في عالم الفن العربي لا شيء يعادل تصوير الفنان السكندري محمود سعيد للشخوص المصرية. النساء والرجال لديه عمالقة أقوياء، نظراتهم ثاقبة وقاماتهم ممشوقة. والمرأة لدى سعيد تتعدى كونها إنسانا، هي رمز، للأنوثة وللأمومة وللأسرة وللوطن، طبقات فوقها طبقات من المعاني تواجهنا في كل لوحة لهذا الفنان العبقري.ومع التقدير المتزايد لسعيد في مزادات الفن العربي والعالمي والأرقام القياسية لمبيعات لوحاته، تطل لوحة جديدة بريشة الفنان السكندري ظلت مختفية عن الأنظار لما يقارب الـ40 عاما في مجموعة أحد المقتنين المصريين، حيث ستعرض للبيع في مزاد دار سوذبي القادم للفن العربي والإيراني في شهر أبريل (نيسان) القادم.في حديث مع خبير سوذبي للفن العربي والإيراني ومسؤول المزاد المقبل، يشير أشكان باغستاني إلى أن اللوحة متفردة بموضوعها وبأسلوب سعيد المميز. يشير إلى أن اللوحة تضم أكثر من ملمح من الملامح إلى تميز عمل محمود سعيد فهناك الأشخاص الممشوقو القامة ببشرة سمراء لامعة ومشدودة كتماثيل المعابد الفرعونية، هناك أيضا تصوير مبدع لأشجار النخيل والنيل وأيضا الصحراء التي تداعب الناظر مع أعماق اللوحة.نحن أمام مشهد من صميم الحياة المصرية، الواحة البديعة التفاصيل تحيط بشخصيتين، رجل وامرأة، يعتبرهما سعيد رمزا لبداية الحياة، يسميهما آدم وحواء. وعموما فاستخدام الرمز ليس حدسا في أعمال سعيد فهو قد استخدمه في لوحة موجعة بعنوان «الهجرة» نفذها في أوائل الأربعينات من القرن الماضي في وسط أجواء مشحونة بالخوف من الدمار والويلات التي ستصيب العالم جراء الحرب العالمية الثانية. «الهجرة» والتي تمثل رجل وامرأة تحمل طفلا وهما يلوذان بالفرار من ويلات الجحيم، بالنسبة له البشرية برموزها تلوذ بالفرار من الجحيم وهو ما يختلف عن لوحته هنا فشخوصه الرجل والمرأة أو آدم وحواء في وسط واحة مزدهرة تبدو كتصور الجنة على الأرض، لا توجد دلالات الحرب والصراع والخوف والهروب.«إنها لوحة متحفية بمعنى الكلمة» يضيف باغستاني ويير إلى رمزية الشخصيات التي تبدو كأنها تطفو فوق المشهد. يرى باغستاني أن اللوحة الرمزية متأثرة بكثير من الفن الغربي، تستدعي للذهن فناني عصر النهضة مثل الإيطالي ماساتشو. ولكن سعيد لا يتعامل مع شخوصه هنا باعتبارهم شخصيات مقدسة وحقيقية بل هم رموز مصرية خالصة تنتصب وسط واحة خضراء ونهر يجري وحمامة بيضاء وادعة، تؤكد على السلام المهيمن على اللوحة.كل العناصر حول الرجل والمرأة الواقفين بثبات هي مصرية خالصة، لون التراب، السماء الزرقاء الصافية، أشجار النخيل الباسقة، النور الذي يضيء اللوحة بجلال، هناك أيضا الصحراء في العمق... في اللوحة عشق خاص وإجلال لفكرة الإنسان والوطن والسلام.يشير الخبير الفني للتأثيرات المختلفة من كافة المذاهب الفنية والتي تتضافر سويا في فن سعيد، من الفن الفرعوني بشخوصه العملاقة وبرموزه المختلفة، إلى جانب تأثره بفناني عصر النهضة وبفناني الفن الانطباعي والحديث في أوروبا. ما فعله محمود بكل تلك المؤثرات خلق نوعا من الواقعية المصرية الخاصة.يعد دباغستاني اللوحة من ضمن أهم اللوحات لسعيد التي عرضت في المزاد. العمل يعود لعام 1937 ويجسد الحوار بين تاريخ الفن الأوروبي والروح المصرية.
مشاركة :