الأعياد الوطنية.. ملامح الاحتفال وذاكرة التقييم

  • 3/6/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

د. صالح السعيدي| كالعادة، مرّت الاحتفالات الوطنية لعيدي الاستقلال والتحرير، كما كان يحدث كل عام تقريباً؛ احتفالات في كل مكان مشبعة بــ«الكرنفالية»، واحياء للمناسبة بأسلوب يتعاطى مع الذكرى من دون التوغّل في مضمونها ويتفاعل مع الحدث من دون التعمق في رمزيته. وبمرور الوقت، اصبح احياء هذه الذكرة منحصراً في كمّ الاغاني ومستوى التفاعل الخطابي المبالغ فيه أحيانا لهذه المناسبات دونما استحضار لقيم هذه المناسبات الوطنية ومعانيها في حاضرنا. وعلى الصعيد المعنوي، فإن لمحطات التاريخ الكبرى دوراً محورياً ومفصلياً في عملية التحديث والتجديد والرقابة والمحاسبة الذاتية، فهي الحد الفاصل بين الماضي والمستقبل، والتاريخ لا يكرر نفسه إلا لدى الشعوب والمجتمعات، التي هي في حالة جمود وانتظار في الدول المتقدمة، وإن هذه المناسبات تعد فرصة لمراجعة البيانات وتحديث المعلومات، الغاية منها استكشاف البوصلة التي تسير فيها، لكونها تعتبر محطة لتقييم المسيرة وتقويم المسار، إن وجد به خطأ أو لإيجاد نوافذ جديدة وآفاق متجددة، من اجل مستقبل أفضل، مستفيدة من تجارب الماضي ودروسه، وحتى من اخفاقاته واخطائه وعثراته واعتبارها محطة، تمكن معها المقارنة بين كيف كانوا؟ وأين أصبحوا؟ ولذلك، فإن هذه الدول لا يتوقف تطورها عند حد معين من المدنية والحضارة والرقي، بل هي في تقدّم مستمر وصعود متتالٍ، أما عند البلدان المتخلّفة والمجتمعات المتأخّرة حضاريا فالمحطات التاريخية ليست سوى ماض انقرض وتاريخ غابر، وحدث أصم من دون روح، تتوقف عنده ولا تسعى لاستحضاره، فلا تستفيد أبدا من هذه المناسبات، لأنها تذهب إليها من خلال اعادة حاضرها الى الماضي، وتحيي هذه المناسبات عاما بعد عام دونما وقفة او توقف للمراجعة، فتمر عليها عقود من دون أي تجديد أو تحديث، وتظل عجلة التاريخ تدور حول نفسها. فلا يمكن قياس التطور بمبان تشيّد، أو أجهزة تستورد للتباهي، وبضاعة تشترى للاستهلاك، كما ان مقياس الوطنية لا يكون بنظم الكلام او اجادة الرقص، ومعيار الانتماء لا يكون بعدد الاعلام والصور الموضوعة على المنزل او السيارة. إن الاحتفال بعيد الاستقلال يحقّق معناه وغرضه بمواطن محصّن الفكر والوعي لا ينجرّ للفوضى، ولا ينساق للفساد بكل أنواعه، ومهما بلغ حجمه، ويكون ملتزما بالقانون بمصالح الوطن، متحررا من الضعف والسلبية والاتكال والمحسوبية. والمواطن الصالح هو الذي يفيد المجتمع اكثر ما يستفيد منه، فأعلى درجات الوطنية تتحقق في وعي جماعي مستنير، وسلوك أخلاقي مسؤول، والتطور الحقيقي للمجتمع يكون فقط نتاج تراكم الفعل الحضاري للمواطن، الذي هو الجزء الأساسي في بناء أي مجتمع.

مشاركة :