يعد الإمام محمد عبده أحد أبرز علماء الدين في القرن الماضي لما له من أفكار تنويرية هامة جعلت العديد من أبناء عصره ومفكريه يصفونه بمجدد العصر، كما كتب عنه الأديب محمود عباس العقاد «عبقري التنوير»، ربما هذه الأفكار جعلته دائمًا في مشاكل وصراعات لم تتوقف عند بعض العلماء ليس الرافضين لأفكاره فقط بل في القصر الملكي أيضًا.وفقًا لترجمة سيرة حياة الإمام محمد عبده، اسمه محمد عبده حسن خير الله، ولد بحصة شبشير من قرى إقليم الغربية، ولكنه نشأ في قرية محلة نصر، مركز شبراخيت بمحافظة البحيرة، سنة 1849 م / 1266 ه، وتعلم القراءة والكتابة في القرية، وأكمل حفظ القرآن في سن السابعة، ثم بعث به أبوه إلي الجامع الأحمدي بطنطا ليدرس تجويد القرآن عام 1862 م.بعد أن أتم تعلم تجويد القرآن، بدأ محمد عبده يدرس علوم الدين. ولكنه لم يعجب بطرق التدريس في الجامع والتي وجدها عقيمة ، فهجر الجامع الأحمدي وعاد إلى قريته سنة 1865م. وقرر أن ينقطع عن التعليم ويشارك إخوته في الزراعة ولكن أباه رفض وقرر عودته للجامع الأحمدي في نفس العام.عاد محمد عبده إلي الجامع الأحمدي، ومنه إلي الأزهر عام 1866 م / 1282 ه، وهناك وجد المشايخ ينقسمون إلي قسمين، قسم محافظ وقسم صوفي. ولكن محمد عبده انحاز للفكر الصوفي الذي كان يرأسه الشيخ حسن رضوان.في كتابه «عبقري الإصلاح محمد عبده» يقول محمود عباس العقاد: «إن محمد عبده كان ثائرًا ولكنه لم يكن عرابيًا. كان يؤيد الثورة العرابية في “أمرين: أولهما: تنبيه الرأي العام وجمع كلمته للمطالبة برفع المظالم وإصلاح الحكم و إسناد المناصب الكبري ووظائف الحكومة عامة إلي الوطنيين، و ثانيهما هو التعويل على إنهاض الأمة وإقامة نهضتها علي أسس التربية والتعليم وإعدادها للحكم النيابي المستقل برغبتها الصادقة وقدرتها على صيانته من عبث الولاة المتسلطين».دخل محمد عبده في أزمة عنيفة مع الخديوي عباس حلمي الثاني حينما قرر الأخير بيع أراضي الأوقاف ورغبته في بيعها وهو ما رفضه الإمام فقرر عباس حلمي الانتقام منه وتلفيق التهم ضده وتهييج عدد من علماء الازهر لاتهامه بالكفر وفي النهاية قرر الملك نفيه إلى منطقة عين شمس وتحديد إقامته.أما السبب الآخر في الخلاف هو أن الإمام محمد عبده يرى أن الأتراك غير قادرين على قيادة الأمة الإسلامية للرقي والرفعة، ويتمنى أن يتولى العرب خلافاتهم بأنفسهم ولكنه يخشى أن الدعوة للتخلص من حكم الأتراك الغاشم قد يؤدي إلى نشوب صراع بين العرب والأتراك يضعفهم ويجعلهم لقمة سائغة للأوروبيين الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على أملاك الدولة العثمانية، وهو ما حدث بالفعل بعد الحرب العالمية الأولى.
مشاركة :