بغداد- عكست الزيارة التي قام بها أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الاثنين، إلى العراق رغبة الناتو في جسّ نبض بغداد بشأن توجّه الحلف نحو تدعيم وجوده العسكري على الأراضي العراقية في مهمات غير قتالية تتلّخص في تدريب الجيش العراقي على مقاومة الإرهاب، لكنّها تنطوي على بعد رمزي كبير للولايات المتحدة التي تدفع الحلف دفعا لمشاركتها وجودا عسكريا في العراق تريده ممتدا إلى ما بعد نهاية الحرب على تنظيم داعش وأكثر كثافة مما هو عليه الآن. ولن يخلو توسيع الحلف لمهمته في العراق وكذلك تمديد فترة بقاء القوات الأميركية هناك من مصاعب وتعقيدات مأتاها وجود قوى سياسية مشاركة في السلطة وذات تأثير كبير في عملية اتخاذ القرار، ترفض التوجّه الأميركي- الأطلسي ولن تتأخّر في ممارسة ضغوط شديدة على رئيس الوزراء حيدر العبادي لإغلاق الباب أمام ذلك التوجّه. وتتمثّل تلك القوى في الأحزاب والميليشيات الشيعية ذات الصلات القوية بإيران التي ترى في الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية تهديدا لنفوذها الواسع بالبلد. وكثّفت واشنطن من تحذيراتها من وجود تهديدات أمنية قوية في العراق رغم إعلان النصر العسكري على تنظيم داعش، وهو ما يستدعي وفق الطرح الأميركي مواصلة التعاون الدولي لمواجهة تلك التهديدات حتى لا تتوسّع وتأخذ بعدا عالميا. وتجد واشنطن في الواقع الأمني بالبلد ما يدعم طرحها، حيث عاد تنظيم داعش إلى النشاط بشكل ملحوظ عبر تنفيذه هجمات خاطفة، وهو ما تجلى بوضوح من خلال عملياته الدموية الأخيرة في محافظة كركوك بشمال البلاد. حلف شمال الأطلسي يتخطّى تردّده بشأن توسيع دوره في العراق ويستجيب لإلحاح واشنطن التي لا تطلب منه أكثر من الانخراط في تدريب القوات العراقية، وأن يظل موجودا هناك ليغطي ما تسعى له من وجود عسكري على الأراضي العراقية يتجاوز زمنيا فترة الحرب على تنظيم داعش والاثنين تسلل عناصر من التنظيم إلى منطقة العويسات قرب عامرية الفلوجة غربي بغداد واشتبكوا مع قوّة من الحشد الشعبي متمركزة هناك، وخلّف الهجوم قتلى وجرحى من الجانبين. وقال أمين عام حلف الناتو خلال لقائه الاثنين في بغداد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إنّ الحلف مستمر في دعم العراق ومساندته، وإنّه يقوم بتدريب القوات العراقية وبناء الأكاديميات العسكرية والتزويد بالخبرات. واستجاب وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي مؤخرا لطلبات أميركية ملحّة ووافقوا على توسيع مهمة التدريب والمشورة العسكرية والأمنية بالعراق. وطلب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس رسميا مشاركة الناتو بمهمات تدريب بالعراق في رسالة وجهّها إلى الدول الأعضاء في الحلف. وقال معلّقا على الطلب “سوف نذهب لتنفيذ مهمة مُحكمة في العراق”. وشرح أنّ المهمة المطلوبة هي تدريب العسكريين العراقيين على “حماية شعبهم من صعود نوع آخر من المنظمات الإرهابية”. وتسعى الإدارة الأميركية إلى تصحيح ما تعتبره خطأ الانسحاب العسكري من العراق في 2011. وقال نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان مؤخرا إنّ بلاده لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر. عبدالعزيز حسن: العراق بحاجة لانسحاب كل القوات الأجنبية.. لكن الوقت ليس مناسبا الآن عبدالعزيز حسن: العراق بحاجة لانسحاب كل القوات الأجنبية.. لكن الوقت ليس مناسبا الآن وللناتو حاليا مهمة تدريب محدودة في بغداد لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب شدد على ضرورة اضطلاع الحلف بدور أكبر في جهود مواجهة المتشددين بالعراق، محذّرا من تحوّلهم لتهديد مدن أوروبية. وحاول الأعضاء الأوروبيون في الحلف منذ فترة مقاومة طلب واشنطن خشية الدخول في مهمة عسكرية مفتوحة أخرى بعد أكثر من عشرة أعوام من التخبط في أفغانستان. وقال دبلوماسيون إن كل الحلفاء باتوا يؤيدون مهمة أوسع نطاقا تلبية لطلب شخصي من ماتيس تقدّم به في وقت سابق وتأكيدات بأن المدربين سيبقون بمنأى عن المهام القتالية. وأضاف الدبلوماسيون أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعث برسالة يطلب فيها مساعدة حلف الأطلسي. ومثل هذا الطلب الذي لم تصدر أي تأكيدات رسمية بشأن تقديمه، يحرج العبادي أمام شركائه في السلطة من قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الذين وقفوا بقوّة وراء تمرير قرار في مجلس النواب (البرلمان) يدعو الحكومة إلى وضع جدول زمني لمغادرة القوات الأجنبية للأراضي العراقية. وفي المقابل لا تخلو الساحة العراقية من أصوات يعتبر أصحابها أنّ الحاجة للقوات الأجنبية ما تزال قائمة في العراق الذي لم يتعاف تماما من آفة الإرهاب ولم يستعد استقراره. ونُقل الاثنين عن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عبدالعزيز حسن وصفه للحديث عن سحب القوات الأجنبية بأنه مجرّد مزايدات إعلامية. وقال حسن لموقع السومرية الإخباري إن “الحرب لم تنته حتى اللحظة ومازال خطرها قائما، ومفتاح حلها ونهايتها مع المشاكل السياسية بالمنطقة هو في سوريا وليس في العراق”، مبينا أن “هناك صراعات وأجندات دولية وإقليمية أثرت وستؤثر على الداخل العراقي وعلى مستوى علاقاته الخارجية”. وأكّد قوله “كل ما نسمعه من دعوات لسحب القوات الأجنبية في هذا الوقت أو القرارات التي تصدر بهذا الشأن لا تتعدى كونها مزايدات إعلامية”، معتبرا أن “العراق بحاجة لانسحاب كل القوات من أراضيه سواء الأميركية أو غيرها لكن الوقت ليس مناسبا الآن”. ومن جهتهم ينبّه خبراء الشؤون العسكرية إلى وجود فائدة عملية لتوسيع دور الناتو في العراق ليتجاوز مجرّد توفير الغطاء الرمزي للقوات الأميركية هناك، ويتمثّل في بناء قوات مسلّحة عراقية مهنية وغير متحزّبة، خصوصا وأن المخاوف من تسييس الجيش والشرطة العراقيين تضاعفت مع التوجّه نحو إدماج عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية المرتبطة بأحزاب شيعية
مشاركة :