الجزائر - أظهرت بيانات جزائرية رسمية حديثة أن قيمة الأوراق النقدية التي طبعتها الدولة حتى نهاية نوفمبر الماضي تعادل عشرين مليار دولار، في إطار التمويل غير التقليدي لسد العجز وتسديد الدين الحكومي الداخلي. وجاءت هذه الأرقام في آخر عدد للجريدة الرسمية الصادرة أمس، تطرق للوضعية المالية للبلاد والذي أشار إلى أن قيمة السندات المالية الصادرة أو المضمونة من طرف الدولة بلغت 19.9 مليار دولار. وسبق لرئيس الوزراء أحمد أويحيى، أن صرح بأن خطوة التمويل غير التقليدي سيمكن الدولة من تسديد الدين الحكومي الداخلي ومدفوعات صندوق المتقاعدين وغيرهما. ويثير لجوء الحكومة إلى طباعة النقود لسد الفجوة الكبيرة في التمويل، استياء الأوساط الاقتصادية والشعبية التي ترى أن الخطوة ستعمق جراح اقتصاد البلاد الذي يعاني من أزمة فشلت معه كل السياسات الاقتصادية في معالجته بشكل جذري. 90 مليار دولار، فقدتها الجزائر من احتياطاتها النقدية منذ بداية أزمة أسعار النفط في منتصف 2014 وحذر خبراء في الجزائر منذ أن أعلنت السلطات اواخر العام الماضي أن ستقدم على هذه الخطوة من خطورة التمويل غبر التقليدي، وآثاره على معدلات التضخم والأسعار والقدرة الشرائية للمواطنين، وسط تأكيدات من الحكومة بمرافقته بإجراءات رقابية صارمة لتفادي انعكاساته السلبية. وتشكل مخاطر إفلاس البلاد صداعا مزمنا للحكومة التي باتت في مفترق طرق على اعتبار أن كل الخيارات المتاحة للخروج من نفق الأزمة ستكون مؤلمة، بما فيها خطوة التمويل غير التقليدي، الذي يرى محللون أنه سيفاقم الأزمة وبالتالي تأجيج الاحتجاجات الشعبية. وورد في نفس الوثيقة، بأن قيمة السندات المالية الصادرة أو المضمونة من طرف الدولة حتى نهاية أكتوبر الماضي قد بلغت قرابة 5 مليارات دولار. وكان متحدث رسمي باسم الحكومة قد صرح في ديسمبر الماضي، أن إجمالي عجز الخزينة العامة، سيتم التكفل به بفضل آلية التمويل غير التقليدي التي شرعت الحكومة في تنفيذها. وتحتاج الدولة نحو 5.5 مليار دولار لتسيير شؤونها، وهذا الرقم يبدو من الصعب توفيره في ظل الظروف الحالية، وبالتالي فإن الحكومة وجدت نفسها مضطرة لطباعة أوراق نقدية جديدة دون تغطية وذلك بعد تعديل قانون القرض والنقد. وعدلت الحكومة مطلع أكتوبر الماضي قانون النقد والقرض الذي يحكم المنظومة المصرفية للبلاد، من أجل اعتماد التمويل غير التقليدي، الذي يتيح للخزينة العامة الاقتراض مباشرة من البنك المركزي، الذي سيسمح له بطبع المزيد من الأوراق النقدية للدينار. وبررت السلطات الجزائرية اعتماد هذا الإجراء المثير للجدل من أجل تفادي تجربة الاستدانة الخارجية التي مرت بها البلاد في تسعينات القرن الماضي. وتعيش الجزائر منذ منتصف عام 2014 أزمة اقتصادية حادة جراء انهيار أسعار النفط، انسحبت على كل مظاهر الحياة وأدت لنوع من الشلل الاقتصادي تسبب في تبخر مليارات الدولارات من احتياطات البلاد من العملة الصعبة. أحمد أويحيى: التمويل غير التقليدي سيمكننا من تسديد الدين الداخلي وتغطية العجز وتقول السلطات إن البلاد فقدت قرابة نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، التي هوت من حوالي 60 مليار دولار في عام 2014، إلى حوالي 34 مليار دولار العام الماضي، وهو مؤشر كاف لتخبط الدولة في سياساتها. وتظهر تلك الأرقام أن احتياطات الجزائر من العملة الصعبة تقترب من المنطقة الحمراء، وهو ما يعني أن الدولة النفطية دخلت في منعطف خطير من أزمتها الاقتصادية. وبلغت الاحتياطات النقدية للجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 100 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، بعدما كانت تبلغ نحو 114 مليار دولار نهاية 2016، وفق ما اشارت إليه البيانات الرسمية. وفي ضوء تلك المؤشرات المقلقة تكون الجزائر فقدت نحو 90 مليار دولار من احتياطاتها النقدية منذ بداية أزمة تراجع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، وهي مرشحة للارتفاع. وكان أويحيى قد طمأن مواطنيه عندما تقلد منصبه قبل أشهر، بأن احتياطي النقد الأجنبي لن يهبط عن مستوى مئة مليار دولار لغاية حلول عام 2020 مع الحفاظ على معدل التضخم عند 5 بالمئة. ويقول محللون إن فقدان الجزائر لجزء كبير من احتياطاتها النقدية يعكس فشل السياسات المالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة، والتي تسببت في أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة الاعتماد المفرط على عوائد صادرات النفط والغاز. واضطرت الحكومة في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم، للسير في طريق زيادة الضرائب من أجل ردم الفجوة الكبيرة في عجز الموازنة. ويساور الخبراء قلق من أن الخطوة قد تعمق الأزمة وتنذر بتفجر الاحتجاجات بسبب شلل محركات النمو أصلا. وللعام الثاني على التوالي تستهدف موازنة 2018 جمع إيرادات من الضرائب تفوق عوائد الطاقة التي ظلت لعقود المصدر الرئيسي لإيرادات الموازنة العامة. وتتوقع الحكومة عجزا في موازنة العام الجاري بأكثر من 21 مليار دولار، وهو رقم قياسي، بحسب الخبراء، في بلد يعتمد بشكل مفرط على النفط. وتمثل عائدات النفط أكثر من 90 بالمئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، وحوالي 60 بالمئة من الموازنة السنوية، لكن مع تراجع العائدات اضطرت الحكومة إلى وضع استراتيجيات جديدة لا يبدو أنها مجدية.
مشاركة :