أميركي، يدعو إلى التجاوب مع تقارير خبراء الأمم المتحدة التي تؤكد انتهاك إيران قرارَي مجلس الأمن 2140 و2216 عبر تزويدها جماعة الحوثي بالأسلحة، ومنها خصوصاً الصواريخ الباليستية التي تطلق في اتجاه الأماكن المدنية في السعودية، وهذه حقيقة أخرى صادمة لمناهضة السلام والاستقرار في المنطقة.قد لا يكون من اليسير توضيح عمل تتداخل فيه الروح والمادة، وتدفع بالأمل إلى القبر ثم يدّعون أنه قدرنا، فهناك قتال وضحايا وعنف ضد شعوب تحتاج إلى إجلاء فوري لخطورة حالتها في عفرين والغوطة السورية لا حول لها ولا قوة، وفيما يبدو أن الناس سئمت سرد الحقيقة.. ولن تعيد الحياة للموتى، لكنها تستغيث من تحت الأنقاض، وروسيا بالفيتو تحمي إيران ونظام بشار، وأميركا تحمي إسرائيل، لذا؛ الصراع بين القوتين العظميين أيضاً من الحقائق الصادمة، فالأجدر بهما نشر السلام ومعاقبة المعتدي وإيقاف آلة الحرب وإغلاق مصانع الأسلحة العسكرية.ليس الأمر في منطقة الشرق الأوسط نظاماً يناهضه شعبه وتتجاذبه المصالح، ولن يختلف أبداً عما حدث للعالم من خراب إبان الحربين الأولى والثانية؛ لذا يبقى السبب واحداً في كل زمان ومكان تترك الحرب نتوءات على وجه الأرض تنزف ألماً وأسى ويستعصي علاجها.فليس هناك إجابة عما يحدث من توترات بين الدول ما لم نكن راغبين في قبول التفسير المنطقي لها بأن هناك خللاً ما في الشخصية السياسية المعاصرة، وإلا فكيف نستطيع تحليل ما يحدث في سوريا وفي الوقت ذاته عسكرة الحدود البحرية مع اليونان والتدخلات الخارجية.
مشاركة :