استمتع مشاهدو الحلقة الـ108 من المسلسل التركي "قيامة أرطغرل" بأحداثٍ شائقة، وحبكةٍ مميزة، وحوارٍ راقٍ، وإخراجٍ بديع، وذلك على مدى 150 دقيقة، هي مدة عرض الحلقة. وفيما يلي، بعض الخواطر: 1- ما زلنا مع موقف إسلام أحمد (آريس سابقاً)، ففيه الكثير من العِبَر، وقد يتساءل أحدهم فيقول: ماذا لو كان إسلامه حيلة للنجاة لا أكثر، ثم سرعان ما ينقلب على أرطغرل حين يلحق به مددٌ من قومه، فيصبح ذا شوكة من جديد؟ والإجابة تجدها عند ابن عمر -رضي الله عنه- صاحب المقولة الشهيرة: "مَنْ خَدَعَنَا بِاللَّهِ انْخَدَعْنَا لَهُ"، فليس أمام أرطغرل في هذه اللحظة إلا قبول إسلام الرجل؛ بل والاجتهاد في تعليمه شعائر الإسلام حتى يَحسُنَ إسلامه، فإن صدق فقد أفلح ونجا، وإن كذب فعليه كذبه. 2- جمعت السلطانة ماهبري الأمراء الخونة، فأقسموا على المصحف على خيانتهم السلطان الشرعي ودعمهم ابنها كيخسرو لتولي الحكم، ومن قبلُ خاطبت سعد الدين وألتون أبا، واصفةً إياهم بالمخلصَين للدولة، رغم خيانتهما الواضحة للسلطان ومحاولتهما قتله وعدم إنفاذ وصيته. وتلك حال الخونة في كل زمانٍ ومكان، يسمّون الأشياء بغير أسمائها، فالخيانة عندهم إنقاذٌ للدولة، والتآمر إخلاص لها، وقتل الحاكم الشرعي يحميها من أعدائها، يكذبون كما يتنفسون حتى يُصدِّقوا كذبهم ويستمرئوا خيانتهم! 3- رابطة الأخوة في الله من أقوى الروابط وأهمها، ولا نهضة للأمة إلا بها، وقد اتضح ذلك جلياً في خلاف تورغوت وبامسي، الذي أفضى إلى تعزيز أخوتهما وإحياء عاطفة الحب في الله التي تربطهما (رُب ضرةٍ نافعة)، وقد سمعنا تورغوت يُعبِّرُ عن حبه لأخيه حين قال: "الموت الذي يأتي من أخي كطعم السُّكر"، فتحولت المحنة إلى منحة وتحول الشقاق إلى صفاء، وتلك حال المؤمن، بَطِيءُ الغَضَبِ سَرِيعُ الفَيْءِ. كما أن النزاع هو أصل الشرور (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وقد رأينا أحد محاربي تيتان يقول في أثناء محاولتهم السيطرة على السوق: "قد انشغل المحاربون بأنفسهم ونسوا أمر السوق، وتلك غايتنا)، فإن الأعداء لا يريدون منا أكثر من أن يكون بأسنا بيننا شديداً؛ كي يتحيَّنوا الفرص تلو الأخرى للانقضاض. ولا يُنسينا ذلك ما أخذناه على بامسي مُسبقاً من مبالغة في غضبه وشدته في توجيه اللوم لتورغوت وعدم التنسيق معه في أمر تيتان ورفاقه، الأمر الذي كاد يحقق للأخير غايته في إلحاق الأذى بهم، فإن ذلك لا يليق بمحاربٍ كبير، فضلاً أن يكون كبير المحاربين. 4- إنَّ حِرْص "عبد الرحمن" على تعليم أحمد (آريس سابقاً) تعاليم الإسلام، وتلاوة القرآن على مسامعه، وإرشاده إلى أن القرآن الكريم شفاء وأن الألم نعمة من الله، فلولاه لما عرفنا نعمة الشفاء والعافية، كل ما سبق يدعم فكرة المجاهد الفقيه الذي يحمل في قلبه بأس المحارب ورحمة الداعية، فليس أرطغرل وحده هو من يحمل ذلك الفهم؛ بل أتباعه كذلك، وهذا من نجاح القائد الذي تفيض خصاله الحسنة على تلامذته، فيصبح أقرب إلى النموذج والمشروع منه إلى الفرد المُلهَم. 5- "إن كنت أنا واسطة اهتدائك للإسلام ولو بقدر ذرة فما أسعدني!"، قالها أرطغرل لأحمد (آريس سابقاً)، متمثلاً بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَأَنْ يُهْدَىَ بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ من الدنيا وما فيها". 6- انصياع حليمة لإسلام "آريس" الذي خطف ابنها وهدَّد حياة زوجها غير مرة، يثبت -بما لا يدع مجالاً للشك- أن قوة العقيدة في نفس المؤمن أقوى وأسمى من شهوة الانتقام، وتثبت كذلك أن المؤمن في سيْره إلى الله لا بد أن يتحلى بالتجرد الكامل من أهواء النفس والانصراف التام إلى غايته العظمى وهدفه الأسمى. 7- قد أحسن السلطان صُنعاً حين طلب حضور أرطغرل إلى قصره؛ حتى يستمع إليه بنفسه، ولم يعتمد وشاية الأمير الخائن إليه أساساً لإيذاء أرطغرل، وتلك من سمات القادة الموفقين، فلا يحكمون بغير بيِّنة، ولا يتسرعون في إصدار الأحكام حتى تهدأ ثائرتهم وتقوى بصيرتهم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :